كثرت فى الفترة الأخيرة المبادرات التى تدعو للصلح بين الدولة وجماعة الإخوان حقنا للدماء وتهدئة للأمور كما جاء فى أغلب المبررات التى تساق فى هذا الصدد وبالطبع لا يوجد عاقل يرفض أى مبادرة للحوار ولا للصلح، خصوصا أن المبررات التى تساق فى ذلك مبررات وجيهة تحمل عناوين كبرى براقة تعمى الكثيرين عن رؤية الحقائق على الأرض التى تؤدى إلى غير ذلك.
منذ وصول الإخوان إلى السلطة بدأت الجماعة فى مخطط يستهدف إحداث تغيير جذرى وشامل لإبقائها فى السلطة إلى أبد الآبدين، ولعل تصريح الرئيس المعزول مرسى بأننا جئنا لنحكم 500 سنة خير دليل على ذلك ولتمهيد الأرض لتنفيذ هذا التصريح الدال على النوايا وضعت الجماعة خطة محكمة، ارتكنت على عدة محاور داخلية وخارجية، ففى الداخل سعت منذ اللحظة الأولى لتنفيذ مخطط التمكين وزرع عناصرها فى كل مؤسسات الدولة السيادية والحيوية فى محاولة لاختراقها والسيطرة عليها وإفقاد ثقة الناس فيها باعتبارها مؤسسات فاسدة تنتمى لدولة مبارك التى قامت ضدها الثورة، من هنا كان هجوم قيادات الجماعة وحلفائها وخلاياها النائمة على المخابرات والقضاء والصحافة وغيرها من مؤسسات الدولة، وعندما اشتدت غضبة المصريين وتأسست حركة تمرد وأعلنت 30 يونيو موعدا لثورة خلع الإخوان، سعت الجماعة حتى قبل خروج المظاهرات فى 30 يونيو إلى إعطاء إيحاء أنها ليست وحدها على الساحة وأنها فى القلب من ائتلاف إسلامى كبير هى الطرف الأكثر اعتدالا فيه، فأعلنت فى 27 يونيو إنشاء ائتلاف من التنظيمات الإسلامية سمته التحالف الوطنى لدعم الشرعية لم يكن هذا الائتلاف المزعوم للإيحاء فقط بأن الإخوان ليسوا وحدهم ولكن لاستخدامه وقت الحاجة فى رفض ما يريدون أو القبول به وتصدير فكرة أن الائتلاف هو الذى يقرر وليس الجماعة رغم أن أى متابع على الساحة يمكن أن يلحظ بكل سهولة أن هذا الائتلاف المزعوم لا حول له ولا قوة بدون الإخوان وأن المنتمين إليه ظواهر صوتية لا وجود حقيقيا لتنظيماتهم على الأرض سواء كانت الجماعة الإسلامية أو حزب العمل أو الوسط أو الأصالة أو غيرها من الأحزاب الورقية التى لا ذكر لها، وهو ما يؤكد أيضا أن الجماعة لا تريد صلحا وأن ما تريده هو الكلام عن الصلح فقط أملا فى مدد من الخارج أو تغير مفاجئ فى الداخل يمكن أن يدفعها إلى موقع أفضل.
كما سعت الجماعة منذ بدايات حكمها إلى عمل فزاعة للشعب المصرى لكى تصور له ولكل مؤسسات الدولة أن البديل لها سيكون العنف والإرهاب وأفرج المخلوع مرسى عن كبار قيادات الجماعات الإرهابية وسمح بعودة آخرين وفتح لهم أبواب سيناء على مصراعيها وقدم لهم كل الدعم الممكن.
وبعد 30 يونيو بدأت هذه الفزاعة فى التحرك بأقصى طاقاتها لتأدية مهمتها التى أنشئت من أجلها فى نشر الفزع فى صفوف المصريين عبر هجمات إرهابية انطلقت فى سيناء وتمددت حتى وصلت إلى القاهرة ولعلنا نذكر الذين يبرئون الإخوان ممن يحدث فى سيناء بمقولة الدكتور محمد البلتاجى أن ما يحدث فى سيناء سوف يتوقف فورا بمجرد أن ينتهى الانقلاب ويعود الرئيس مرسى إلى الحكم مرة أخرى، ويكفى ما قاله البلتاجى دليلا على أن الإخوان هم الرعاة لما يحدث فى سيناء وغيرها من أعمال إرهاب وعنف.
وهو ما ينقلنا إلى التساؤل الذى يطرحه العديدون عن سر خروج أنصار الجماعة فى مظاهرات تراق فيها الدماء وتزيد من كراهية الناس لهم؟ وفى رأيى أن المظاهرات التى تصر الجماعة عليها والدماء التى تقدمها لا علاقة لها بالسلطة ولا بالشرعية ولا عودة مرسى، وهى أشياء يعلم قادة الإخوان قبل غيرهم أنها أصبحت من رابع المستحيلات وعلاقتها الوحيدة بالجماعة أن الدماء تحافظ على وحدة ما تبقى من التنظيم وتمنع انشقاقات كبرى تهدد وحدتها، كما تعطى مبررا وجيها لرفض الصلح أما السبب الآخر فهو موجه للخارج الذى يمول ويرعى الجماعة وتظاهراتها ويؤوى قادتها الهاربين ويرعى تنظيمها الدولى الذى يخطط بالتعاون معها على إثارة القلاقل فى مصر ومحاوله شق الصف والوقيعة بين الشعب والجيش وهدم المؤسسة العسكرية إن أمكن، وهذا له علاقة بالترتيبات الإقليمية فى المنطقة التى كان الإخوان طرفا فيها قبل وصولهم حتى إلى السلطة وكانت سببا رئيسيا فى التفاهمات الدولية التى أوصلتهم إليها وجاءت ثورة 30 يونيو لتقضى على كل المخططات التى ترعاها الولايات المتحدة وتتحرك فيها تركيا وقطر كعملاء إقليميين تلعب فيه دور رأس الحربة الآن فى محاولة لتقليل خسائرها فى مواجهة ما يحدث لأن عودة مصر إلى دورها يعنى نهاية النموذج التركى الذى روجت له أمريكا وبشرت به كنموذج إسلامى فى الديمقراطية، كما يعنى أيضا نهاية الدور القطرى المتمدد خارج حدود الجغرافيا وقواعد التاريخ.
وهو ما يعنى أيضا فى طياته أنه لكى يتصالح الإخوان مع الدولة لابد من موافقة الرعاة الدوليين والإقليميين، وهو أكبر من قدرات التنظيم فى مصر ويتعداه إلى التنظيم الدولى الذى أصبح يقود الأمور.
إذن مسألة الصلح ليست بالسهولة التى يتخيلها البعض، فاللعبة أكبر من إمكانيات التنظيم فى مصر الذى أصبح مجرد عروسة ماريونيت يحركها التنظيم الدولى والقوى الإقليمية والدولية التى من مصلحتها استمرار الأزمة فى مصر إلى أبعد مدى ممكن حتى تستطيع الضغط على النظام الجديد وإعادة ترتيب الأمور فى المنطقة من جديد بما يتوافق مع مصلحة أمريكا وحلفائها الرئيسيين فى المنطقة وهم بالترتيب إسرائيل وتركيا وقطر.
فى النهاية لست ضد الإخوان كأفراد فهم أهل وأصدقاء وجيران ومصريون فى النهاية لكنى ضد التنظيمات العابرة للحدود التى تتخطى المصلحة الوطنية إلى مصالح أخرى.
طارق سعيد يكتب: قرار الصلح أكبر من طاقة الجماعة فى مصر.. ويحتاج لموافقة التنظيم الدولى والرعاة الدوليين والإقليميين .. التنظيم أصبح مجرد عروس «ماريونيت» تحركها أصابع تركيا وقطر
الخميس، 17 أكتوبر 2013 02:48 ص
صورة أرشيفية
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
mohamed
لكنى ضد التنظيمات العابرة للحدود التى تتخطى المصلحة الوطنية إلى مصالح أخرى
عدد الردود 0
بواسطة:
مواطن مصرى
تحياتى للكاتب واتمنى الناس تفهم اية الى بيعملة الاخوان
عدد الردود 0
بواسطة:
عمر هشام
موقف قطر تجاه مصر من البداية وحتى الأن
عدد الردود 0
بواسطة:
أحمد سليم
قطر لا علاقة لها بالإخوان لا من قريب ولا من بعيد
عدد الردود 0
بواسطة:
على مجدى
يتفننون في الصاق اسم قطر بجانب الإخوان