إبراهيم عبد المجيد

قانون التظاهر بين اليأس والمصلحة

الجمعة، 25 أكتوبر 2013 06:34 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
من عادتى ألا أدخل فى جدل مع أى كاتب على صفحات الجرائد أو على صفحات الفضاء الافتراضى، حتى لو تناقشنا مباشرة ورأيت أنه يصر على رأيه أنهى النقاش مبتسما قائلا: اللى فيه الخير يقدمه ربنا، خبرتى فى الأوساط الثقافية والصحفية أن هناك من لا يتراجع عن موقفه أبدا لأن له مصلحة فى ذلك، أو من يتلون لأن له مصلحة فى ذلك أيضا أو من يتوخى الحذر أو من يرى أن ما يقوله هو الصحيح ويكون مخلصا فى ذلك، ورغم أنه يغيظنى جدا من يقول على الشمس إنها ليست فى السماء بينما هى أمامنا معا- وهؤلاء للأسف كثيرون- ورغم نشاطى على بعض مواقع الفضاء الافتراضى لكن لم تصبنى العدوى من الشباب أو بعض النشطاء الذين يستخدمون ألفاظا قاسية مع البعض واتهامات تصل أحيانا إلى حد التخوين والعمالة وغير ذلك مما هو أمامنا كل يوم على هذه الصفحات.
فى الأيام الماضية أمسكت بنفسى متلبسا بالغضب الشديد من بعض الأقلام التى أيضا لن أذكرها هنا، وهى تناقش قانون التظاهر وتناقش المواد محل الخلاف مثل عدم الاعتصام أو حق وزير الداخلية فى إلغاء المظاهرة قبل أن تبدأ، أو تعريف الاجتماع أو ضوابط سلمية المظاهرة، وترى أنه ليس فى ذلك افتئاتا على أحد، ولا على أهداف ثورة يناير النبيلة التى على رأسها حرية التظاهر والاعتصام، وتقول هذه الأقلام هل الأهم الآن أن يعود الناس إلى أرزاقهم ولا تتوقف أعمالهم أم حق التظاهر والاعتصام؟ أو تقول إن ذلك يحدث فى كل الدنيا فلماذا لا يحدث فى مصر؟، أو تكذب وتقول على لسان رئيس الوزراء البريطانى كلاما لم يقله من نوع إنجلترا أهم من حق التظاهر، اعتبرت هؤلاء ضائعين بين اليأس بسبب ما يفعله الإخوان المسلمون فى البلاد والمصلحة.
والحقيقة التى هى كالشمس والتى أتمنى أن يراها الجميع هى أن من أهم أسباب ثورة يناير كان خروج وزارة الداخلية عن عملها الأصيل، وهو حفظ أمن الوطن والمواطن، إلى العمل فى السياسة والحفاظ على النظام القائم وكل أفعاله الاستبدادية وكل ظلمه ونهبه فى الثروة القومية للشعب وغير ذلك، ولأنها لم تكن مهمة سهلة فقد خرجت الوزارة عن الأعراف الدولية فى معاملة المواطنين ولجأت إلى الاعتقال وإلى التعذيب الوحشى للمواطنين، فى قانون التظاهر الجديد حين يتم إعطاء وزير الداخلية حق منع المظاهرة قبل حدوثها فهذا يعنى عودة وزارة الداخلية للعمل السياسى لأن المظاهرات هى دائما مطالب سياسية، سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية، هى فى النهاية احتجاج على سياسة النظام فى مجال من المجالات، صحيح أن القانون أعطى الحق بعد ذلك للداعين للتظاهر فى اللجوء للقضاء المستعجل، ولكن يمكن أن تتخيل الوقت الذى يضيع والجهد الذى سيجعل المظاهرة فى النهاية عملا معطلا أو سيتفرق أصحابها يأسا، الأصل هو الحق فى التظاهر وإذا كان الإخطار عملا سائدا فى الدنيا فالإخطار لا يعنى انتظار الموافقة أو الرفض يعنى فقط الإخطار، والمظاهرات لا تحتاج إلى تعريف فهى عمل سلمى لا يحتاج إلى كل هذه المحاذير، وإذا خرجت المظاهرة عن سلميتها فالقانون العادى يتكفل بمحاكمة المعتدين على أى ممتلكات أو أفراد، وليس هناك حاجة لعقوبات جديدة، أظن هكذا وضح أن القانون الجديد يريد أن يعطى وزارة الداخلية حق التدخل فى السياسة، وهذا بالمناسبة قد يجد صدى طيبا عند البعض، لكنه لن يجد هذا الصدى عند الكثيرين من رجال الداخلية الذين قاسوا من النقد والانتقاد فى السنوات السابقة وأعلنوا مرارا أنهم لا يريدون أن يكونوا حماة للساسة وللنظم، لكن يريدون العودة لعملهم الأصلى أمن الوطن والواطن.
هذا القانون للأسف على هذا النحو يضر وزارة الداخلية أكثر مما يضر غيرها لأنه يعيدها إلى مربع مكروه يريد الكثيرون من رجالها التخلص منه أو عدم العودة إليه، هذه واحدة، أما حظر الاعتصام فهو أمر مضحك أيضا، والاعتصام حق مكفول فى كل الدنيا، المهم ماذا يحدث بعد الاعتصام؟ كيف يجب أن يتم الاتصال بالمعتصمين والحوار معهم ومناقشتهم فى مطالبهم؟ الاعتصامات التى كانت وما زالت أكثر من غيرها هى اعتصامات من أجل مطالب اقتصادية أو حريات وحقوق للمرأة والمثقفين والإعلاميين وذوى الاحتياجات الخاصة وغيرهم، وهذه كلها فى كل الدنيا تحل بالتفاوض والوصول إلى منتصف الطريق أو إلى نقطة التقاء، كانت دولة مبارك البوليسية دائما منحازة لرجال الأعمال ضد العمال رغم أن النظام العام للدولة- كما كان يقال- نظام رأسمالى، وفى النظم الرأسمالية تكون الدولة على الحياد بين العمال وأصحاب الأعمال وتترك الأمر لهما معا من خلال ما تراه الحركات النقابية وما يراه صاحب العمل، الأمر نفسه يجب أن يكون فى كل اعتصام من أجل مطالب اجتماعية أو اقتصادية حتى لو كان صاحب العمل هو الدولة نفسها، كما هو الحال فى الوزارات الخدمية، الصحة والتعليم وغيرهما.
القانون العجيب هذا للتظاهر يفرض غرامات مرعبة على منظمى المظاهرة إذا لم تلتزم المظاهر بالسلمية أو الطريق المحدد لها وهكذا يفترض بداية العداء معها، والمتظاهرون ليسوا تلامذة والمنظمون للمظاهرة ليسوا معلميهم ليأمروهم بما يفعلون، والحقيقة هى كما قلت القانون العادى به كل العقوبات، كما أن تعريف القانون للتجمع مضحك فهو أى عدد من الأفراد يزيدون على عشرة ويدخلون مكانا عاما، هل يمكن أن يمتد هذا المكان العام إلى المقهى مثلا فيجب الإخطار قبل الجلوس فيها، فى الدول التى تطلب الإخطار كما قلت لا يزيد على إخطار ولا ينتظر المنظمون للمظاهرة ردا بالموافقة من عدمه ولا يوقعون على أى أوراق يضمنون بها سير المظاهرة، ولا يكتبون أى تفاصيل عن لماذا المظاهرة ولا كيف ستكون، الإخطار هناك يا سادة لحماية المتظاهرين وليس للخوف منهم، ورغم الإخطار فإن حق التظاهر مكفول ومن يرد التظاهر دون إخطار فليفعل لكن لا يلوم البوليس على تخليه عنه أو تأخره عليه، وأيضا لا يجازى بغرامات فادحة كما هو الأمر فى هذا القانون، ثم وفى النهاية كم هى مواد هذا القانون ولماذا هى كثيرة ومربكة هكذا ومتناقضة؟ ألا يمكن أن تكون مادة واحدة تقول التظاهر حق مكفول للمواطن ويسبقه إخطار وكفى الله المؤمنين القتال لأن القانون العادى يتكفل بكل العقوبات الخاصة بالتخريب وغيره من الأعمال الضارة؟








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة