لو أراد المسؤولون عن تخطيط مستقبل بلدنا على المستوى الاقتصادى والطبى والاجتماعى والدينى لاتفق رأيهم جميعاً أن المشكلة الأولى والكبرى التى تهدد حياتنا لهى مشكلة الزيادة السكانية التى هى بمثابة انتحار جماعى.
إن خطر مشكلة الانفجار السكانى وعجزنا عن إيجاد حل ونحن نرى أنفسنا فى حيرة تمثل تحدياً (واحتقاراً؟) لقدراتنا العقلية والذهنية وإرادتنا دون أن نجد لأنفسنا منقذاً!!
وحينما قرأت الدراسة الدقيقة والواضحة التى أعدتها مؤسسة المركز المصرى لبحوث الرأى العام «بصيرة» التى يرعاها الوزير السابق للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات د. ماجد عثمان، توقفت أمام بعض الأرقام عن الزيادة السكانية ووجدتها فى احتياج إلى أعصاب هادئة حتى لا يتملكنا الخوف والذعر على مستقبل بلدنا. حينما نعلم أن تعداد سكان مصر وصل 89 مليون نسمة وأن المساحة المأهولة بالسكان لا تزيد على 8% من إجمالى المساحة الكلية وهى مليون كيلومتر مربع. وأن مؤشر الكثافة السكانية لتعداد 2006 ارتفع من 72 فردا لكل كيلومتر مربع إلى 922 فردا لكل كيلومتر مربع من المناطق المأهولة فقط، وهى نسبة عالية جداً بمقارنتها عالمياً بمناطق أخرى. وهناك مؤشر رقمى ثالث مقلق جداً وهو أن نسبة الأمية التى تمثل ثلث السكان -وهى من بين أعلى 10 دول- ويؤسفنى سوء حظ السيدات والفتيات فإن نصفهن تقريباً أميات. وحينما نعلم بنظرة مستقبلية أن عدد السكان على أرض مصر سيصل فى عام 2030 إلى 110.3 مليون نسمة أى أنه لن يبقى هناك مكان لكل فرد «واقفاً» على المساحة الآهلة بالسكان -إذا بقيت كما هى- أى 8% من المساحة الكلية لمصر. والعجز عن جذب السكان إلى الصحارى لتعميرها يحرمنا من فرصة الاستفادة من الزيادة السكانية بصورة إيجابية، وتحويل المشكلة إلى ميزة!
بقيت نقطتان فى هذا الموضوع يجب أن أشير إليهما، الأولى هى أن الزيادة السكانية وعدم «براحة» المساحة التى نعيش عليها تؤثر فى سلوك الأفراد إذ يصبح الإنسان أكثر ضيقاً وعصبية فى أسلوب التعامل اليومى مع الآخرين الذين «يزاحمونه المكان ولقمة العيش». النقطة الثانية التى على وشك الانفجار هى هجرة أهل الريف المحمومة إلى العاصمة التى بات مستحيلاً أن تستقبل المزيد منهم، خاصة أنهم يساهمون فى تفاقم مشكلة العشوائيات التى تعد أوكاراً للجريمة والبلطجة. إذاً وباختصار الانفجار السكانى هو من بين العناصر التى تهدد الأمن القومى.
السبل لمواجهة الزيادة السكانية، وأهمية تحديد النسل، أولاً: لابد أن تحتل قضية تحديد النسل جزءا أساسيا فى إعادة صياغة الكتاب المدرسى، بحيث يتم تهيئة الطلاب ذهنيا إلى الخطر القومى والشخصى عليهم إذا تركنا مشكلة التزايد السكانى تلتهم الرصيد الذى بين أيدينا نشترى به المأكل والملبس والدواء. ثانياً: إنشاء مركز أبحاث قومى يهتم بدراسة هذه المشكلة وتكوين فريق من الباحثين يعكف على عمل دراسات تفيد علماء الاجتماع والمؤسسات المهتمة بقضايا المرأة وتهتم بدراسة تجارب الدولة الأخرى كالصين والهند. ثالثاً: الاهتمام بإنتاج برامج توعية وإرشاد خاصة فى التليفزيون الذى كان وسيظل «المدرسة الشعبية المجانية» التى تستطيع أن توصل الرسالة والنصيحة إلى المشاهد البسيط أو الأمى بطريقة تساعد على انحيازه لتحديد النسل. رابعاً: من أكثر السبل تأثيراً فى الرأى العام أيضاً السينما ويجب أن تقوم بعض وزارات مختصة بدعم صناعة بعض الأفلام يقوم بأدوار رئيسية فيها نجوم السينما المصرية ممن يحظون بشعبية جماهيرية عريضة. الخلاصة: تحديد النسل هو ثقافة وتخطيط يتحمل مسؤوليته الأفراد والمؤسسات وكل أجهزة ووزارات الدولة على حد سواء.