الأقباط.. أربعون عاما من التمييز والعزل المصريون الأقباط شاركوا أشقاءهم فى الوطن كل الثورات والانتفاضات ولم يحصلوا على الاستحقاقات الخاصة بهم

الإثنين، 28 أكتوبر 2013 02:40 م
الأقباط.. أربعون عاما من التمييز والعزل المصريون الأقباط شاركوا أشقاءهم فى الوطن كل الثورات والانتفاضات ولم يحصلوا على الاستحقاقات الخاصة بهم صورة ارشيفية
تحليل يكتبه: سليمان شفيق

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
نقلا عن اليومى..

هز حادث إطلاق الرصاص على عرس كنيسة العذراء والملاك بالوراق مشاعر المصريين، ونكأ جرحا متقيحا منذ أكثر من مائة عام، فى 1911 عقد المؤتمر القبطى، ومن يطلع على مطالب الأقباط حينذاك سيجد نصفها على الأقل لم يتحقق، وتلاه المؤتمر الإسلامى، ومن يراجع توصياته فسيجد أن الجرح الوطنى لم يلتئم حتى الآن، والغريب أن قادة المؤتمرين صاروا بعد ذلك سويا قادة ثورة 1919، ومنهم سعد زغلول ومكرم عبيد وويصا واصف!
حدثت تفجيرات كنيسة القديسين بالإسكندرية، فى مطلع 2011، وفى 25 يناير من نفس الشهر توحد المواطنون المصريون فى الميادين، وكان من قادة الثورة.. أغلب قادة المظاهرات الاحتجاجية التى اندلعت ضد تفجيرات القديسين.

تعكس هذه الرؤية حقيقة ثلاثية الأبعاد:

البعد الأول: غياب المشروع الوطنى يجعل الهم الطائفى يتجلى.
البعد الثانى: هموم المواطنين المصريين الأقباط، وإن كانت هموما وطنية بالأساس، لكنها لم تحل بشكل جذرى طوال القرن الفائت، ومازالت مطروحة على جدول أعمال الحركة الوطنية المصرية.

البعد الثالث: الحرمان النسبى الذى يعانى منه المواطنون المصريون الأقباط.

ست ثورات وخمس انتفاضات.. والوطن فى العينين:
المقصود بالحرمان النسبى أن المواطنين المصريين الأقباط شاركوا أشقاءهم فى الوطن كل الثورات، وكل الانتفاضات، وضحوا، ولكنهم لم يحصلوا على الاستحقاقات الخاصة بهم..1804 قاد الشريف عمر مكرم أول ثورة وطنية، وقدم المصريون أول وثيقة دستورية فى الشرق، والرابعة فى العالم، وكان الأقباط معه، المعلم إبراهيم الجوهرى، والبطريرك بطرس الجاولى، وفى 1882 كان يؤازر عرابى الأنبا كيرلس، الذى صار فيما بعد البطريرك كيرلس الخامس، ويذكر التاريخ عداءه المفرط للمحتل البريطانى.. الأمر الذى كان أحد أسباب نفيه إلى دير البراموس 1891 بعد أن تقدم ضده بشكوى بطرس غالى وكيل المجلس الملى وصديق البريطانيين، وما قدمه الأقباط والكنيسة فى ثورة 1919 معروف، وكلنا نذكر مقولات مكرم عبيد مثل: «إذا كان موت الأقباط سيحرر مصر من المحتلين، فليمت الأقباط وتحيا مصر»، وكان بيان الكنيسة لتأييد حركة الضباط الأحرار 1952 هو الثانى بعد بيان جامعة الإسكندرية، وفى 25 يناير يسجل التاريخ أن من أوائل الجرحى مينا ناجى بميدان التحرير، واستشهد مينا نبيل 28 يناير فى عبدالمنعم رياض، فى الوقت الذى كان فيه السلفيون يحرمون الخروج على الحاكم، والإخوان يمسكون العصا من المنتصف، وفى 30 يونيو 2013، كان الأقباط فى طليعة الثوار.. وعوقبوا فيما بعد على ذلك.

كانت أولى الانتفاضات هى انتفاضة 1930-1935، والتى استطاع فيها المصريون استرجاع دستور 1923، والتاريخ يذكر ويصا واصف «محطم السلاسل»، وكيف أدخل النواب مجلسهم لرفض دستور صدقى، وكذلك كيف أصيب سينوت حنا بطلق نارى، وهو يحاول حماية مصطفى النحاس باشا فى مظاهرة بالمنصورة، ثم انتفاضة الطلبة والعمال 1946، وبروز دور ميخائيل فهمى المحامى، وإصابته فى إحدى التظاهرات، وانتفاضات 1968 ضد أحكام الطيران، و1972 من أجل تحرير الأرض، وكيف شارك الطلبة الأقباط فى تلك الانتفاضات، ولا ننسى دور الجنود والضباط الأقباط فى تحرير الأراضى المصرية المحتلة 1967 وحرب الاستنزاف، والعبور، ودور اللواء باقى زكى صدقة فى إنهاء أسطورة خط بارليف، واللواء فؤاد عزيز غالى ودوره فى تحرير العريش.

لكن الأقباط رغم تضحياتهم فوجئوا بأن لجنة دستور 1923 تحاول أن تصنفهم «أقلية» وتصدوا لمندوب الكنيسة فى لجنة الدستور حينذاك الأنبا يؤنس، وأسقطوا هذا المفهوم، وفى 1934 ورغم تضحياتهم فى الانتفاضة، فإنهم صدموا حينما وضع العزبى باشا وكيل الداخلية الشروط العشرة لبناء الكنائس، التى لم تلغ حتى الآن وتضع شروطا مجحفة، مثل عدم بناء كنائس بجوار مساجد، سكك حديد، ترع أو مجارى مياه، صيدليات إلخ!! وأثناء انتفاضة 1946 تم تكسير سيارة مكرم عبيد من قبل أعضاء من الإخوان وهم يهتفون «يسقط الوزير النصرانى»!! بل كتب عباس العقاد ضد حزب الوفد على أنه حزب النصارى!! وفى ظل حكومة الوفد 1950 حرقت جماعة الإخوان كنيسة بالسويس، هذا عن العصر المسمى بالليبرالى؟!

ربع قرن من العنف ضد الدولة والأقباط:
لم يذق المواطنون المصريون الأقباط الراحة من الاعتداءات الطائفية، إلا فى الفترة من 1952 وحتى 1972، وذلك لأن ناصر كان اتجاهه الوطنى يتخطى كل ما هو طائفى، وكذلك اصطدام الإخوان بالثورة واعتقالهم أو تهجيرهم.. وكذلك احتلال إسرائيل للأراضى العربية، ودور الكنيسة فى النضال من أجل تحرير الأرض، فى أغسطس 1967 كلف البابا كيرلس السادس نيافة الأنبا صموائيل بعمل جولات من أجل تحرير الأراضى العربية المحتلة، وقام الأنبا صموائيل بأكثر من خمسين زيارة من أجل ذلك، وزار البابا كيرلس إمبراطور إثيوبيا حينذاك هيلاسلاسى «صديق إسرائيل» وأقنعه بتبنى الموقف المصرى، حتى الرهبان شاركوا، وخرجت من بيت التكريس بحلوان سلسلة بعنوان: كتابات من خلف خط النار، وللأب متى المسكين العديد من الكتابات فى هذا الشأن.

لكن الراحل السادات فى مواجهته مع اليسار تحالف مع الإخوان 1972، ومنذ ذلك التاريخ لم تذق مصر ولا الأقباط طعم الراحة، وقتل السادات بيد حلفائه وسط جيشه يوم احتفاله، ومنذ 1972 وحتى 1997، شنت الجماعات الإرهابية حربا على الدولة المصرية، واستهدفت رموز الدولة ومنهم بالطبع الرئيس السادات، ورئيس مجلس الشعب رفعت المحجوب، ووزير الأوقاف الشيخ محمد الذهبى، وحاولت اغتيال وزراء الداخلية عبدالحليم وحسن الألفى ورئيس الوزراء عاطف صدقى «قتلت فى المحاولة الطفلة شيماء 8 سنوات، والتى تذكرنا بمريم فى كنيسة العذراء بالوراق»، ومن الكتاب والمثقفين د. فرج فودة ومحاولات اغتيال نجيب محفوظ ومكرم محمد أحمد، باختصار دفعت مصر «518» شهيدا منهم «183 مواطنا قبطيا» أى %35 تقريبا، وكانت الجماعات الإرهابية تستهدف رموز الدولة، ثم السياحة «منهم 57 سائحا فقط فى حادثة البر الغربى بالأقصر»، ثم الأقباط الذين كانوا يستهدفون لكونهم مصريين وأيضا بصفتهم أقباطا، وإن كانت الفترة الليبرالية قد شهدت الشروط العشرة لبناء الكنائس، فإن الإخوان المسلمين فى مجلة الدعوة  نشروا 1987 فتوى لا تجيز بناء الكنائس!!

وهكذا اكتملت الحلقة قانونيا من الليبراليين وشرعيا من الإخوان، ومنذ ذلك التاريخ عرف الأقباط الحرمان من بناء الكنائس، «بنى الأقباط فى تلك الفترة 120 كنيسة» دفعوا فيها «37 شهيدا وأكثر من 300 مصاب»، والغريب أنه فى نفس الوقت، خارج مصر بنى الأقباط 300 كنيسة فى كل قارات العام، بما فى ذلك كل دول الخليج، كما عرفت هذه الفترة القتل على الهوية داخل الكنائس مثل ما حدث 1990من قتل 3 شباب أثناء حرق كنائس فى أبوقرقاص، أو قتل 9 شباب أثناء اجتماع صلاة فى كنيسة مارى جرجس بالفكرية بالمنيا، وكذلك قتل كهنة مثل أبينا غبريال عبدالمتجلى راعى كنيسة الملاك ميخائيل بالتوفيقية بسمالوط بالمنيا 1978، وأبينا شنودة وستة شمامسة فى مبنى معد للصلاة بشرق التحرير 1994.

خدام للكنيسة وثوار من أجل الوطن:
منذ مطلع الألفية الثانية، ورغم المراجعات وتوقف الجماعة الإسلامية عن العنف، فإن أمن الدولة فى عصر الرئيس السابق مبارك تبنى السلفيين من جهة، وعقد الصفقات مع الإخوان من جهة أخرى، تم تمكين الإخوان سياسيا بصفقة الـ(88 نائبا 2005)، واقتصاديا تمكن الإخوان من %55 من شركات الصرافة مثلا، والسلفيين من %23 من تجارة التجزئة!! لذلك شهدت الفترة من 2000 وحتى 2011 توقف العنف ضد رموز الدولة، لكنه لم يتوقف ضد الأقباط الذين قتل منهم وفق ما نشر فى الكشح والمنيا وسوهاج والأقصر ونجع حمادى والإسكندرية 101، فى مذابح الكشح 1 و2 ومذبحة نجع حمادى ومذبحة القديسين، لكن منذ أحداث العمرانية 2010 وصولا إلى القديسين 2011 مرورا بنجع حمادى، خرج الأقباط بالكنيسة للوطن وعرفنا نموذج الخادم الكنسى الثورى مثل «اتحاد شباب ماسبيرو» وشاهدنا الكهنة لأول مرة منذ 1919 يقودون المظاهرات مثل الآباء فلوباتير ومتياس ووليم سيدهم اليسوعى، والقس سامح موريس.

ثمن الحرية.. دماء وحرق:
لكن هذا الخروج الثورى القبطى والتآخى فى الميادين أزعج الدوائر السلفية الإخوانية، وتفجرت أحداث العنف الطائفى من جديد، ومن مايو 2011 وحتى يونيو 2012 سقط من الأقباط «72» شهيدا فى أحداث أطفيح وماسبيرو ومنشية ناصر وإمبابة والإسكندرية وأبوقرقاص بالمنيا ودهشور والعامرية وغيرها، وتم الاعتداء على 21 كنيسة أشهرها الشهيدين بأطفيح بالجيزة ومارى جرجس بالماريناب بأسوان والعذراء بإمبابة، وفى الفترة من يونيو 2011 وحتى يونيو 2013، «حكم مرسى» سقط من الأقباط «21» شهيدا، وتم الاعتداء على 17 كنيسة، وتم ازدراء الشيخ السلفى ياسر برهامى للمسيحية «14» مرة فى فتاوى موثقة فى مواقع السلف، وكوفئ باختياره فى الجمعية التأسيسية للدستور 2012، وحرق المدعو أبوإسلام الإنجيل، وأخذ حكما مع إيقاف التنفيذ!! وتم العقاب الجماعى للأقباط، وتهجير «124» أسرة لم يعد منها حتى الآن «43» أسرة، لكن كل ذلك لم يفت فى عضد المواطنين المصريين الأقباط، فخرجوا فى انتفاضة الاتحادية ضد حكم مرسى، حتى أن البلتاجى صرح بأن %60 من الذين أمام الاتحادية أقباط، وخرجوا فى ثورة 30 يونيو، وانتفاضة التفويض 26 يوليو، ولذلك كله دفعوا فى تلك الفترة «32 شهيدا» وتم الاعتداء الجزئى أو الكلى على أكثر من «80 كنيسة» إضافة إلى ديرين وستة مدارس وسبع مؤسسات ثقافية، ولكن البابا تواضروس الثانى قال: «هذا ثمن الحرية»، ولهذه الصلابة من المواطنين المصريين الأقباط وكنيستهم الوطنية لم يكن أمام الإرهاب الأسود سوى استهداف وطنيتهم فى أعراسهم، ولكن الكنائس المصرية الثلاث هى الوحيدة فى العالم التى تقدم لاهوت الوطن على لاهوت العقيدة فى أسمائها: «القبطية الأرثوذكسية» و«القبطية الكاثوليكية» و«القبطية الإنجيلية»، والأربعاء الماضى صلى البابا الوطنى تواضروس الثانى فى عظته الأسبوعية للضحايا والقتلة!!

وتستمر الملحمة الوطنية للمواطنين المصريين الأقباط رغم الحرمان والآلام.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة