أتساءل كثيرًا. . وأتعجب كثيرًا.. لماذا لا نتقدم كأمة رغم أننا نمتلك كل مقومات التقدم: البشر- الموارد- البيئة؟! . وخاصة أننا أصحاب حضارة عريقة.. وعقيدة أضاءت العالم بنورها.. وتحث الفرد على العمل.. والأكثر أهمية أنها تحث على التفكير.. لذا أضاءت بنورها ظلام العصور الوسطى.. ومع كل هذا نحن أمة فى الحضيض.. والآن وبصراحة نعيش عالة على الحضارة الإنسانية الحديثة.
حاولت البحث فى عوامل وصفات تقدم الأمم.. فوجدت أننا نفتقدها.. فأدركت لأنه ليس باستطاعة حاكم، مهما كان حبنا لهذا الحاكم، أن يأتى إلى الحكم ويقول سأحقق النهضة لشعبى دون وجود هذه الصفات فى شعبه.. وأدركت أيضًا أن التحضر سلوك إنسانى.. وعلمت أنه لا تقدم لأمة قبل أن تغلق على نفسها وتعلن رغبتها فى التقدم.. ثم تبدأ النقد الذاتى بهدف كشف عيوبها وسلبيات نهوضها.
يأتى بعد ذلك توافر عدة صفات تشكل حالة ذهنية مجتمعية تدفع أفراد المجتمع للتقدم، وتلك الصفات هى: احترام حقوق الإنسان- إعلاء مبدأ سيادة القانون على الكل سواسية- قبول الرأى الآخر- تشجيع الفكر المختلف- تقديس العمل- تقدير العلم والعلماء- عدم الخضوع لقيود الماضى دون تفكير أو تمحيص- سعى مستمر للتجديد والابتكار النافع للبشر.. تلك الصفات نفتقدها فى مجتمعاتنا.
كما أن هناك ثقافات معاكسة للتقدم، منها: الاهتمام بالشكل لا المضمون فى كل تعاملاتنا.. فالعبرة بالنجاح فى الامتحان لا بتحصيل العلم وتوسيع المدارك.. والعبرة ليست بالصدق والأمانة إنما بعدم انكشاف الكذب والغش.. والعبرة بالترقى والجلوس على الكرسى دون النظر إلى مسئولياته.. والعبرة بالإعلان عن الإنجاز لا بتحقيقه على أرض الواقع.. أليست تلك الثقافات المعاكسة- المعيقة للتقدم- هى التى تتحكم فى تصرفاتنا وسلوكياتنا الحياتية؟!
هنا أدركت أنه لا أمل لنا فى تقدم ونهضة ومكانة بين الأمم دون ثورة داخل كل فرد فينا لتعديل حالته الذهنية.. وتغيير منظومة قيمه وصفاته الحياتية.. ونفض تلك الثقافات السلبية التى تسيطر على علاقته بالمجتمع وينحى الأنا جانبًا ويعلى مصلحة مجتمعه وأمته.. فوالله بدون ذلك لا تقدم ولا نهضة ولا حياة كريمة ولا عدالة اجتماعية ولا حرية.. وحتى لو أتى الحاكم الذى يتفق عليه جميع أبناء الشعب، معلنًا أنه سيحقق التقدم والنهضة.. فالتقدم ليس قرارًا يفرض على المجتمع بشكل رأسى.. بل هو حالة ذهنية مجتمعية دافعة لكل أفراد المجتمع.. وثقافة تعنى بالجوهر والعام وليس بالشكل والخاص!
فمتى تستيقظ شعوبنا من الوهم الذى تعيشه. . وحالة المرض التى تنتابها فى غناها وفقرها. . ومن حالة التغنى بأمجاد الماضى.. فالماضى ليس له قيمة إن لم يكن مؤثر وصانع للحاضر.. وقافز بنا للمستقبل؟!.
