أعربت 17 منظمة حقوقية عن عميق أسفها إزاء مسودة مشروع قانون "تنظيم الحق فى الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية فى الأماكن العامة"، المعروف إعلاميًا باسم قانون التظاهر، مؤكدة أن هذا القانون يُعتبر بمثابة إعادة الاعتبار السياسى لمشروع قانون التظاهر، الذى فشلت حكومة الإخوان المسلمين فى إصداره فى إبريل 2013، بسبب الانتقادات الواسعة من هيئات دولية كالمفوضية السامية لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة ومنظمات دولية حقوقية، وأغلب المنظمات الحقوقية المصرية والموقعة على هذا البيان.
وأشارت المنظمات فى بيان مشترك إلى أن وزارة العدل الحالية تقدمت بمشروع قانون أكثر قمعية من مشروع القانون السابق، وأنه لم يكتف مشروع القانون الجديد بوضع قيود قمعية على حق التظاهر، بل إنه وضع قيودًا أخرى على الحق فى الاجتماع العام والإضراب والاعتصام وتنظيم المواكب، ليفرض بذلك تقييدًا شاملاً وخانقًا على حرية المصريين فى ممارسة كافة أشكال التجمع السلمى، أى أحد أهم الحقوق التى انتزعها المصريون بدماء آلاف الضحايا تحت حكم مبارك والمجلس العسكرى والإخوان المسلمين.
وأوضح البيان المشترك، أن رئيس وأغلبية مجلس الوزراء وافق على المشروع فى 9 أكتوبر، وأُحيل إلى رئيس الجمهورية المؤقت لإقراره، داعية رئيس الجمهورية لعدم اعتماد القانون، مؤكدة على تقديرها لموقف الوزراء الذين صوتوا ضد هذا المشروع، وانحازوا لاحترام الحق فى التجمع السلمى كحق أساسى من حقوق الإنسان، كما أبدت المنظمات الموقعة استهجانها لكون رئيس وبعض أعضاء الحكومة، الذين تولوا مناصبهم بسبب ممارسة المصريين لحقهم فى التجمع السلمى، صاروا يرون الآن أن هذا الحق شر لا بد من منعه، والتصدى له بكافة الوسائل القمعية والقانونية؛ ووافقوا على مشروع قانون يستمد فلسفته من قوانين تم سَنها فى عهد الاحتلال البريطانى لمصر والإخوان المسلمين.
ولفتت المنظمات إلى أن مشروع القانون وضع قيودًا عديدة على حرية المواطنين فى الاجتماع العام، وأنه سمح لقوات الأمن بحضورها تحت دعوى "تأمينها"، وألزم المنظمين بإخطار وزارة الداخلية قبلها بسبعة أيام عمل، حتى وإن تم تنظيمها فى أماكن خاصة، مؤكدة أنه بموجب هذا المشروع يتاح لقوات الأمن أن تحضر الندوات التى تنظمها الأحزاب السياسية والمراكز البحثية والجمعيات الأهلية وغيرها، وأنه أعطى لها حق فض هذه الندوات لأسباب متعددة، من بينها تجاوزها للمدة المبينة فى الإخطار، بوسائل قد تصل إلى استخدام طلقات الخرطوش المطاطى وقنابل الغاز.
وشددت المنظمات على أن هذا القانون يقيد انعقاد كل الندوات والاجتماعات السياسية والثقافية والفكرية والفنية التى تنظمها الأحزاب السياسية أو الجمعيات الأهلية وغيرها، ويشكل إهداراً خطيراً للحق فى حرية التعبير، وأنه يُفاقم من خطورة الأمر، خاصة أن مصر ستشهد فى الفترة المقبلة انتخابات برلمانية ورئاسية إلا أن مشروع القانون –وعلى خلاف القانون رقم 14 لسنة 1923 فى عهد الاحتلال البريطانى– لم يستثن الاجتماعات والمواكب الانتخابية من القيود الموجودة فى القانون، كما إنه يجرم الحق فى الإضراب، ويعاقب عليه بعقوبة تصل إلى الحبس خمس سنوات فضلاً عن الغرامة.
واستنكر البيان اهتمام مشروع القانون بوضع قيود صارمة على المنظمين للاجتماع أو للمظاهرة، مشيرا إلى انه وضع قيودًا فضفاضة على استخدام رجال الأمن للقوة المفرطة، لا تتناسب مع الأفعال التى قد يرتكبها بعض المتظاهرين أو المجتمعين، وأنه أجاز لقوات الأمن استخدام الطلقات المطاطية دون قيود، –رغم أنها قد تؤدى للوفاة– حتى فى حال ارتكاب المتظاهرين لمخالفات بسيطة، أو إن هتف أحد المشاركين بما يمكن اعتباره سبًا وقذفًا، لافتا إلى إن ارتكاب أحد أو بعض الأفراد المشاركين فى المظاهرة أو الاجتماع لإحدى الجرائم، لا يبرر الفض أو استخدام القوة المميتة، وفرض عقاب جماعى على أغلبية المشاركين فى المظاهرة أو الاجتماع.
وقالت المنظمات فى بيانها المشترك، إن مشروع القانون استحدث تعريفًا جديدًا للدفاع الشرعى يتيح استخدام القوة المميتة من قِبل قوات الأمن، وهو الدفاع عن "الممتلكات"، مؤكدة إن الاعتداء على الممتلكات العامة جريمة مدانة، إلا إن إباحة القتل دفاعًا عن تلك الممتلكات جريمة لا يمكن تبريرها حتى بقانون، فضلاً عن تعارضها مع المعايير الدولية المتعلقة باستخدام القوة من قِبل القائمين على إنفاذ القانون، والتى تُقيِّد بشكل صارم استخدام الأسلحة النارية والقوة المميتة، بحالة وجود تهديد وشيك على الحياة أو بالإصابة البالغة فقط، أو لحماية أرواح الآخرين.
وذكرت المنظمات انه على الرغم من أن مشروع القانون الجديد نص على تنظيم المظاهرة بالإخطار، إلا أنه أفرغ مضمون الإخطار من معناه، حيث منح وزارة الداخلية حق الاعتراض على الإخطار وفقًا لمزاعم أسماها مشروع القانون "جدية"، تستند على اعتبارات فضفاضة وغير منضبطة قانونًا، مثل النظام العام أو الأمن العام، وألقى بعبء الطعن قضائيًا على هذا الاعتراض على عاتق منظمى المظاهرة، ما يعنى مزيدًا من العراقيل وتعقيد الإجراءات على من يرغب فى تنظيم ندوة –حتى لو كانت محدودة العدد– أو مظاهرة أو حتى موكب انتخابى، ويُحول مفهوم الإخطار ليكون بنظام التصريح، كما أن مشروع القانون نص على أن يتم تقديم "الإخطار" قبلها بسبعة أيام عمل، وهى مدة طويلة جدًا تُقيِّد تفاعل المصريين مع الأحداث الجارية.
وأكدت المنظمات فى بيانها، الذى أصدرته اليوم الأربعاء، ان مشروع القانون أفرد عقوبات سالبة للحرية وغرامات قاسية على من يخالفه، فعلى سبيل المثال نص القانون على عقوبة الحبس حتى خمسة أعوام وغرامة تصل إلى مائة ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، إن اعتصم المجتمعون أو المتظاهرون فى مكان الاجتماع أو المظاهرة، أو إذا أخلوا بالنظام العام أو عطلوا حركة المرور، ما يعنى أن من سيتظاهر بغرض المطالبة بزيادة راتبه، أو بسبب فصله تعسفيًا –دون أن يقدم إخطارًا– قد يجد نفسه مضطرًا لدفع غرامة مئة ألف جنيه، فضلاً عن إمكانية حبسه، لافتة إلى أن الجرائم الواردة فى هذه المادة جرائم غير واضحة، فمن ناحية لا يمكن تعريف النظام العام على وجه الدقة، والذى تستوجب مخالفته الحبس لمدة خمسة أعوام، أما تعطيل حركة المرور فلا يتصور ألا تعطل المظاهرات –حتى محدودة العدد– حركة المرور، رغم أن مشروع القانون ألزم المتظاهرين بالإخطار، ما يستوجب أن تقوم وزارة الداخلية بتغيير مسارات المرور والإعلان عن المسارات الجديدة حتى لا تتأثر حركة المرور.
وأوضح البيان، أن مشروع القانون عاقب بالحبس الذى قد يصل إلى ثلاث سنوات وغرامة قد تصل إلى مائة ألف جنيه كل من ارتدى أقنعة أو أغطية بقصد إخفاء معالم الوجه أثناء الاجتماع أو المظاهرة، قائلا "الغريب فى هذه المادة أنها اعتبرت مجرد ارتداء أقنعة جريمة تستوجب هذه العقوبة القاسية"، مؤكدا ان مشروع القانون وضع قيودًا على أماكن الاجتماعات والتظاهرات، وذلك بنصه على حرم لا يقل عن 100 متر ولا يزيد عن 300 متر أمام بعض المنشآت، ما يعنى فى التطبيق العملى، فى المدن المصرية المكتظة بالمبانى المتلاصقة، أن تكون الاجتماعات والمظاهرات بعيدة تمامًا عن مرأى ومسمع الجهات المستهدفة بالمظاهرة أو بالاحتجاج، كما منح مشروع القانون لكل محافظ الحق فى أن يضيف أماكن جديدة ينطبق عليها مفهوم الحرم، ويحظر بالتالى التظاهر بالقرب منها.
وقالت المنظمات انه كان يتعين على واضعى مشروع القانون الاهتمام بوضع الضمانات لضمان ممارسة حق التجمع السلمى، ووضع المزيد من القيود على السلطات الأمنية حتى لا تعرقل هذا الحق، كما كان يجب احترام التزامات مصر الدولية والمعايير الدولية ذات الصلة، مؤكدة أن مشكلة التظاهر والتجمع السلميين فى مصر ليست فى غياب الإطار التشريعى الحاكم لهما، وإنما تكمن فى طريقة مواجهة قوات الأمن لتلك التظاهرات، وغياب قواعد المسائلة الديمقراطية والعدالة عن الجرائم المُرتكَبة ضد المتظاهرين، على مدار ما يقرب من ثلاث سنوات.
وأشار البيان إلى إن التظاهرات والإضرابات المتواصلة فى ميادين مصر منذ عدة سنوات، هى تعبير عن أسباب سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، مؤكدا إنها تحتاج إلى حلول سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، وليس حلولاً أمنية أو مزيدًا من التشريعات القمعية، لافتا إلى إن أى مشروع قانون لتنظيم التظاهر السلمى يجب أن يضع فى اعتباره أن أداء وممارسات قوات الأمن فى مصر، قبل وبعد الثورة، كفيلة بإحالة أفضل قوانين التظاهر فى العالم إلى حقل خصب للانتهاكات والجرائم عند الممارسة.
وأكدت المنظمات الموقعة على البيان أنه كان من الأجدر بالحكومة المؤقتة أن تنشغل بإصلاح أجهزة الأمن وتعديل قانون الشرطة وفقًا للمعايير الدولية، بدلاً من الانشغال بإعداد قوانين قمعية جديدة، تفاقم الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتعاقب على النوايا وتمنح غطاءً قانونيًا للاعتداء على حقوق الأفراد وحرياتهم وحياتهم.
واختتمت المنظمات بيانها قائلة "بعد أيام تنتهى حالة الطوارئ، ولكن مشروع هذا القانون، وقوانين أخرى أعلنت الحكومة عن اعتزامها إصدارها على وجه السرعة، هو بمثابة دمج الطارئ والاستثنائى فى القانون العادى، بحيث تترسخ فلسفة الطوارئ فى التشريع المصرى، وبهذا المعنى فإن هذا القانون –والقوانين المماثلة التى تعتزم الحكومة إصدارها– هى أخطر من حالة الطوارئ (المؤقتة)، لأنها تستهدف تطبيع حالة الطوارئ وتحويلها إلى حالة دائمة".
المنظمات الموقعة
1. مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان
2. الائتلاف المصرى لحقوق الطفل
3. الجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية
4. جمعية حقوق الإنسان لمساعدة السجناء
5. الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان
6. المبادرة المصرية للحقوق الشخصية
7. المركز المصرى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية
8. مركز أندلس لدراسات التسامح ومناهضة العنف
9. مركز حابى للحقوق البيئية
10. مركز هشام مبارك للقانون
11. مركز وسائل الاتصال الملائمة من أجل التنمية (أكت)
12. مصريون ضد التمييز الدينى
13. المنظمة العربية للإصلاح الجنائي
14. المؤسسة المصرية للنهوض بأوضاع الطفولة
15. مؤسسة حرية الفكر
16. مؤسسة قضايا المرأة المصرية
17. نظرة للدراسات النسوية
17 منظمة حقوقية: مشروع قانون "التظاهر" يهدر حق المصريين فى الاجتماع والإضراب والاعتصام.. وإعادة اعتبار سياسى لمشروع الإخوان.. ويتيح استخدام القوة المميتة من قِبل قوات الأمن
الأربعاء، 23 أكتوبر 2013 11:50 ص
صورة أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة