لا ينكر مدعٍ أن الشعب المصري قد هب ثائرًا لنجدة مصر، وقد برهنت الأعداد التي تدفقت كالسيل العرم كرتين على أن الثورة لم تقع مصادفة أو نتيجة فورة حماس آنية سرعان ما يخمدها الصبر عليها، أو فورة غضب مؤقتة سرعان ما تزول، ولذا فإنها ثورة مقصودة مع سبق الإصرار والترصد.
ولما كانت كذلك فلابد أن يكون لها غاية مستهدفة، فلا ينطفئ أوارها في الصدور والأقوال والأفعال إلا ببلوغ هذه الغاية، وقد ثار الشعب بغية إزالة نظام الإخوان، فلما هدد الإخوان ومن لف لفهم الشعب بالسحق والمحق، ولما كان الجيش من الشعب وله أعلن أنه سيحول دون تنفيذ هذا التهديد، وانحاز لخيار الشعب في نجدة مصر من خيار الإخوان الممزق لوحدتها، المهدد لأمنها القومي، المفتت لترابها الوطني، وهذا الخيار بين الشعب والجماعة واختيار الشعب يتسق مع منطق الأشياء، وطبائع الأمور، لأن ترجيح كفة الجماعة على كفة الشعب الخيانة بعينها، والثورة على نظام لا تعني ترقيعه أو ترميمه وإنما إزالته وإزالة آثاره، لأن الترقيع والترميم شأن الحركات الإصلاحية لا شأن الثورات، أما الثورات فهى عمليات جراحية ناجزة، وحين جرى وضع خارطة الطريق دُعي حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية للجماعة لحضور الاجتماع، كمن يستدعي الفيروس وقت إجراء الجراحة ليبث سمومه داخل الجرح النازف، وإلا ما هو المبرر الموضوعي لدعوة نظام قد ثرت عليه لإزالته؟، وبدأت السلطة الانتقالية في ممارسة مهامها في ظل وجود اعتصامي رابعة والنهضة، مع أن القاعدة ألا تتم التحلية قبل التخلية، وإزالة الركام قبل إرساء القواعد، والاعتصام رغم كونه حقًا إلا أنه مشروط بواجب وهو ألا يهدد الأمن القومي، والاعتصام المسلح يمثل تهديدًا للأمن القومي، ويجب وفقًا لمقتضيات الأمن القومي فضه بالقوة، ولا يسمح بحال بالخروج المسلح على الدولة، إلا أن أجنحة في السلطة المؤقتة ارتأت لأسباب تخصها عدم جواز ذلك، وهددت بالاستقالة حال حدوثه، وقد وجهت طعنة نجلاء للثورة، وبالتالي للشعب حين أقدمت على هذه الخطوة، وهذا الجناح ما زال له أتباع داخل السلطة الانتقالية، وفي ظني أن هذا الموقف لا يرتبط بلين القلب ورهافة الحس بقدر ما يرتبط بأجندة مصالح شخصية وضعت علي اعتبار أن الجماعة عائدة.
ومن هنا جاء نصب شادر المبادرات التي تستهدف الصلح مع الجماعة وإعادة إدماجها في الحياة السياسية ، وكأن الثورة لم تكن، قد نتفهم مبادرات الجهات الخارجية التي تري مصلحتها في استمرار وجود الإخوان في المشهد السياسي باعتبارهم الأقرب إلي التوافق مع أجندتهم للمنطقة التي تعثرت بسبب الثورة، فبقاء الجماعة بقاء للأجندة وإن تعثرت لبعض الوقت.
وقد نتفهم مبادرات الأطراف الإخوانية أو الأطراف المرتبطة بها تاريخيًا أو عاطفيًا أو بمقتضي مصلحة محتملة في قابل الأيام، فهؤلاء لهم مصلحة على نحو أو آخر في بقاء الإخوان كتنظيم ، فضلاً عن بقائهم في المشهد السياسي، إلا أنني لا أتفهم حالة الصمت المريب التي جابهت بها الحكومة هذه المبادرات، خاصة أن السكوت في التراث الشعبي علامة الرضا، وعدم إعلان موقف منها في حد ذاته إعلان، مع أن قبول مثل هذه المبادرات يفقد السلطة الانتقالية مبرر وجودها خاصة في ظل فكرة وضع اشتراطات مسبقة للتفاوض تنتقص من فكرة الثورة وتنقضها، فما بالك لو قرأت أن هناك مساعدًا للرئيس المؤقت، ونائبًا لرئيس الوزراء يسعيان لدي شركات علاقات عامة أمريكية للتفاوض مع الإخوان على المصالحة والاندماج في الحياة السياسية مقابل إنهاء العنف، وهنا يثور تساؤل عن مدي العلاقة بين هدف الثورة وما تسعي إليه السلطة المؤقتة؟ وأين الشعب مالك الثورة من هذا الدواء؟
ثورة 30 يونيو - أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة