"المدينة المحرمة"، ظلت على مدار عشرات الأعوام محاطة بالأسرار نظرا لأنها كانت محرمة إلا على الأباطرة الذين يسكنونها وأسرهم ووزراؤهم ومن يعمل بالبلاط الملكى، استغرق بناؤها 14 عاما وتضم ما يقرب من 9 آلاف غرفة تحتوى على كل شىء، من خزائن الملك إلى غرف زوجات الأباطرة وأسرهم، بنيت على مساحة 720 ألف متر مربع محاطة بسور ارتفاعه 10 أمتار وطوله أكثر من 1500 متر، وتعد إحدى العجائب المعمارية التى عرفها التاريخ ولا تزال تحتفظ برونقها، كما أنها تعد أكبر قصر وجد فى العالم حتى الآن، وما يميزها أنها مبنية بالكامل من الأخشاب المطلية بماء الذهب وتغطى عليها ألوان الأحمر والأخضر والأصفر والأزرق والأرجوانى.
إحدى الأساطير عن هذه المدينة التى تتسم بوجود المفاهيم الدينية والشعائرية مثل فكرة أن الإمبراطور "آله"، وأصله "تنين"، حيث تقول الأسطورة الصينية إن الهيئة التى بنيت عليها المدينة، رآها معلم يونجلى، الذى كان راهبا فى منامه. ورأى الراهب الذى عرف ببصيرته النافذة، مدينة خارج كوكب الأرض، حيث يجلس إله على عرش أرجوانى محاطا بكوكبة تتكون من 15 جرما سماويا تدور حول مدار النجم القطبى. وترجع أهمية نجمة القطب إلى أنها النجمة الثابتة فى السماء وجميع الأجرام السماوية الأخرى تدور حولها بينما تبقى ثابتة فى موقعها المركزى القوى.
"اليوم السابع" تجولت بالمدينة المحرمة لكشف المزيد من أسرارها وحقيقة أمرها التى لا تزال هناك الكثير من الأسرار التى تحيط يصعب الحصول عليها حتى الآن.
أحد المرشدين السياحيين الصينيين يدعى جيمى لو، قال لـ"اليوم السابع": " إن المدينة المحرمة تقع فى قلب بكين، ويحيط بها نهر، وهو بالغ الأهمية، حيث تنتشر الحرائق، وبما أن المدينة مصنوعة من الخشب، فمن السهل احتراقها.. بمجرد دخولك إليها، تجد الكثير من الرموز الدينية والدنيوية، فمثلا يوجد على أطراف غرف القصر حيوانات مصنوعة من الخشب، منها التمساح، والتنين، والطاووس والفيل، كل منها يحمل معنى خاصا. ويوجد فى مدخل المدينة تمثال كبير للأسد الذى هو رمز القوة والشجاعة، وأنثاه على الجانب الآخر تداعب طفلها تحت أرجلها، ليرمز ذلك إلى الحماية والأمومة والخصوبة.
فيما تجد فى ساحة أخرى قريبة، تمثالا لسلحفاة مصنوعا من النحاس، يزن أكثر من طن فى إشارة إلى العمر الطويل، كما تجد قدرا كبيرا مطليا بالذهب، فى إشارة إلى الخير والكرم.
ويقول "لو" لليوم السابع "هذه المدينة عاش بها 42 أسرة، لم يكن يدخل بواباتها الخمس متفاوتة الطول (التى فى المنتصف مخصصة فقط للإمبراطور، ولا يدخل منها سواه باستثناء يوم عرسه تدخل معه زوجته للمرة الأولى والأخيرة. بجوارها بوابة أقل طولا لأبنائه، وأخرى للإناث، وآخرها للمسئولين والعلماء والأطباء) غير الأسرة الحاكمة لذا سميت بالمحرمة. ولم يكن يعلم يونجلى وأسرته أن يوما سيأتى وتفتح أبواب هذه المدينة لعموم الناس. ولكن هذه المدينة تحافظ حتى يومنا هذا على أصالة عاصمة الصين؛ بكين لاسيما فى ظل العمران الاقتصادى الذى اجتاح المدينة ولم يترك الكثير من إرثها وتاريخها العريق".
ووفقا لعلم الكونيات الصينى، اللون الأرجوانى كان رمزا للسعادة والفرح وأيضا النجم القطبى. ومن هذا المنطلق، اعتبر الأمبراطور نفسه ابن السماء، الذى عليه أن يحافظ على الانسجام مع العالم الطبيعى، والذى يوازن بين اتساع الطبيعة مع البنيات المستطيلة، وبات هو ومدينته متصلين بقوى الكون الآلهية. ولهذا كان مكان سكن الأمبراطور مدينة أرجوانية تقع وسط العالم الزائل. ومن هنا أصبح الأمبراطور وحده يستخدم اللون الأرجوانى، الذى بات أيضا لون الجداران ولو الحبر الذى يوقع به اسمه. وكان يعتقد أباطرة الصين أن السماء اختارتهم ليحكموا على الأرض.
ولكن على ما يبدو لم يكن بناء هذا الصرح الذى لا يزال يقف شامخا بكامل لياقته حتى يومنا هذا، وتخصص له الحكومة ميزانية سنوية للحفاظ عليه وترميمه، والمدرج فى قائمة التراث الثقافى العالمى التى حددتها منظمة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة منذ عام 1987، يسيرا، فقد بنى باستخدام مئات الآلاف من العوارض الخشبية التى جلبت من أقصى أطراف الإمبراطورية، وأحجار ضخمة لصناعة الرخام جرت عبر الجليد من الشمال البعيد. ووفقا لبعض الأفلام الوثائقية، قاد يونجلى الذى ينتمى إلى الأسرة مينج الصينية، قرابة المليون عامل لتحقيق رؤيته، بتشييد أعظم قصر على وجه الأرض، حتى أنه دفعهم لتوسيع الممرات المائية الضخمة فى البلاد لنقل الجيوش والمعدات لآلاف الكيلو مترات عبر الصين.
ظلت أسرار هذه المدينة ذات الأسوار القرمزية على مدار خمسة قرون، (حيث تعاقب على "المدينة المحرمة" 42 إمبراطورا (فى عهدى أسرتى مينج وتشينج)، وسيطر هؤلاء الحكام على الصين لمدة 491 سنة). لا يعرفها أحد سوى من يعيشون بداخلها، حتى أن البعض اعتبرها "سجنا يحركه الطموح والطمع"، بنيت على الدم والخيانة، إذ لم يستطع أحد أن يقف فى وجه الإمبراطور، الذى شق طريقه نحو القمة، هذا الإمبراطور الذى وصف بالخير والشر، بالحنان والقسوة، تلك الصفات التى جعلت منه قائدا يتذكره التاريخ حتى يومنا هذا، فما يميزه أنه لم يرض بما هو مألوف، بل عرف كيف يحفر اسمه بحروف من ذهب فى تاريخ الأباطرة الصينيين.
ولم يكن من المفترض أن يكون يونجلى إمبراطورا، فهو استولى على العرش مستبيحا دماء الآلاف، وعندما بدأ سعيه للحصول على السلطة، لم تكن "بكين" وقتها عاصمة الصين، بل كانت على بعد 900 كم إلى الجنوب فى مدينة "نانجين".
وقبل 30 عاما من اعتلائه العرش كان مجرد أمير فى العائلة الإمبراطورية، وواجهت أسرة مينج، أزمة كبيرة بعد أن توفى الأخ الأكبر ووريث العرش فجأة، ليستدعى والدهم –الإمبراطور – أبناءه إلى القصر الإمبراطورى فى نانجين، وكان يونجلى الابن الأكبر الحى، وكان معروفا بالأمير "يان"، وكان بطل حرب لهذا اعتقد أن والده سيكافئه على براعته العسكرية ويعلنه خلفا له، لكن كان هناك مطالب آخر بالعرش؛ أول حفيد للإمبراطور ويدعى جيان وين، ويبلغ من العمر 15 عاما، ولم يكن يشبه عمه الأمير يونجلى، إذ انه لم يشهد معركة من قبل، وكان يسعد أكثر بقراءة الكتب. ولكن جاءت الرياح بما لا تشتهيه السفن، لأن العرف السائد حينها كان ينص على أن العرش يجب أن يحصل عليه ابن أول مولود، لذا أختار الأمبراطور حفيده بدلا من ابنه الأمير المحارب، مما دفع يونجلى إلى سلك طريق جديد انتهى فى المدينة المحرمة.
وعندما توفى الإمبراطور، والد يونجلى، وصلت الأخبار سريعا إلى الأمير المولع بالكتب الذى بات عمره الآن 20 عاما، وله أسرة، وعلم أنه أصبح الإمبراطور الجديد، وأراد أن تكون العاصمة "نانجين" متمدنة ومركزا للثقافة والفكر. ولكن من وجهة نظر يونجلى، سلالة يحكمها الشعراء والرسامون لا يمكن أن تدوم خاصة عندما يكون هناك أعداء محاربون مثل المغول، وقرر أن يتصرف.
وجاء إلى العاصمة مع قواته أمام حصون "يانجين" الهائلة، والطريقة الوحيد التى أمكنها من خلالها الدخول إلى القصر كانت عن طريق الخيانة، وهذا ما حدث، إذ سمح أحد الجنرالات الموجودين بالقصر بدخول يونجلى إلى المدينة ليستولى على العرش. ووفقا لتاريخ أسرة مينج، أضرم جيان وين، النيران فى قصره الخاص وحكم على عائلته بالموت حرقا، ولم يعرف الكثير عن مصيره.
وبم أن مصير جيان وين، لم يكن معروفا، لم يستطع يونجلى الاستيلاء على العرش بطريقة شرعية، لذا طلب الدعم الرسمى من أعيان السياسيين فى الصين، إلا أن الكثير منهم لم يوافق، مما أدى إلى المزيد من حمام الدماء، لاسيما بعد أن طهر المدينة من جميع المعارضين السياسيين، وقتل عشرات الآلاف، عندها أعلن نفسه "إمبراطور السعادة الأبدية".
ويوجد فى القصر الإمبراطورى حوالى مليون قطعة من التحف الفنية النادرة. وأصبح اليوم متحفا شاملا يجمع بين الفنون المعمارية القديمة والآثار الإمبراطورية والفنون القديمة المختلفة.
ويقع القصر الإمبراطورى وسط مدينة بكين، ويعتبر أكبر مجموعة من القصور القديمة المحفوظة فى الصين. ويطغى على القصور والمبانى الأخرى اللونان الأصفر والأحمر اللذان يحتلان مساحة كبيرة فى الثقافة الصينية لأن الأول ارتبط بالأسر الحاكمة التى احتكرته لنفسها وغير مسموح للعامة باستخدامه بينما يمثل الأحمر لونا لحسن الطالع والمباركة.
وكانت قد أطاحت ثورة عام 1911 م بحكم أسرة "تشينج"، وحسب الاتفاقية "التفضيلية لعائلة تشينج الملكية" التى وقعتها الحكومة الوطنية وديوان أسرة تشينغ، تم السماح للإمبراطور الأخير "بو يي" بالإقامة فى الجزء الداخلى من القصر الإمبراطورى.
وفى عام 1914، أصبح الجزء الأمامى من القصر الإمبراطورى مفتوحا أمام الجماهير. وفى عام 1924 طرد آخر الأباطرة بو يى من القصر الإمبراطورى نهائيا، ثم فتح الجزء الداخلى للجماهير عام 1925، وتم تسميته بـ"متحف القصر الإمبراطورى "، وفى عام 1947 دمج الجزءين الأمامى والداخلى تحت نفس المسمى دائما "متحف القصر الإمبراطوري".
وبعد تأسيس جمهورية الصين الشعبية عام 1949، ظل الحزب والحكومة الصينية يهتمان بمتحف القصر الإمبراطورى، ويرصد كل سنة مبلغا خاصا لإصلاحه وإعادة ترميمه. وفى عام 1961، صنفه مجلس الدولة الصينى وحدة أثرية محمية هامة على مستوى البلاد كدفعة أولى. وأدرج فى قائمة التراث الثقافى التى حددتها منظمة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة عام 1987.
.jpg)
.jpg)
.jpg)
.jpg)
.jpg)
.jpg)
.jpg)
.jpg)
.jpg)
.jpg)
.jpg)
.jpg)