بصرف النظر عن اختلافنا أو اتفاقنا مع الموقف السعودى بالاعتذار عن عضوية مجلس الأمن الدولى ممثلة للقارة الأسيوية، إلا أن هذا الاعتذار يفتح ملف شائك وخطير للغاية ألا وهو مصداقية المنظمة الدولية الأكبر والأضخم فى العالم، لاسيما أهم قطاعاتها أو ادارتها وهو مجلس الأمن.
أرادت المملكة العربية السعودية، التى ظلت تحشد طوال العامين الماضيين للفوز بمقعد من المقاعد غير الدائمة فى مجلس الأمن وفازت به فى النهاية بأعلى الأصوات (176 صوتًا)، أن ترسل رسالة واضحة إلى المجتمع الدولى، مفادها أن هيئة الأمم المتحدة التى تضم كل العالم تقريبًا (194 دولة) تقصر وتتخاذل وتكيل بمكيالين وتعتمد على ازدواجية المعايير فى القضايا الدولية، لاسيما القضايا العربية كالقضية الفلسطينية والقضية السورية.
فقد رأت المملكة أن مجلس الأمن، المنوط به حفظ السلم والأمن الدوليين، لا يقوم بدوره وأداء واجباته وتحمل مسئولياته على النحو المطلوب، وأن قراراته تشوبها الخذلان وعدم المصداقية والكيل بمكيالين.
وللأسف الشديد تدفع الشعوب الضعيفة وغير القادرة على الدفاع عن نفسها ثمن صراعات الدول الكبرى داخل مجلس الأمن، والنتيجة تضاعف معاناة هذه الشعوب وتفاقم أزماتها.
فالقضية الفلسطينية التى تعد القضية الأخطر والأهم والأطول عمرًا فى تاريخ الأمم المتحدة لا تزال بلا حل، وكل الجهود التى تبذل وكل المؤتمرات واللقاءات التى تعقد وكل القرارت التى تصدر فى هذه القضية تذهب هباء بلا فائدة طالما مضى الكيان الصهيونى فى تعنته وعدم تنفيذه لقرارات الشرعية الدولية (أهمها على الإطلاق قرار مجلس الأمن رقم 242 فى 22 نوفمبر 1967 والخاص بانسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضى التى احتلت بعد حرب يونيو 67) وعدم احترامه للقانون الدولى.
والأزمة السورية الدائرة منذ ما يقرب من ثلاث سنوات لا تختلف كثيرًا عن نظيرتها الفلسطينية، مجلس أمن دولى مسيطر عليه من القوى الكبرى عاجز عن اتخاذ قرارات حاسمة وسريعة لحل هذه الأزمة، وتضارب مصالح بين الفاعلين الدوليين فى هذه الأزمة وعلى رأسهم الولايات المتحدة وروسيا، أدى فى النهاية إلى إطالة أمد هذه الأزمة واستمرار معاناة الشعب السورى على جميع الأصعدة، فنكفى أن نقول أن هناك أكثر من 2 مليون سورى فروا من سوريا منذ بدأ الثورة.
الاعتذار السعودى وتداعياته يفتح أيضًا ملف إصلاح الأمم المتحدة بكل أجهزتها ومنظماتها المتخصصة، والتى تعانى من ترهل وشيخوخة أفقدتها المصداقية المطلوبة والقدرة على التفاعل مع القضايا الدولية بالحيادية والشفافية اللازمتين، وأصبحت تمثل عبئًا على العالم لا مساندًا وداعمًا له.
فقد ظلت هذه المنظمة الدولية لأكثر من 60 عامًا منذ إنشائها فى عام 1945 بلا أى جديد وبلا أى إصلاحات، بالرغم من تغير العالم من حولها ودخوله فى مرحلة جديدة من مراحل تطوره، وتغير موازين القوى، وميلاد دول وسقوط إمبراطوريات واندماج كيانات، وظهور قضايا دولية جديدة وأزمات عالمية يعجز ميثاقها أو دستورها على التعامل معها.
وهذا يستدعى ضرورة قيام أمين عام الأمم المتحدة وفورًا لعقد مؤتمر عاجل لجميع أعضاء الأمم المتحدة، للنظر فى تعديل الميثاق وازالة ما به من عوار وتناقض مع الواقع التى تعمل الأمم المتحدة من خلاله أو فى اطاره.
هناك العديد من مبادرات الإصلاح التى لا يسع الوقت ولا تتسع المساحة إلى سردها، ولكن يأتى على رأس الأجهزة التى تحتاج إلى إصلاح هو مجلس الأمن الدولى، الذى لا يلائم تشكيله الحالى خريطة العالم المعاصر والقوى الدولية الجديدة التى ظهرت، فلابد أولا من إلغاء حق النقض"الفيتو" أو إقصاره على القضايا الحيوية والمهمة فقط، بالإضافة إلى ضرورة زيادة مقاعد العضوية الدائمة إلى 15 مقعدًا بدلا من 5 فقط، وزيادة أيضًا مقاعد العضوية غير الدائمة، على أن يصبح شغر هذه المقاعد كلها، وفقًا لمعايير محددة تضمن التمثيل العادل والمتوازن لكل الدول.
ولابد أيضًا النظر نحو إشراك الفاعلين غير الدوليين (Non-State Actors) فى المنظمة الدولية، فقد تقلص دور الدول فى النظام الدولى الجديد لصالح الفاعلين غير الدوليين مثل المنظمات غير الحكومية والشركات متعددة الجنسيات...إلخ، وأصبح لزامًا أن يكون لهؤلاء الفاعلين دورًا أساسيًا فى صنع القرار داخل الأمم المتحدة.
وإذا أراد المجتمع الدولى أن تبقى الأمم المتحدة منبرًا دوليًا لكل دول العالم، فيجب أن تظل بعيدة عن أى خلافات سياسية أو توجهات أيديولوجية أو صراعات بين القوى الكبرى، مما يحول دون أداء مهامها وواجباتها بالشكل المطلوب، وتحقيق أهدافها التى أنشئت من أجله وهى حفظ السلم والأمن العالمين، وإنماء العلاقات بين الأمم، وترسيخ سيادة القانون ونشر قيم العدل والنزاهة، ويجب أن يكون توجهها وقراراتها منطلقة من روح قيمها ومبادئها السامية فقط وليس ما تمليه القوى الكبرى عليها وفقًا لأهوائها ومصالحها.
صورة أرشيفية
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
أحمد المناوي
موقف جماعي