يفهم الأمن بأنه هو إحساس الأفراد التى يتشكل منها المجتمع بالطمأنينة والأمان، مما يحفزهم على العمل والإنتاج ويوفر لهم مناخ الاستقرار اللازم للتنمية والرقى والتقدم، ويرتكز مفهوم الأمن بالأساس على صون كرامة الإنسان، وكذلك تلبية احتياجاته المعنوية بجانب احتياجاته المادية، ويمكن تحقيق الأمن من خلال اتباع سياسات تنموية رشيدة، وليس التهديد البدنى هو الخطر الوحيد الذى يهدد الفرد، لكن يمكن أن يأخذ التهديد شكل الحرمان الاقتصادى، وغياب العدالة والمساواة بين أفراد المجتمع، وعدم وجود ضمانات لحقوق الإنسان الأساسية، فتحقيق الأمن بمفهومه الشامل يتطلب كل من تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة، حماية حقوق الإنسان وحرياته، الحكم الرشيد، العدالة الاجتماعية، وكل ذلك فى ظل إعلاء قيمة الفرد وسيادة القانون.
المشكلة فى معظم دول العالم النامية أو الآخذة فى النمو، إنه ينظر للأمن بمفهوم ضيق لا يتعدى كونه حماية المواطن ضد الجريمة وموكول للجهاز الأمنى هذا الأمر بمعزل عن الدولة ومؤساساتها، ولا يتطرق الامر إلى المفهوم الشامل للأمن الذى يحوى جوانب عديدة خلاف الأمن الجنائى المتعلق بمنع ومكافحة الجريمة، وهذا مهم إلا أن هناك وجوه متعددة لمفهوم الأمن منها السياسى والاقتصادى والغذائى والصحى والثقافى بجانب الأمن الجنائى والدولة مسئولة عن كل ذلك بكامل مواردها وأجهزتها ومؤسساتها وليس المؤسسة الأمنية فقط.
وفى تقرير صدر مؤخرًا عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائى بعنوان "العولمة والأمن الإنسانى" أكد التقرير على أنه على الرغم مما تقدمه العولمة من فرص هائلة للتقدم البشرى فى كافة المجالات، نظرًا لسرعة انتقال المعرفة والتكنولوجيا الحديثة وحرية انتقال السلع والخدمات، إلا أنها لم تسهم فى الحد من المخاطر الأمنية المتعددة للفرد والجماعات داخل الدول النامية والفقيرة والغنية على حد سواء.
ولصياغة مفهوم أو منظومة شاملة للأمن لابد أن تجمع بين جوانبها الأبعاد الآتية:
الأمن السياسى:
ويقصد بالأمن السياسى احترام الحقوق الأساسية للمواطن الفرد فى التعبير عن الرأى، ووفقًا لبحث أجرته منظمة العفو الدولية عن القمع السياسى والتعذيب المنهجى، أظهر أنه لازال فى 110 دولة من دول العالم معظمها فى دول العالم الثالث وأمريكا اللاتينية تمارس انتهاكات حقوق الإنسان من سوء المعاملة والاعتقال والتعذيب خلال الاضطرابات السياسية، وأن الحكومات تحاول ممارسة السيطرة على الأفكار والمعلومات جنبًا إلى قمع الأفراد وإرهاب الجماعات.
الأمن الاقتصادى:
وهو ما يتعلق باستقرار الأسواق وفق آليات قوى العرض والطلب وتعظيم الفوائض الاقتصادية والتوزيع العادل للثروة، حيث تنعكس معدلات النمو إلى تنمية حقيقية يشعر بها المواطن، ويتم ذلك من خلال التركيز على الاقتصاد الإنتاجى الملموس وعدم التوسع فى الاقتصاد الافتراضى الذى قد يؤدى إلى عدم الاستقرار المالى، وتكون نتيجته كوارث يعانى منها العالم بأثره كما حدث فى الأزمة المالية العالمية 2008، كذلك دفعت سياسة المنافسة العالمية بالحكومات والمؤسسات إلى اتباع سياسات وظيفية أكثر مرونة تتسم بعدم التقيد بعقود وقوانين العمل، للمحافظة على الضمانات الوظيفية للعمال؛ وهو ما قد يترتب عليه غياب الاستقرار الوظيفى والمالى للأفراد.
الأمن الغذائى:
الأمن الغذائى هو حصول جميع الناس فى جميع الأوقات على المواد الغذائية الأساسية، والمشكلة قد لا تكون فى عدم كفاية تلك المواد بل فى كثير من الأحيان والبلدان تكون فى سوء توزيع المواد الغذائية ونقص القدرة الشرائية. لدى الأفراد للحصول على تلك المواد، لذا يقع العبء الكبير على الحكومات فى وضع منظومة جيدة وفعالة للدعم تمكن الطبقات الفقيرة ومحدودى الدخل من الحصول على المواد الغذائية الأساسية بمقابل مناسب وبجودة مناسبة دون تذلل أو مشقة أو عناء، كما يقع أيضًا على عاتق الحكومات فى وضع منظومة جيدة للتشغيل الأمثل للموارد، من أجل تحقيق الكفاف ثم الكفاية من توفير الغذاء الصحى والأمن للفرد والمجتمع.
الأمن الصحى:
غياب أو تقلص دور الدولة والمجتمع المدنى فى الرعاية والتوعية الصحية وسوء التغذية، وعدم كفاية فرص الحصول على الخدمات الصحية والمياه النظيفة وغيرها من الضروريات الأساسية، أدى إلى انتشار العديد من الأمراض والأوبئة التى توطنت داخل التجمعات الفقيرة مثل الالتهاب الكبدى والفشل الكلوى، وأصبح مكافحتها والوقاية منها من قضايا الأمن القومى.
الأمن الثقافى:
إن غياب الوعى وارتفاع نسبة الأمية وحرية انتقال الأفكار والمعرفة عبر وسائل الإعلام والأقمار الصناعية بطريقة غير متكافئة، تقوم على انتقال المعرفة والأفكار من الدول الغنية إلى الدول الفقيرة، وفى أحيان كثيرة تفرض الأفكار والثقافات الوافدة، تهديدًا على القيم الأخلاقية والدينية والثقافية المحلية.
إن تحرير الفرد من الفاقه بالقضاء على الفقر والجهل والمرض والتحرر من الخوف بتوفير كافة وسائل الأمن والتأمين للأشخاص والمجتمعات هو أفضل طريق لمعالجة مشكلة انعدام الأمن بالمفهوم الشامل الذى يسهم فى رفعة وتقدم أى مجتمع على وجه الأرض، وهذا ما يتسق مع قول المولى عز وجل حيث قال "فليعبدوا رب هذا البيت الذى أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف"
