انضمت إلينا صديقتنا التى لا تزال فى مقتبل العشرينات، ونحن مجتمعون كعادتنا فى نهاية الأسبوع، نتسامر بين ساخرين وناقدين ومؤرقين من مشاكلنا الشخصية والعملية، ولأن صديقتنا يفرق بيننا وبينها عقد كامل، حاولت أن تنهم من خبراتنا الحياتية، وتسألنا فيما يؤرق فكرها، فأخيراً أتى الفارس الذى تحلم به كل أسرة، الرجل الذى لا يقال عنه لا، ولأنها مرت بتجارب مؤلمة وخبرات سابقة تركت من الآثار السلبية داخلها، ما يجعلها فى حيرة شديدة وترقب من الليلة الموعودة ( أول لقاء)، هرولت إلينا لننقذها من حيرتها بنصائحنا، فتكالبنا عليها بالسيناريوهات الخاصة بأول لقاء، وتفاجأت بأننا نحمل داخلنا نفس الفكر ونفس المنطق، فقولنا لها يجب أن ترتدى لبس مهذب وبسيط وتحاول أن تحافظ على هدوئها ورزانتها، وترسم على وجهها ابتسامه هادئة، ولا تتحدث فى أشياء جريئة ولا تسأل أسئلة محرجة، وتعامل أم العريس بذوق ولباقة واهتمام، وحفظت الفتاة الدرس جيدًا ووعدتنا بتنفيذ السيناريو بدقة حتى تتم الزواجة ويدخل الفارس القفص، وبعدما انتهت جلستنا شعرت شعور غريب داخلى، وكأنه ضيق فى صدرى، فعلمت أنه وقع إثم، لأننى أعلم طبيعة صديقتنا، إنها ليست هادئة ومجادلة شديدة ومتفتحة وعصبية جدًا وخبراتها الحياتية عن الحياة الزوجية منعدمة، فهى لا تعلم حتى كيف تكسب رضا زوجها وتمر بسفينة حياتها لشاطئ النجاة، فنطق لسانى إنها خدعة، ولكن ترى هل تخدع حواء آدم؟ أم تخدع نفسها؟ ولأجب عن هذا التساؤل عدت بذاكرتى سنين طويلة، عندما كان يتوافد إلى منزلنا العرسان وكانت أمى تهتم بتهيئة المنزل لاستقبال العريس وأهله وكنت أنا آخر شىء فى هذه الاستعدادات، وكانت تختصر تهيئتى فى جمل بسيطة، لا تنظرى إلى العريس مباشرة وضعى عينك فى الأرض حتى لا يقولوا عنك جريئة، واقصدى فى مشيتك، وتحلى بالهدوء ولا تتحدثى، فكان ردى لكن أنا أريد أن أرى شكل العريس، فيرد إخوتى سنصفه لك، وعندما يأتى اليوم الموعود وادخل غرفة الاختبار والفرز، وبعد تقديم المشروبات تتجرأ أم العريس التى تتحكم بسارى الموضوع، وتقول لى احضرى فنجان قهوة لعريسك يا أمورة، وادخل المطبخ واغرق فى حيرة، فهل أضع السكر والبن فى الفنجان أم فى الكنكة؟ حتى تأتى أمى وتنقذنى وتحضر القهوة التى أقدمها أنا للعريس وتكون أول خدعة له ويشيد بقهوتى الرائعة، ولا أعلم إلى الآن ما سر القهوة فى الزواج ؟ وهل إذا لم أستطع تحضير فنجان قهوة أكون زوجة فاشلة؟ أشعر الآن إننا كنا فى كوكب القرود بهذه الاختبارات السخيفة، وتبدأ تتوالى الخدع فطوال فترة الخطوبة تظل البنت مرتدية ماسك البراءة والهدوء والحنان، وفى المقابل يرتدى آدم ماسك الرومانسية والكرم والشهامة، ويتفننا فى سرد مميزاتهم وأخلاقهم الراقية ليقنع كلا منهم الآخر بأنه المناسب الأوحد له على وجه الأرض، إلى أن يقعا فى الشرك، ويستيقظوا على فاجعة كبيرة، إنهم من كوكبين مختلفين وعالمين مختلفين، وإنهم آخر شخصين يمكن أن يتعايشا معًا، فأتذكر الآن صديقتى صاحبة الشخصية المستقله المنطلقة الذكية المثقفة، التى أقنعناها جميعًا برسم الهدوء والبراءة مع عريسها الذى طار فرحًا من مواصفاتها، لأنه شخصية متسلطة متحكمة ديكتاتورية، رغم إنه لم يظهر هذا بالطبع، ولكم أن تتخيلوا حياتهم معًا، فقد دخلت قفصًا ذهبيًا بوصفها له وترى الحياة من خلال قضبانه، فهى لا تتنفس نسيم الصباح إلا بعد أن يأذن لها، إذًا هو الجحيم الذى بدأ بخدعة وانتهى بقتل كل ما هو جميل داخلك، وفجأة تتحول الحياة إلى أيام نتمنى أن تنتهى سريعًا حتى ينتهى معها عذابنا ومعانتنا فيها، لا يجب أن أنقذ صديقتى فشبابها أغلى ما أن يضيع بين الدموع والحسرة، يجب أن تكون هى كما خلقها الله وعلى آدم أن يقبل أو يرفض ، وهو يجب أن يتحدث عن سلبياته وعيوبه ليرى هل تستطيع حواء أن تتعايش وتتقبل هذه السلبيات أم لا !! فلتكن فترة الخطوبة، فترة مكاشفة ومواجهة مع النفس والطرف الآخر ولن يعبنا أو يقلل منا أن نكون بسلبيات فنحن لم نُخلق ملائكة، وإذا لم يتناسب معى هذا الآدم سيأتى آدم آخر وأجد معه ضالتى ونصفى المفقود ليكتمل النصفين ويعيشا متوحدين بروح واحدة وجسدين، تحرى الصدق حواء فالصدق منجى، واعلم يا آدم إنه ما بنى على باطل فهو باطل، وأبدًا لن ينشر الله البركة فى بيت قام على الخداع، فتخلى عن خدعتك حواء.
صورة أرشيفية
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
الحسيني الكوتري
مقالة رائعة
عدد الردود 0
بواسطة:
زينب عبد الوهاب
شكرا