يبدو أن قيادات الإخوان قد أدمنوا تقمص دور الضحية حتى إنه يصعب التفرقة بين الشخصية الأصلية والشخصية المتقمصة، بين الأصل والصورة. حدث نوع من الاندماج والتوحد بينهما. ويبدو أنهم قد اصطحبوا معهم دور الضحية وهم يحتلون دور الجلاد باعتلائهم سدة الحكم في البلاد، لأنهم أرادوا أن يظهروا أمام الجمهور ضحايا وهم يمارسون، سواء شعوريًا أو لاشعوريًا دور الجلاد. وجزء من هذا الجمهور من أتباع هذه الجماعة عاش يقتات من هذا الدور، مما ساهم في الاجترار الدائم له. والأخطر في هذه الحالة أنه حدث دمج متعمد بين الجماعة والدين في أذهان الأتباع بحيث أصبح أحدهما مرتبط بالآخر وجودًا وعدمًا، وكلاهما ـ الدين والجماعة ـ واقع ضحية للواقع القائم كما يتوهمون. هذا هو الوهم الأكبر بلا ريب. لأن الربط بين الدين والجماعة على المستوى النفسى والذهنى والواقعى وجودًا وعدمًا يمثل خطرًا دائمًا علي الدين ينتقص منه ولا يضيف له، فشخصنة الفكرة يجعلها تخضع لما تخضع له الشخصية من تغيرات سلبية أو إيجابية. وقد حثنا القرآن على الفصل بين شخصية الرسول "ص" وفكرة الدين، وقد قالها أبوبكر الصديق عند وفاة المصطفى " ص" . ويدحض وهم الإخوان فى الربط بين الجماعة والدين وجود الدين السابق على وجود الجماعة بقرون، وبقاء الدين بوعد الله إلى يوم القيامة بعد فناء الجماعة. ومن ثم فالربط بينهما وهم، والجماعة ما هى إلا جماعة اتخذت من الدين وسيلة للصعود السياسى. ونتيجة لهذا الوهم فى الربط بين الدين والجماعة أحاطت الجماعة نفسها بهالة من القداسة استمدتها من قداسة الدين، كما أحاطت قياداتها بذات الهالة من القداسة، باعتبارهم أولياء الله الصالحين الذين يحملون صفات عباد الرحمن توهمًا.
ومن هنا جاءت رائحة المسك الربانى التى تنشقها الأتباع فى اعتصام رابعة العدوية، ونزول أمين الوحى جبريل على هذا الاعتصام الذى حفته الملائكة تأييدًا ومباركة، ونزول العذراء وعناقها رابعة العدوية. وحضور المصطفى "ص" لصلاة طلب من مرسى أن يؤمها بهم، وتلك الوعود بعودة مرسى التى أطلقها من تنكر للجماعة بعد القبض عليه. ومن هنا كان رفض المبادرات التى تقدمت بها شخصيات لها وزنها على المستوى الفكري والسياسي لحلحلة الأزمة من جانب الجماعة سواء قبل فض الاعتصام أو بعده . مع أن الحكمة تقتضى ألا تغلق باب الغرفة وراءك بما يتعذر عليك فتحه فلا تستطيع الخروج منها ولا يمكن لغيرك الدخول إليها، وأن إشعال النيران فى ذيل القطة قد يحرق حقلك قبل حقول غيرك لأن القطة المرعوبة لا تميز بين الحقول، وأن ما لا يدرك كله لا يترك كله. ومائدة التفاوض تسع كل القضايا فلا تقدم نقاط الخلاف على نقاط الاتفاق فتغلق الباب في وجه الجميع وتصادر على المطلوب. وحين يشترط الإخوان عودة الأوضاع إلى ما قبل 30 يونيه لبدء التفاوض، ففيما يكون الحوار؟ وعلى ما يكون التفاوض؟. إنه وضع للعربة أمام الحصان. كما أن القول بعودة مرسى من قبيل أضغاث أحلام.
لأنه بفرض عودته أنى له تسيير أمور الدولة فى ظل مؤسسات فشل فى التعامل معها لأنه أدارها بعقلية وخبرة إدارة الجماعة لا إدارة الدولة؟ وكيف له أن يتصرف مع مؤسسات أيدت خروج الشعب علي حكم الإخوان؟ . هل سيتم تسريح الجيش وإحلال الميليشيات محله؟ ، ويجرى تسريح الداخلية وإحلال اللجان الشعبية محلها؟ ويتم التخلص من القضاء وإحلال المجالس العرفية محله؟ ويجرى التخلص من الإعلام، باعتبار أن العاملين فيه سحرة فرعون وإحلال الإعلام الإسلامى محله؟ .
ولو حدث ذلك وقبله الشعب المصرى وأيده فأين تذهب هذه الجيوش التى جرى تسريحها؟ وماذا تعمل؟ وهل ينزلون تحت الأرض لممارسة العمل السرى؟ .
أظن أن ذلك وهم يستوجب التبديد خاصة أن كل فرد فى الجماعة هو مرسى باعتبار أن منهج التربية فى الجماعات المنغلقة يفرز نسخ كربونية تطبع على وجهى الورقة. وهو وهم معشش فى العقول والقلوب جميعًا.
مقر جماعة الإخوان المسلمين
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة