أتعجب من رد فعل بعض الموتورين من الإخوان ومن يدورون فى فلكهم تجاه نتيجة مباراة غانا ومصر، ويتهكمون على مقولة إن لعبة كرة القدم صناعة لتتهم مصر بالفشل فى كل الصناعات، كانت كما يتعجبون من مقولة عدم الخلط بين الرياضة والسياسة، لأن هزيمة الأمس فى نظرهم كانت انتقامًا لله من الظالمين وتنكيدًا على شعب سكت على ظلم.
لكل هؤلاء أقول ولأصحاب العقول منهم من بنى وطنى كل عام وأنتم بخير ومصر الغالية، التى تأوينا جميعًا، وإياكم بكل خير وأمن وحفظ من الله.
نعم إن الأمم الفاشلة تلهى شعوبها بتوافه الأمور كما حدث لنا فى فترات من الزمن كان إلهاء الشعب بالفن والكورة رغبة وحاجة، أما الوقت الحالى فلا حاجة لإلهاء الناس بكورة أو غيرها، لأنه لا يوجد نظام حكم مستقر يبحث عن إلهاء الناس الآن، وإن المباراة أقيمت ضمن مسابقة عالمية تقام كل 4 سنوات أيا كان نظام الحكم القائم.
ولا علاقة لهزيمة الأمس بأى إلهاء أو غيره فلها أسباب فنية بحتة يفهمها الرياضيون لا المتفقهون ومدعو المعرفة والخلط بين الأمور لحاجة فى النفوس ومرض قلوب، كما يحدث على الساحة الآن من بعض الموتورين من الإخوان بإظهار الشماتة فى هزيمة فريق مصر القومى لكرة القدم.
نعم يا سادة الكرة صناعة لمن يفهم ذلك ويقصد بها لعبة المحترفين القائمة على التدريب والعمل والنظام الإدارى والمالى الذى يديره اتحاد عالمى لكرة القدم هو الأقوى على مستوى العالم اقتصاديًا فى كل المسابقات الرياضية، وتخضع له كل اتحادات الدول ومسابقاتها وقوانينها وميزانيتها بالمليارات على مستوى العالم ومرتبطة بالميديا والإعلام والمال فهى صناعة من الألف للياء لمن يجيدونها.
أما لدينا فهى مجرد تجارة وسبوبة وكل ذلك لا علاقة له أيضًا بالهزيمة، فبلد لا يقام فيه دورى منتظم لا مستوى للكرة فيه، لأن أساسها الممارسة والتدريب اليومى ثم المسابقات الرسمية تحت ضغط جماهيرى يرتفع معها المستوى، لذا لم يكن من العجيب أن ننهزم من دولة جميع لاعبيها محترفين فى مسابقات ودوريات منتظمة، كما أنها من الدول المتقدمة كرويًا بما لديها من مواهب وخبرات, ونحن لدينا المواهب الكروية لكن لا يوجد لدينا نظام احتراف كروى حقيقى يخدم منتخب وطنى قوى.
لذا كانت الهزيمة الثقيلة التى جاءت لها أسباب منطقية من سوء اختيار فى تشكيل يميل للعب هجومى أكثر منه محافظة على شباك الفريق فى مباراة صعبة خارج أرض الوطن، ثم كان للانهيار النفسى السريع لدى اللاعبين دوره بعد توالى الأهداف وقس أعمار اللاعبين لدينا بالخصم، لتعرف حجم القدرات والطاقة المبذولة.
فضلا عن عدم وجود قاعدة للاختيار فدائمًا الدول تقاس بعدد اللاعبين المحترفين المقيدين لممارسة اللعبة وعدد سكان الدول ستجدنا من اقل دول العالم فى ذلك, قس على ذلك أننا بلا ثقافة أو فكر كروى، ففى أوروبا ترى الفريق ينهزم ثم يذهب للجماهير لتحيتها، ويتبادل الفريقان التحية وفانيلات اللعب فى مشهد حضارى لم نعرفه ولم نتعود عليه لليوم.
أما بالنسبة للنهضة الصناعية للأوطان فلكل مرحلة كان هناك صناعة نتميز بها فمنذ زمن ولى كنا فى مقدمة الدول فى صناعة المنسوجات، وحاليًا لدينا صناعة السيراميك والبورسلين والسجاد الشهيرة على مستوى العالم، لكن للأسف لم نتخصص فى صناعة تميزنا كما تخصصت الهند مثلا فى صناعة البرمجيات وباتت من أولى دول العالم فى ذلك.
نعم لدينا بعض الصناعات الجيدة ولدينا صناعة كيماويات وألومنيوم وحديد منذ العهد الناصرى، ولدينا بعض الصناعات العسكرية الخفيفة.
لكننا لم نتخصص فى صناعة نشتهر بها جودة وإنتاج على مستوى العالم، لأننا تخصصنا فى صناعة النقد وجلد الذات, صناعة الأحقاد والكراهية, صناعة الحرب من أجل المناصب .
صناعة ادعاء حب الوطن ثم التشفى فيه حتى لو كانت مباراة رياضية تنتهى بانتهاء وقتها، اعتقادا وجهلا بأن الله لا ينصر المظلومين، كأن الدول الاستعمارية التى فازت بكأس العالم كانت على حق، وكأن الدول الملحدة المتقدمة كرويًا تستحق النصر ورضا الله.
نعم حين تكون العقول خربة تكون الأفكار والآراء مضطربة، ويكون الوطن بلا قيمة لدى قلوب لم تعرف حب الوطن حتى ولو من باب كرة القدم وتشجيع فريقها القومى.
