قبل عشرات السنوات، كان لأمريكا دور فى تغيير النظام الحاكم فى إيران، ونتيجة لذلك وصل إلى الحكم من هو موالٍ لهم، وقد كان ذلك مكسبًا لهم لبضع سنوات، ثم قامت على صديقهم العزيز الثورة فأصبحت أمريكا وإيران على عداوة لعشرات السنين، تخلل تلك العداوة أحداث السفارة الأمريكية فى إيران، والتى تخللها دخول إيران فى حرب مع العراق، بدعم أمريكى للأخيرة لوضع ضغوط على إيران وتضييق الخناق عليها، ثم تنتهى الأزمة بعد دقائق من فوز ريجان فى الانتخابات الأمريكية، وتبدأ أمريكا فى تقديم دعمها لإيران أيضًا خلال الحرب، قد كان لديها الرغبة فى أن انتصار العراق مع تحقق أكبر قدر من الخسائر فى صفوف الجيش العراقى، فتكون بذلك صنعت الأداة وأتلفتها، وبالتأكيد عندما لم تنجح الخطة تمامًا، كانت حرب الخليج الثانية هى المفتاح للقضاء على الجيش العراقى، أمريكا لم تكترث أو تهتم لأن الاتفاق مع الدول العربية نص على تدخل ينتهى بتحرير الكويت دون أى توغل منها فى الأراضى العراقية، لكنهم استمروا.
ومن يتمعن فى هذا السيناريو جيدًا سيجد أنه تكرر مع أفغانستان، أرادت أمريكا أن تلحق ضررًا بغريمتها روسيا، فكانت تمول معارضيها، لم يكن لديها مشكلة فى تمويل من وصفتهم لاحقًا بالإرهابيين بل وتدريبهم، ثم عملت على التخلص منهم، بغض النظر عن كون أحداث 11 سبتمبر كانت بتدبير أمريكى أم لا، ذلك لا يغير حقيقة أنهم من صنعوا ذلك الإرهاب.
لم تكن خيارات السياسة الأمريكية يومًا تقوم سوى على المصلحة وفرضها بأى وسيلة ممكنة، أمريكا تهدد بوقف المساعدات عن دول بحجة أن أنظمة تلك الدول عسكرية أو قمعية، لكنها لم يكن لديها مشكلة مع ذلك مع برويز مشرف الذى قاد انقلابًا عسكريًا فى باكستان، لم يكن هنالك مظاهرات وإنما كان انقلابًا بأتم معنى الكلمة كان نتيجة ما يمكن وصفه بأنه صراع على السلطة.
هم لا يكترثون لمرسى ولا لمن فى السلطة وإنما المهم أن تسير الأمور وفق المصلحة، نعم كانوا يدعمون مرسى لأنه فى نظرهم هو وغيره أداء ستصل بهم حيث يشاؤون، لكنى لا أعتقدهم ناقمين تمامًا على الوضع الحالى فى مصر، فهنالك فئات تتطاحن وهم يراقبون الوطن يتمزق، لذلك هم يمسكون العصا من المنتصف، موقف أمريكا الرسمى الوارد فى تصريحات البيت الأبيض يتفادى تمامًا استخدام لفظ "انقلاب"، لكنهم يرسلون موفدين عن الكونجرس مثل جون ماكين الذى هاجم على مدار أشهر سابقة أوباما بفضل سياسته فى الشرق الأوسط ودعمه للإخوان، يعود ماكين بعد زيارته لمصر ليصرح بأن ما حصل انقلاب، فتكون بذلك الحكومة الأمريكية قد أمسكت العصا من المنتصف، فماكين ومن معه لا يمثلون الموقف الرسمى لإدارة أوباما، وبالتالى تفرض ضغوطًا بشكل غير رسمى، تمامًا كما هو حال المعونة.
فى أمريكا الكثيرون يتحدثون عن حقوق الإنسان ووجوب محاسبة النظام الحاكم فى مصر على ما يحصل، ولكن كم منهم التفت إلى أن ممثلى حقوق الإنسان الذين من المفترض أن يمثلوا ضحايا اعتداءات الطيران الأمريكى من المدنيين خلال غاراتهم على مواقع يقولون إنه يقطن بها إرهابيون، ممثلى هؤلاء من حقوق الإنسان يعانون حتى اللحظة للحصول على تأشيرة دخول، للإدلاء بما لديهم أمام الكونجرس الامريكى.
حقوق الإنسان لم نراها فى حربين شنتهم أمريكا خسرت خلالهم 3 مليارات دولار انتهت بتشريد وقتل عشرات الآلاف من المدنين، وسبقت حربهم الثانية على العراق أكبر مظاهرة فى التاريخ ضد الحرب من قبل الشعب الأمريكى رفضًا للتدخل العسكرى فى العراق، أين كانت شرعية بوش عندما أعلن الحرب من نفسه، رغم أن الدستور الأمريكى ينص على وجوب الحصول على موافقة الكونجرس، ثم بعد أن شرد من شرد وقتل من قتل يقول بكل بساطة إنه حتى لو علم بعدم وجود أسلحة دمار شامل فى العراق لما غير رأيه، وأن الأسلحة كانت من الأسباب ولكنهم اجتاحوا العراق من أجل نشر الديمقراطية أيضًا.. حرية تنشر بالسلاح.
ثم أن كان الأمر كذلك فى العراق وفى ليبيا، فأين تدخلكم من أجل الحرية والإنسانية فى سوريا، سوريا هى الدولة العربية الوحيدة التى على علاقة غير وطيدة مع أمريكا، أما البقية فما بين حليف باختياره أو حليف رغمًا عن أنفه.
وإذا ما عندنا بالتاريخ لفترات الحرب العالمية الأولى والثانية وحرب النكبة وغيرهما، سنجد أن الأمر بالنسبة لأى قوة عظمى غربية يقوم على المصلحة، ليس تجاه الوطن العربى فقط وإنما تجاه بعضهم البعض، فأمريكا مثلًا وقفت لبريطانيا فى 56 خلال العدوان الثلاثى فى رسالة واضحة أن أيام بريطانيا العظمى قد ولت وأن أمريكا قد ورثتها، وأنه لم يكن يفترض ببريطانيا أن تدخل فى اتفاق مع فرنسا وإسرائيل دون العودة إليها والحصول على مباركتها.
الفكرة فى أن تصنع الأداة لتخوض عنك معركتك مع معارضيك، تمولهم ثم يخوضون معركتك عوضًا عنك ويقضون على معارضيك أو يحققون أهدافك السياسية، ثم أن لم تستنزفهم المعركة، سيكون عليك القضاء عليهم بنفسك حتى تضمن ألا يصبحوا يومًا منافسين لك فى مصالحك، لذلك أمريكا لديها مشكلة دائمًا مع الدول التى لديها طموح كبير فيم يتعلق بتطوير قدراتها العسكرية، لأن ذلك يعنى المزيد من استقلال القرار والمزيد من النفوذ والتأثير، سواء كانت الدول تلك ديمقراطية أم غير ذلك، سواء كانت حليفة لها أم لا.
يقولون إن أمريكا بلد تطور لأنه تحرر من القيود الدينية، لكن الحقيقة أنه تحرر من كل القيود الأخلاقية والدينية، فأصبح وطن لا يحكمه مبدأ أخلاقى فى سياساته، غاية تبررها وسيلة، بغض النظر عن سياستهم ومؤسساتهم المعنية بشأنهم الداخلى، فالحديث هنا قد يختلف وكلامى أحصره على سياستهم الخارجية، ورغم كل ذلك ورغم كل تلك الممارسات الإرهابية والقمعية منهم، لكننا لو لم يكن بنا خلل لما نفذ الفساد إلينا، نقول إن "الغرب الفاسد الفاجر" هو سبب ما نحن فيه.. ولكن الحقيقة أن أمريكا وجدت فى كل الأزمان، نحن من تغير ونحن من يستحق ما يحصل له ونحن من يتحمل المسئولية.
علم الولايات المتحدة الأمريكية
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
ابو مازن الاسكندرانى
الشيطان الاكبر