قال الشاعر والزميل الصحفى وائل السمرى، نائب رئيس تحرير "اليوم السابع"، إن وزارة الثقافة عشوائية بامتياز، فمن يمعن النظر فى أداء مؤسساتها يرى أن كل منها تنافس الأخرى بدلاً من أن تتكامل أدوارها معاً، من أجل تحقيق رؤية إستراتيجية إذا كان هناك رؤية بالأساس.
جاء ذلك خلال الجلسة الثانية التى عقدت مساء أمس، الثلاثاء، ضمن فعاليات مؤتمر "ثقافة مصر فى المواجهة" وعقدت الجلسة تحت عنوان "دور المثقفين فى إرساء أسس الدولة المدنية الحديثة"، وأدارتها الكاتبة الدكتورة أمينة زيدان، وشار فيها الناقد الكبير الدكتور جابر عصفور، وزير الثقافة الأسبق، والدكتورة منى طلبة، والناقد الكبير إبراهيم فتحى، والشاعر وائل السمرى.
وقال وائل السمرى: أخيرا وبعد ثورتين انتبهنا إلى أهمية الثقافة وجدواها فى صنع مستقبل مصر، ونحن نجتمع اليوم مدركين أن "ثقافة مصر فى المواجهة" ودعونى أقول إن الثقافة هى المواجهة، ولعله من حسن الحظ أن تكون جلستنا اليوم تحت عنوان "دور المثقفين فى إرساء أسس الدولة المدنية الحديثة" لكنى أريد اليوم أن أصارحكم بأننا كمثقفين صرنا نستخدم كلمة "المدنية" كما يستخدم الإسلاميون كلمة "إسلامية" ودعونى أيضا أتمادى فى المصارحة بأن أقول إننا صرنا نردد هذا المصطلح "مدنية" كما يردد الإسلاميون مصطلحاتهم الدينية الرنانة دون تحقق أو تحقيق، لكنى برغم هذا أزعم أننا أمام فرصة تاريخية لمراجعة أفكارنا عن الثقافة والعمل الثقافي، كما اعتبر أننا أمام فرصة تاريخية أيضا لتحقيق معنى "لمدنية" المنشودة، إذ تفرض لمدنية علينا أن ندعم المجهود البشرى وأن نكسر تابوهات القدماء التى أثبتت الأحداث عدم ملاءتها لحياتنا، كما تفترض أن نؤمن بدولة المؤسسات وأن ندعم هذه المؤسسات لتحقيق أهدافها المرجوة، ومن هنا يحق لنا أن نتساءل: هل لدينا مؤسسات حقيقة؟ وهل لهذه المؤسسات خطة إستراتيجية تسعى لتحقيقها على المستويين البعيد والقريب؟ وهل هذه الخطة – إن وجدت- تستند على مرتكزات حقيقة؟
وأضاف السمرى: يؤسفنى هنا أن أقول إن مؤسسات الثقافة المصرية لا تقوم بدورها على أكمل وجه، وأشعر فى كثير من الأحيان أن مؤسسات الثقافة المصرية تنافس بعضها بعضا بدلا من أن تنافس ثقافات الظلام، فلدينا مثلا هيئة مثل هيئة الكتاب واجبها الأول هو طباعة الكتب ونشرها، لكن عدد منافذ بيع كتب الهيئة أقل من القليل، وأساليب ترويج هذه الكتب يكاد يكون هو والعدم سواء، ولا تستفيد هيئة الكتاب من مئات قصور الثقافة المنتشرة فى ربوع مصر من أجل عرض كتبها، كما أنها لا تستفيد من وجود عشرات المسارح ومراكز الإبداع أبدا، ناهيك عن أن كل مؤسسة من مؤسسات وزارة الثقافة تنافس هيئة الكتاب فى دورها الأول، فنرى كتبا ينتجها المجلس الأعلى للثقافة، وكتبا تنشرها هيئة قصور الثقافة وكتبا تنشر أكاديمية الفنون، وكتبا ينشرها المركز القومى للمسرح، وكتبا ينشرها المركز القومى للترجمة، كما أننا نرى أعمالا إبداعية وفكرية مترجمة ينشرها المركز القومى للترجمة فى حين أن هيئة الكتاب وأكاديمية الفنون وقصور الثقافة تقوم بذات العمل، ولا تفكر أية مؤسسة من مؤسسات الوزارة فى الاستفادة من إمكانيات المؤسسات الأخرى بالشكل الذى يجعل عمل هذه المؤسسات تكامليا لا تنافسيا، ولأننا نسير بلا "خطة" ولأن إنشاء الهيئات والمراكز كان حتى وقت قريب أشبه بالمنح التى يهبها الحاكم لأهل الحظوة صرنا غارقين فى امتدت العشوائية إلى مؤسسة العقل المصري، مع العلم أننى أعتبر العشوائية هى النقيض الأمثل للـ"المدينة" فلا مدنية بدون "خطة" ولا خطة بدون وعي، وإن غاب الوعى عن أهل الوعى فلا أمل ولا خلاص.
ورأى "السمرى" أنه يجب علينا أن نعيد ترتيب البيت الثقافى فى مصر، مضيفًا: وللحق فإن هناك خطوات كبيرة يجب علينا أن نقطعها قبل أن نفكر فى إعادة ترتيب هذا البيت، وأول هذه الخطوات هو عمل خطة إستراتيجية لوزارة الثقافة، لنعرف قبل أى شيء حدود هذه المؤسسة وإمكانياتها ومجال عملها، إذ يسود عند البعض اعتقاد مغلوط يدعى أن الثقافة هى ذلك النتاج الإبداعى للنخب الثقافية فى المجتمع، وهو الأمر الذى أطاح بمعنى الثقافة ومفاهيمها وأدوات تمكينها من مائدة اهتماماتنا الحياتية اليومية، ولذلك لا أرى طائلا يذكر من عمل إستراتيجية ثقافية بعيدة المدى دون أن نعيد ترسيم حدود الثقافة فى مصر بحيث تشمل كل مناحى الحياة وجميع المنتوجات الثقافية للمصريين كشعب، وليس للمثقفين كـ "نخب" دون أن يكون فى هذا تعارض مع ذاك.
وقال السمري: لا أعرف نقطة بداية لخطة مصر الثقافية الإستراتيجية أنسب من دراسة الوضع الثقافى الحالى للشعب المصري، ولهذا فإنى أقترح على وزارة الثقافة عمل وحدة دراسات إستراتيجية ثقافية تعتنى برصد الحالة الثقافية فى مصر وتقديم تقاريرها كل شهر إلى رؤساء قطاعات الوزارة ومؤسساتها، ليعرف المسئولون عن أى شيء سيسألون، ولتدلى كل مؤسسة من هذه المؤسسات بدلوها فى معالجة السلبيات أو تدعيم الإيجابيات، بالشكل الذى يربط الثقافة بالشعب، لا بكاميرات التليفزيون وأرفف الأرشيف، ولسنا هنا بصدد رصد الصراع القائم بين ثقافة النخبة وثقافة الهامش، لكن الأمر الجدير بالاعتبار هو أن هناك فصام تام بينهما، بالشكل الذى جعل الحلم بالتقاء الثقافتين أشبه بالمستحيل، وهو ما انعكس سلبيا على أداء وزارة الثقافة التى انحازت بشكل لا إرادى إلى ثقافة النخب ففقدت التواصل مع غالبية المصريين وتركتهم فريسة للأفكار المتطرفة والأخلاقيات الدخيلة والسلوكيات المشينة، لذا كان لابد لنا من وقفة حقيقة صادقة لرصد تموضعات الثقافة فى البنية الاجتماعية المصرية وكيفية الارتقاء بها بالشكل الذى يقلص الفارق بين ثقافة النخبة وثقافة الهامش.
وأوضح "السمرى" أنه ليس هناك من مفر أيضا من إعادة ترسيم حدود الثقافة، لتشمل جميع مناحى الحياة من مأكل ومشرب ومأوى، وذلك بحثا عن مواطن تميزنا الثقافى وتفردنا الحضارى، ولست أدرى كيف ننظر مثلا إلى تجربة النهضة الأوربية دون أن نعى أن أهم أسباب هذه النهضة هو لتصبح وزارة الثقافة "وزارة إستراتيجية" ترصد ثقافات الشعب وتدرس ميوله واتجاهاته وآليات تلقيه وتعمل على الارتقاء به، وبالطبع مهمة كهذه تتطلب عمل العديد من "المراجعات الثقافية" لندرس بعين النقد الموضوعى تلك الكتابات المؤسسة التى هيمنت على الجماعة الثقافية على مدى عقود عديدة، إذ ليس من المعقول أن نجلد الشعب كل يوم ونتهمه بالقصور والتدنى ونعيب عليه تدنى مستواه الحضارى دون أن نشك ولو للحظة فى أن "العيب فينا".
وقال السمري: الآن علينا أن نسأل أين البداية؟ والإجابة للأسف تقليدية، لكن التقليد لا يكون تقليدا إلا إذا ما خلا من الروح الخلاقة الوثابة والإيمان الحقيقى بما نفعل والإخلاص لما نفعل، ونظرة واحدة إلى تجارب النهضة سواء فى مصر أو فى خارجها ستؤكد لنا أن البداية تتلخص فى إحياء الحضارة المصرية بجميع مكوناتها، والسعى إلى عمل مدرسة فنية حضارية مصرية جديدة تستلهم الروح من القديم وتأخذ بآليات الحديث لتنتج فنا جديدا وروحا ثقافية جديدة، فلم يصبح عصر النهضة فى أوربا عصر نهضة إلا حينما تبنى فكرة إحياء التقاليد الفنية الرومانية القديمة، وكذلك لم تصبح مصر دولة قوية إلا حينما أعادت للتاريخ اعتباره وأجلت عن الشخصية المصرية غبار الإهمال، ولم تظفر حركة الشعرية العربية بوثبات خلاقة إلا حينما بدأت مدرسة الإحياء فى طريقها نحو التقليد ثم التجديد ثم التطوير ثم الاستقرار على أسس فنية تتصل بالماضى وتمثل الحاضر لنبنى مجتمعا ذا هوية راسخة وسمات حداثية متواكبة مع العصر الذى نحيا فيه.
وقال السمرى: هنا أريد أن أقول إننا بحاجة ماسة إلى عمل ما يشبه العقد الثقافى الجديد، لنضع تصورا عاما لثقافة مصر منتقين من تاريخنا ما يساهم فى تطوير الرسالة الثقافية وجعلها أكثر شمولا، وكنوع من أنواع نقد الذات أريد هنا أن أؤكد على أن هناك العديد من الكتابات المؤسسة للحياة الثقافية فى مصر بحاجة إلى مراجعة عامة، ومن أشهر هذه الكتابات كتاب "مستقبل الثقافة فى مصر" لعميد الأدب العربى الدكتور طه حسين، لأن العميد ربما خشى من الدعوة إلى إحياء التقاليد المصرية القديمة بتنوعها أن نغرق فى عصر من عصور الرجعية، فألقى بمصر فى أحضان الحضارة الغربية مدعيا أن العقل المصرى أشبه بالعقل اليونانى وأن الغرب أقرب إلى إلينا من الشرق، وأنى بعد ما يقرب من 75 عاما على إصدار هذا الكتاب الذى أصبح فيما بعد "مانفيستو" الحياة الثقافية فى مصر أقول إنه بحاجة إلى مراجعة، لأن هذا التوجه جرنا إلى حالة اغتراب حقيقى عن الواقع، وأسهم فى غربة المثقف الروحية والعقلية، وهو الأمر الذى سهل مهمة المتطرفين للاستيلاء على عقل مصر وقلبها.
وأضاف: فى النهاية أريد أن أؤكد على أننا سنبقى فى انتظار الأسوأ إذا لم توقن الدولة أن الثقافة مشروع وطن، وأنه قد صار فرضا عليها أن تحاصر المواطن بثقافته الأصيلة وأن ترعى المشروعات التى تتكئ على مفردات الثقافة المصرية، وأن تساهم فى وضع البصمة الثقافية المصرية الأصيلة على مدننا وشوارعنا وملابسنا ومأكولاتنا، وأعتقد أن الفرصة الآن مواتية.
وائل السمرى فى "ثقافة مصر فى المواجهة": إذا لم تتبن الدولة مشروعا ثقافيا ستنهار.. والوزارة عشوائية بامتياز..وأقترح عمل وحدة دراسات استراتيجية لرصد حالة الثقافة شهريا..وطه حسين تجنى على الشخصية المصرية
الأربعاء، 02 أكتوبر 2013 12:49 م
وائل السمرى
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
صالح الأزهري
وزارة الثقافة المصرية في رعاية شيخ أزهري لأول مرة في التاريخ
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد الشاهد
جابر عصفور أولهم
حاكموا من أجرم في حق الثقافة المصرية ومازال