لا يوجد حتى يومنا هذا تعريف متفق عليه لمصطلح الإرهاب، وهذا على الرغم من الحاجة الماسة والضرورة الملحة لكشف القناع عن تعريف جامع مانع لمصطلح الإرهاب، ورغم عدم اتفاق الباحثين على تعريف محدد لمصطلح الإرهاب إلا أن الجميع يكاد يتفق على أن الإرهاب هو التخويف والترويع وبث الفزع والرعب من قبل أناس تجاه أناس آخرين، ففقهاء القانون يعرفون الإرهاب بأنه فعل من أفعال العنف واستعمال القوة بالاعتداء على الحرمات أو الممتلكات أو الأرواح وله طابع سياسى، والولايات المتحدة تعرف الإرهاب فى قوانينها بأنه كل ما من شأنه أن يتسبب على وجه غير مشروع فى قتل شخص أو إحداث ضرر بدنى فادح أو خطفه أو محاولة ارتكاب هذا العمل أو الاشتراك فى ارتكابه أو محاولة ارتكاب مثل هذه الجرائم، وقانون العقوبات المصرى فى المادة 86 يعرف الإرهاب بأن كل من استخدم القوة أو العنف أو التهديد أو الترويع يلجأ إليه الجانى تنفيذا لمشروع إجرامى فردى أو جماعى يهدف إلى الإخلال بالنظام العام أو تعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر إذا كان من شأن ذلك إيذاء الأشخاص أو إلقاء الرعب بينهم أو تعريض حياتهم أو أمنهم للخطر أو إلحاق الضرر بالبيئة أو الاتصالات أو المواصلات أو الأموال أو المبانى أو منع أو عرقلة ممارسة السلطات العامة أو دور العبادة أو معاهد العلم لأعمالها أو تعطيل تطبيق الدستور أو اللوائح، من هنا أستطيع القول أن الإرهاب مصطلح شامل لكل عمل غير مشروع يقوم به فرد أو جماعة، هذا العمل من شأنه أن يهدد الاستقرار ويخل بالنظام العام ويعرض سلامة المجتمع وأمنه للخطر.
ولا شك أن أحداث 11 سبتمبر 2001، قد تسببت فى إلصاق تهمة الإرهاب بالإسلام وأهله، ولا نعرف إذا كان هذا عن عمد وقصد بنية تشويه صورة الإسلام أم عن جهل بتعاليم الدين الحنيف، فالإسلام الذى ندين به له أصلان ثابتان هما الكتاب والسنة، تأملنا القرآن الكريم فوجدناه وقد حرم الاعتداء على الغير، وجعل الحرب المشروعة دفاعية لا عدوانية، حيث قال الله تعالى: " وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ"، وقال تعالى أيضًا : " فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ"، وبين أن قتل النفس الواحدة بغير حق بمثابة قتل للبشرية جمعاء فقال تعالى: "مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا"، والنبى صلى الله عليه وسلم الذى بعثه الله رحمة للعالمين وليس للمسلمين وحدهم بنص قوله تعالى: "وَمَا أَرْسَلْنَاك إِلَّا رَحْمَة لِلْعَالَمِينَ" قد حرم الاعتداء على الآخرين بكل صوره وأشكاله، فهو القائل صلى الله عليه وسلم فى خطبة حجة الوداع: "إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فى شَهْرِكُمْ هَذَا، فى بَلَدِكُمْ هَذَا، إلى يَوْمِ تَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ" ، وقال أيضًا: "لَزَوَالُ الدُّنْيَا جَمِيعًا أَهْوَنُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ دَمٍ يُسْفَكُ بِغَيْرِ حَقٍّ"، وقال أيضًا: " لَنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ، مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا"، وغيرها من الأحاديث التى جاءت لرحمة العالمين ولخدمة الإنسانية، هذا كله لأن الإسلام دين سلام، فالله هو السلام، وتحية الإسلام السلام، والجنة دار السلام، وتحية الله والملائكة لأهل الجنة هى السلام، والأصل فى علاقة المسلمين بغيرهم هى السلام، قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ"، وقال أيضًا: "وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ"، فالإسلام كدين سلام يحرم الحرب إلا دفاعًا عن النفس والمال وأرض المسلمين ولا يسمح بمقاتلة من أعلن السلام بغض النظر عن نيته، وبغض النظر عن باعثه فى إعلان السلام مع المسلمين، فلا يجوز مقاتلة من يعلن السلام مع المسلمين، قال تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَىٰ إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ ۚ كَذَٰلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا" .
إن الحرب ليست اختراعًا إسلاميًا، فهى ظاهرة إنسانية نشأت مع تكون المجتمعات البشرية، وبالتالى فمن الظلم أن نلصق تهمة اختراع الحرب والاعتداء على الآخرين بالإسلام، ليس الإسلام وحده برئ من هذه التهمة، وإنما سائر الرسالات السماوية التى جاءت للحب والتعارف والتسامح والسلام، ففى القرآن جاء قوله تعالى "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ."، وفى الإنجيل جاء أيضًا: "وأما أنا فأقول لكم أَحِبُّوا أعداءَكم. باركوا لاعنيكم. أحسنوا إلى مُبغِضيكم. وصلوا لأجل الذين يسيئُون إليكم ويطردونكم"، وفى التوراة جاء أيضًا "لا تقتل لا تزنى لا تسرق لا تشهد زورًا على جارك" .
إن اليهودية بريئة من أفعال الصهاينة المعتدين المحتلين الغاصبين، والمسيحية بريئة من الحروب الصليبية الوحشية، والشريعة الإسلامية بريئة من العمليات التفجيرية التى تستهدف الآمنين هنا وهناك.
إن أفعال بعض الحمقى المنتسبين للإسلام والمسيحية واليهودية لن تجعلنا نردد افتراءات البعض التى تدعى زورًا وبهتانًا أن الأديان رمز الإرهاب وإلا بالله: ماذا يمكننا أن نسمى ما يحدث ضد مسلمى بورما وغيرها من بقاع المعمورة!!!
الإرهاب لا دين له، لا وطن له، لا انتماء له، إن انتمائه فقط للدم والقتل والوحشية والظلم والبغى، فكل معتد على الأرض فهو إرهابى، وكل معتد على العرض فهو إرهابى، وكل من يتعمد إشهار السلاح فى وجه الآمنين المسالمين فهو إرهابى، وكل من يروع المسالمين فهو إرهابى، وكل من يطوع القوانين والمواثيق والأعراف لخدمة أطماعه الوحشية فهو إرهابى، على المجتمع الدولى ألا يجعل من عداوته للإسلام سببًا لغض الطرف عن الجرائم الوحشية التى ترتكب ضد المستضعفين المسالمين فى كل مكان، فالمجتمع الدولى إذا لم يكف عن دعم الإرهاب بكونه يكيل بمكيالين فى تعاطيه لهذه القضية نكاية فى المسلمين، فليعلم أنه سيكون أول من يكوى بناره يومًا ما، وبالتالى يجب ألا تأخذنا الشفقة بهؤلاء المعتدين، على الجميع أن يتكاتف لحفظ الأمن والأمان، على الجهود أن تتضافر من أجل المحافظة على التعايش الإنسانى الذى ينعم فيه الجميع بكل الحقوق ويلتزم بجميع الواجبات.
صورة أرشيفية
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
عزبة كيمة
هال تصدقون
عدد الردود 0
بواسطة:
عزبة كيمة
هال تصدقون