هذا رجل لم تلد مصر حاكمًا مثله حتى تاريخه .. ظلمته أقلام البعض مع سبق الإصرار والترصد فادعوا زورًا وبهتانًا أنه كان طاغيًا مستبدًا، ولم يكن كذلك.
كان حاكمًا يقترب من المثالية التى يجب أن يكون عليها حاكم لدولة قوية وعظيمة، ومصر من هذه الدول العظيمة، فلا يحكمها إلا قوى وعظيم وحكيم.
رمسيس الثانى .. العاشق لمصر وترابها، دفع مهرها وصانها ودافع عن شرفها وكرامتها، ودحر أعداءها وأعلى شأنها وأذاع صيتها بين الأمم، ولذلك أبغضه كارهوها وألصقوا به التهم، ولهذا حديث آخر.
"سيد الأرضين .. الإله الصالح .. حبيب آمون .. " هكذا كتب على واجهة معبده الكبير فى " أبو سمبل" .
أنت الآن فى معبده الكبير، يصحبك رمسيس فيخرج بك من عالم الفناء إلى عالم البقاء، لتقف مشدوها فاغرًا فمك من العجب العجاب، لقد رحلت فعلا عن هذا العالم إلى عالم آخر، سماء غير السماء، وأرض غير الأرض، تغطيك فيه سماء عبارة عن أنثى النسر تفرد جناحيها فوقك تحميك من الشرور، بيضاء بلون الصدق، وأسفل الجدار ترى أرضًا لونها لون طمى النيل العظيم، الذى خرجت من رحمه الحياة وخلقت من المخلوقات، تحفك تماثيل رمسيس مكحولة العين، مطلى بالأبيض كأنه يرتدى كفنه، فى نظرته شجن وألم الفراق، فأنت الآن فى عالم الموتى، ولكن عيناه تملأهما أشعة الأمل فى اصطحاب الإله إلى جنته التى يخلد فيها، حيث يتحول حورس إلى أوزوريس، ليكمل دورة الحياة، ويعطى الدنيا من هناك الرخاء والماء والحياة.
يستعرض معك رمسيس مشهدًا من فتوحاته مرسومة على الجدران، بدقة وأناقة وإتقان وكأنك ترى براويز معلقة، حاكتها يد فنان أصيل، وتتحرك من غرفة إلى أخرى يلمع الزمان فى عينيك، وتتفرق مشاعرك بين ألغاز الفرشاة والألوان، وترى تحركات الملك وكأنه بطل فى حلبة مصارعة.
وعندما يشرق الإله الأصيل عند المصرى القديم إله الشمس رع صبيحة الثانى والعشرين من فبراير وأكتوبر، لينزل الإله إلى الأرض ويصعد الملك للسماء، ويلتقى جزءًا الطبيعة بشرية الملك والقدرة الألهية، وتمتد أذرع الشمس إلى غرفة الآلهة، ليلتقى بآلهة الدنيا، فتببد عنها الوحشة، لتدل على الحرب الأزلية بين الضياء والضباب، بين الحقيقة والسراب، بين النور والظلام.
وتخرج من المعبد الكبير لتفاجأ بهول وضخامة الواجهة العملاقة بتماثيله التى تعكس شخصيته: قوية، باهرة، تأخذ بالألباب. وتتجه إلى المعبد الصغير الذى بناه رمسيس لزوجته، فكأنك بخروجك من معبده الكبير إلى الصغير، قد خرجت من غابة كلها عنف وتصارع لتدخل حديقة غنّاء تشم فيها عبق الأزاهير والورود وبنهم جميعا تقف الملكة بقوامها الممشوق، وقدها الميّال وعيونها الواسعة المكحولة كعيون الظباء .
رمسيس الملك القوى الذى شارك صبيًا فى حروب والده الملك سيتى الأول لم يدع فى مصر مكانًا شاغرًا من عماراته وفنونه.
كانت مصر غنية بثرواتها وفنانيها ويكفى ما كتبه الشاعر بنتاؤر على جدران معابده لتعرف مدى ما كانت فيه مصر من ثقافة ورقى.
الملك لم يكن قائدًا فذًا ومغوارًا فحسب بل كانت لديه الحنكة والدهاء والحكمة، فلما استشعر خطر النوبيين الأقوياء الذين تسببوا فى قلاقل عديدة لجنوب مصر، أراد أن يجمعهم لينضموا إلى مصر، ويتحدوا معها، متسامحًا غاضا الطرف عن تعصبه لديانته وعقيدته، فأمر فنانيه الذين يشيدوا معبده الكبير أن يضموا إلى رسومات آلهة مصر آلهة نوبية، ليضرب بذلك مثلا وقيمة عالية للتسامح الدينى والتضامن الخلقى، ليدخل النوبيون معبده الفخم الضخم الرائع، فينتابهم الفزع والهلع لعظمته وصولجان صاحبه ومناظر نصره على أعدائه، وتنتابهم الدهشة لوجود آلهتهم التى يحبونها، فينضموا إلى مصر لتتسع رقعتها وتكبر ثرواتها، ويذكر التاريخ أن رمسيس حقق للعقيدة هدفها، الدين يوحد ولا يفرق، ويلملم ولا يشتت، ويجبر ولا يكسر.
رمسيس الثانى، أعجوبة الزمان، لنا معه كلام وكلام، وموعد وميعاد، رمسيس .. ملك لم تعرف مصر بعده ملكًا، ولم تلد مثله مثلا.
على رمضان يكتب: رمسيس الثانى ..أعجوبة الزمان
الأربعاء، 23 أكتوبر 2013 04:06 ص
رمسيس الثانى
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
Hussein
رائع
شكرا لك
عدد الردود 0
بواسطة:
محمود مندور
فينك يارمسيس
عدد الردود 0
بواسطة:
أبو القاسم
اعجوبة الزمان .. وكلام زمان