إن مشكلة التعليم من أخطر المشكلات التى تواجه بلدًا ما فى سبيل تحقيق النمو والتقدم فى شتى المجالات العلمية والاقتصادية والسياحية وغيرها.
وفى مصر تعددت الأفكار والرؤى حول كيفية تطوير العملية التعليمية، وقد اتخذت مصر فى الآونة الأخيرة سبلا متعددة وقرارات عدة من شأنها أن تنهض بالتعليم، ولكنى أرى أن هذه السبل قد تودى بنا إلى مهاوى الفشل، إذ أن هذه القرارات تفتقر إلى أشياء كثيرة من شأنها النهوض بالتعليم.
لماذا يظل صانع القرار دائمًا بمنأى عن طبيعة قراره؟ فنرى مثلاً وزير التعليم المصرى أستاذًا بكلية الهندسـة أو أستاذًا بكلية الطب، كأننا نتعامل مع منشآت هندسية، أو مع طلاب مرضى يحتاجون إلى إرشادات طبية.
علينا أن ندرك أن للمنظومة التعليمية مكونات شتى، يأتى على رأسها الطالب الذى يعتبر قمة هذه المنظومة والبطل الرئيسى فيها، ثم يأتى المعلم الذى يلعب دور القائد لهذه المنظومة، ثم يأتى دور المناهج المقررة، والمبانى التى تدار فيها تلك العملية الرفيعة.
وإصلاح منظومة التعليم من وجهة نظرى تكمن فى عدة أمور يأتى فى مقدمتها الاختيار الصائب للقائد الأعلى لتلك المنظومة ألا وهو وزير التعليم، فيجب أن يكون الوزير من قلب العملية التعليمية، قد مر بمراحلها المختلفة عاشها وعايشها.
لماذا لا يكون اختيار الوزير مبنيًا على الخبرة والقدرة على القيادة الخوض فى مضمار التقدم والنهوض بالعملية التعليمية؟ لماذا لا يقرر رئيس الوزراء طرح منافسة بين عدد من الشخصيات المتخصصة فى مجال التعليم، ولتكن مثلا ثلاث شخصيات، لوضع استراتيجية تحدد ملامح النهضة الإصلاحية فى التعليم، ثم تطرح هذه الاستراتيجيات على هيئة كبرى شاملة من المتخصصين فى مجال التعليم والتخطيط والمال ومن المعايشين للعملية التعليمية، لدراسة مدى إمكانية تنفيذ الخطة على أرض الواقع ومقدار ما تحققه من نتائج فى المستقبل، ثم يتم اختيار صاحب الخطة الأفضل ليكون وزيرًا ويبدأ بدوره فى تنفيذ خطته مع الاستعانة بكل ما يستطيع الاستفادة به من خطط الآخرين.
ولا شك أن نجاح التعليم يتوقف أيضًا على إعداد معلم جيد ليتولى القيادة العملية لهذة المنظومة العظيمة. وإننى أعنى بالمعلم الجيد ذلك المعلم الذى يفهم ما يتعلم، ولديه القدرة على توصيل ما يفهمه مع الإبداع فيه.
وإذا أردنا إعداد مثل ذلك المعلم، فعلينا أن نراعى أولاً كيفية تأهيل الشخص كى يصبح معلمًا، فلا يكون المعيار الذى يؤهله للالتحاق بالكليات المتخصصة فى ذلك هو مقدار ما حصل عليه من درجات فى الثانوية العامة، بل لابد أن تكون الرغبة فى امتهان هذه المهنة هى المعيار الأول والأساسى الذى يؤهله لها، إذ يكون المعلم حينئذ محبًا لمهنته، قادرًا على البذل والعطاء، وعلى التطوير والإبداع.
وهذا مانفتقده فى معظم معلمى اليوم.
وبالإضافة إلى ذلك لابد من النظر إلى المعلم على أنه صاحب رسالة، وأن نوليه الثقة فى قدراته الفكرية والإبداعية فى مجاله. وألا ننظر إليه على أنه (دفتر تحضير) يحدد مستواه ومدى جدارته بمقاييس لا تمت إلى كونه معلمًا أى صلة، كأن يكتب فى الهدف المعرفى مثلاً (أن يعرف) أم (أن يتعرف)، وفى الهدف المهارى (أن يمهر) أم (أن ينطلق) وغير ذلك من خطوات التحضير الذى لا صلة له بواقع الدرس، وهذه حقيقة لا يستطيع أن ينكرها أحد فى أرض الواقع، إذا وضعنا الأمور فى نصابها. وفى بعض الأحيان يكون المحدد لتقدير المعلم وجودته مدى التوافق النفسى بين المعلم والموجه الذى يقوم بمتابعته. مع الوضع فى الاعتبار أن هناك أشخاصًا شرفاء يراعون الله فى هذا، ولكنهم قلة.
ونأتى إلى البطل الرئيسى فى هذه المنظومة وهو الطالب، فعلينا أن نوليه رعاية خاصة، وأن نهتم بما يُقدم له من مناهج دراسية تساعد على تكوين فكره وتنمية قدراته، فيجب أن يكون محتوى هذه المناهج ملائمًا فى كمه وكيفه نضجه العقلى والجسمى، مخاطبًا فكره، مساعدًا له حقًا على تنمية قدرة الإبداع، ومراعيًا الأبعاد النفسية والاجتماعية التى يعيشها الطالب، وألا يكون المحتوى مبنيًا على التلقين الذى ينتج طالبًا يحفظ فى المقام الأول ثم يفهم، إذا تحقق ذلك فى المقام الثانى. فضلاً عن اللمسة الجمالية للكتاب المقدم إليه، مما يقوى عنصر التشويق لدى الطالب.
ولست أعول على المناهج الدراسية فحسب، بل أعول أيضًا على طريقة وضع أسئلة الامتحانات وأهدافها التى يجب أن تقيس قدرات الفهم والاستنتاج والإبداع لدى الطالب، فما من شك فى أن المعلم قد يُضطر إلى قولبة المنهج على حسب الهيئة التى يصاغ بها سؤال الامتحان.
ولا ننسى فى هذا المضمار أن نشير إلى ضرورة ما يجب أن تكون عليه المناهج الدراسية للمادة الواحدة من تكامل فى سنواتها المختلفة، فلابد من التدرج وعدم التكرار بلا داعى، ويمكن تحقيق ذلك بمراعاة الاتفاق بين المتخصصين فى مجال المادة الواحدة، على أن يقسم المحتوى على مدار سنوات دراسته بما يحقق النتائج المرجوة من ذلك.
ولا يكفى أن يكون واضعو المناهج من المتخصصين فى موضوع المادة وأساتذة التربية فقط، بل يحتاج تقديم منهج مناسب أطباء نفسيين ومتخصصين فى علم الاجتماع ولغويين وممثلين عن العملية التعليمية فى واقعها من معلمين وطلاب. وفى المقام الأخير يجب أن ننحى عالم السياسة جانبًا إذا أردنا تنشئة جيل محب لوطنه بفطرته، قادرًا على فهم الحرية الاجتماعية فهمها الصحيح.
محمود عبد الهادى يكتب:"تعليم" لا محل له من الإعراب
الثلاثاء، 29 أكتوبر 2013 09:44 م
الدكتور محمود أبو النصر وزير التعليم
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة