عاطف البرديسى يكتب.. الإسرائيليون وسياسة تغيير الواقع

الجمعة، 18 أكتوبر 2013 10:05 ص
عاطف البرديسى يكتب.. الإسرائيليون وسياسة تغيير الواقع صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الإسرائيليون لا يعترفون بالحقوق، ولا ينزلون عند الحق، ولا يسلمون بسياسة الأمر الواقع، ولا يخضعون للابتزاز، ولا يستسلمون للصعاب، ولا يقفون عند العقبات، ولا يقرون بعدم ملائمة الظروف، وأن ما هو متاح هو أفضل المعروض، وخير الفرص، أو أن الزمان لن يجود عليهم بمثلها، ولن يقبل العرب بأقل منها، ولن يقدموا تنازلاً أكثر، وأنهم لن يتخلوا عن مزيدٍ من الثوابت، ولن يتراجعوا عن قديم المواقف، لذا فلا مكان عندهم للمثل العربى "عصفورٌ فى اليد، خيرٌ من عشرةٍ على الشجرة"، ما يجعلهم لا ينتهزون فرصةً لا تحقق أهدافهم، ولا يرحبونٍ بحلٍ يقضى على أحلامهم، ويهدد مستقبل وجودهم وكيانهم، ولا يتمسكون باقتراحٍ قد يبدو لهم اليوم، أنه الأفضل والأحسن، فتراهم لا يستعجلون الحل، ولا ييسرون التفاوض، ولا يخشون من الفشل، ولا يأبهون للانتقادات والاعتراضات.

ليس فى هذا مدحٌ للإسرائيليين أو إشادةٌ بسياستهم، أو اعترافٌ بعبقريتهم، وإقرارٌ بتميزهم وتفوقهم، أو قبولٌ بمنهجهم، وموافقة على طريقة تفكيرهم، بل هو بيانٌ للعقلية الإسرائيلية، وتوضيحٌ بسيط لمنهجهم فى التفكير، وطريقتهم فى التفاوض، وعقليتهم فى التعامل مع حقائق اليوم، وثوابت الماضى والتاريخ، وهى محاولة للاستدلال بالأحداث، والاستئناس بما ورد فى قصصهم وحكاياتهم، مع رسلهم وأنبيائهم، ومع ملوكهم وحكامهم، ومع خصومهم وحلفائهم، فى الماضى البعيد، وفى الحاضر المعاصر، على المؤمنين بالتفاوض معهم يعلمون، ويتعرفون على طريقتهم، ويدركون نهاية الطريق الذى يسلكونه معهم، بأنه طريقٌ لا أمل فيه، ولا نجاة معه، ولا مستقبل له، إنما هو مضيعة للجهد، واستخفافٌ بالعقل، وتمريرٌ للوقت، وتثبيتٌ لوقائع مزورة، وبيناتٍ مختلقة، فى انتظارِ ظرفٍ مناسب لإعلان الانقلاب، والتنكر لكل الاتفاقيات والمعاهدات والتفاهمات.

يعتقد الإسرائيليون، أن هذه السياسة قد تنطلى على الفلسطينيين والعرب، إذا نجحوا فى تمريرها على المفاوضين والمسئولين والحكام، وأن العرب والمسلمين قد ينسون مع مرور الوقت، وتقادم الأزمنة والأيام، ما كان سائداً والحال الذى كان، وأنهم قد يقبلون بالوقائع الجديدة فى حال ثباتها، وأنهم لن يطالبوا بتغييرها ليقينهم، أنه لم تعد لديهم القدرة على ذلك، وأن الإسرائيليين لن يقدموا تنازلاً، ولن يقبلوا بالتغيير، أو العودة إلى الماضى والقديم، إذ يستحيل بالنسبة إليهم تفكيك المستوطنات وهدمها، وطرد واجتثات مئات الآلاف منها، وتخريب بيوتهم، وتدمير مؤسساتهم ومعاملهم ومصانعهم، وإخراجهم من الأرض التى عاشوا فيها سنوات، وولد لهم فيها أولاد، ونشأ لهم فيها جيلٌ أو أكثر، وأصبح لهم فيها أحلامٌ وذكريات، وماضٍ وخصوصيات.

يعتمد الإسرائيليون مبدأ الفصل التام بين المفاوضات وبين البرامج العملية للحكومة والمؤسسات، ففى ظل المفاوضات تعمل الجرافات ولا تتوقف، وتواصل الآلياتُ الثقيلةُ أعمالها ولا تهدأ، وتستمر أعمال الحفر والتنقيب، والبناء والتشييد، وتتواصل عمليات اقتحام المسجد الأقصى، والصلاة فى ساحاته، والسيطرة على مساحاتٍ من باحاته، وعيونهم تتطلع إلى محاكاة ما قاموا به فى الحرم الخليلى، فقد دخلوه عنوةً، وزاحموا المسلمين أماكنه وزواياه، ثم قاسموهم فيه، وأخذوا منه أكثر مما أبقوا لهم، ثم جردوهم مما بقى عندهم، وحرموهم من مسجدهم، وانتهوا إلى تحديد أوقات الصلاة، وتدخلوا فى رفع الآذان أو حجبه، وثبتوا حقهم فى أن يجعلوا الحرم لهم وحدهم أياماً كاملة، لا يقاسمهم الفلسطينيون فيه، ولا يعكرون عليهم صفو الاحتفالات فى باحاته، فلا يدخلونه ولا يصلون فيه، بل لا يفتح جيرانه نوافذهم المطلة على الحرم، لئلا تزعج الزوار والمصلين اليهود.

الإسرائيليون يتطلعون مع الزمن لإخلاء المناطق المحتلة من سكانها الفلسطينيين وملاكها العرب، لتكون مع الوقت خاليةً من الفلسطينيين، نقيةً لا شوائب فيها، وهم يعملون لتحقيق هذا الهدف ليل نهار، فى السر والعلن، فى الوقت الذى يستمرون فيه بالتفاوض مع الفلسطينيين، والخوض فى كل التفاصيل، والانشغال فى دقائق الأمور، ليصلوا فى نهاية المطاف إلى إقرار العرب والفلسطينيين بيهودية الدولة العبرية، التى لا ينبغى أن يكون فيها عربٌ، مسلمون أو مسيحيون، وربما لا يريدون للدروز أن يكون لهم مكان بينهم، فلا يشاركونهم كيانهم اليهودى الذى يحلمون به.

يتقدم الخبراء والاستراتيجيون الإسرائيليون بالنصح والرأى، لرئيس الحكومة الإسرائيلية، والوفود المفاوضة، بضرورة إطالة أمد المفاوضات، وعدم البت فى أى من القضايا المطروحة، معتقدين أن الوقت لم يحن بعد للوصول إلى حلٍ نهائى، وإن لم يعد بيد الفلسطينيين أوراق رابحة، ولا أدوات ضغطٍ وتأثير، فضلاً عن أنهم أصبحوا وحدهم، لا يساندهم أو يشاركهم التفاوضَ أحدٌ من العرب، فلا سبيل أمامهم سوى الاستمرار فى المفاوضات، دون أى شروطٍ مسبقة أو اعتراضاتٍ معرقلة، وإن أبدوا خلاف ذلك، فلم يعد أمام السلطة الفلسطينية خياراً آخر سلكه، وأن المستقبل القادم سيحمل معه تنازلاتٍ فلسطينية جدية، وقبولاً بالعروض الإسرائيلية المقترحة، ولعل الأساس الذى أرساه رئيس الحكومة الإسرائلية الأسبق إسحاق شامير، الذى ذهب إلى مؤتمر مدريد للسلام عام 1991، بأن المفاوضات مع الفلسطينين ستستمر عقوداً، وأنهم لن ينالوا منها بعد ذلك إلا ما نريد.

تخطئُ القيادة الفلسطينية كثيراً عندما تجرد الشعب الفلسطينى، من سلاحه المقاوم، وتحرمه من حقه فى استخدام القوة فى مواجهة المحتلين الإسرائيليين، فهى بذلك تؤسس لواقعٍ يريده الإسرائيليون، ويتمنون اعتماده واستمراره، إذ لا تخيفهم كل أشكال المقاومة الأخرى عدا مقاومة السلاح، وهم يأملون تثبيت هذا الواقع ويعملون من أجل استبعاد أى خياراتٍ أخرى.

ويخطئ الإسرائيليون والخبراء والاستراتيجيون والمستشارون الصهاينة، عندما يعتقدون أنهم يستطيعون خلق وقائع جديدة تنسى الفلسطينيين حقهم، وأنهم بإجراءاتهم سيتمكنون من تغيير الواقع، وتزييف الحقائق، وغسيل دماغ العرب والمسلمين، ودفعهم باتجاه التخلى عن حقوقهم، والقبول بسياسات وإفرازات الأمر الواقع، وما علموا بأن ثوابتنا عقيدة، ومقدساتنا جزءٌ من إسلامنا، وحقوقنا أصلٌ فى ديننا، ونصٌ فى كتاب ربنا، فلا زمنٌ ينسينا، ولا قهرٌ يركعنا، ولا تآمرٌ يقضى علينا، ولا شياطين فى الأرض مردة تستطيع أن تشوه عقيدتنا، وتحرف ثوابتنا.





مشاركة




التعليقات 2

عدد الردود 0

بواسطة:

حسام

مقال جيد

عدد الردود 0

بواسطة:

مسلم

قل كل يعمل على شاكلته

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة