نرصد نشاط أطفال "نبش القمامة" فى عيد الأضحى: مخلفات العيد فى الحدائق والشوارع عديتهم المنتظرة.. وحياتهم تبدأ من صناديق الزبالة.. و"البيئة" تسعى لتقنين أوضاعهم ودمجهم فى منظومة الفصل من المنبع

الثلاثاء، 15 أكتوبر 2013 02:42 م
نرصد نشاط أطفال "نبش القمامة" فى عيد الأضحى: مخلفات العيد فى الحدائق والشوارع عديتهم المنتظرة.. وحياتهم تبدأ من صناديق الزبالة.. و"البيئة" تسعى لتقنين أوضاعهم ودمجهم فى منظومة الفصل من المنبع "نبش القمامة"
كتبت منال العيسوى تصوير: عمرو مصطفى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشهد لا يمكنك أن تغفله وأنت تتجول فى شوارع القاهرة والجيزة وكل بقعة فى مصر، عربات خشبية يعلوها جوال بلاستيكى تخرج منه علب الكانز وزجاجات المياه البلاستيكية، يتكئ عليه طفل ربما لم يتجاوز الخامسة عشر من عمره أو حتى 7 سنوات وما بينهما، وبجواره طفلة صغيرة يكسو شعرها التراب مهلهلة الملابس، والكبير منهم يمسك دفة قيادة العربية الخشبية وعند أقرب نقطة تجمع للقمامة يهرول ويقفز من فوق العربية متجها إلى هذا التل الكبير.

فى البداية.. لا يمكنك تميز ما يفعل وقد تتساءل ماذا يفعل، وعما يبحث، ربما حين تراه ممسكا بكيس بلاستيكى أسود ويفرغ كل ما بداخلة ستعرف أنه ممسك بكيس يحتوى على بعض المواد العضوية الرخوة من فضلات الطعام بالمنازل، فيلقى بها يمينا وأخرى يسارا حتى تراه قابعا وسط دائرة كبيرة من أكياس وبواقى المخلفات.

ربما يتم حل لغز السؤال حين تراه ممسكا بإحدى زجاجات البلاستيك أو علبة مياه معدنية أو زجاجة مياه فارغة أو هارد كمبيوتر أو ربما بعض الأسلاك الكهربائية، وقتها سيدفعك فضولك لمعرفة بعد أن يجمع هذه الأشياء ماذا سيفعل بها.

"اليوم السابع" اقترب من شندويلى عمر أو "شلاطة"، كما تناديه أخته الصغيرة "ورد".. شندويلى لم يتجاوز عامه الثانى عشر.. سمُرة وجهه ليست لون بشرته الطبيعى، وإنما هى بفعل الشمس والتراب و"قلة الاستحمام".. سألناه عما سيفعل بهذه الأشياء؟؛ ولماذا لا يعيد مثل باقى الأطفال فى سنه؟، رد قائلاً بمنتهى الثقة: "ما هو أنا كدا بعيّد كل ما يكون اللى بجمعه من الكانز والبلاستك كتير كل ما هقبض أكثر"، مفسرا أنه يذهب بمحتويات هذا الكيس ويعطيها لأمه كى تبيعها لأحد مالكى وحدة فرز للمخلفات، حيث يضع الزجاج مع بعض، وكذلك البلاستك، وكذلك الكنز، ثم يقوم بوزنها وكل حاجة ولها ثمن، حيث يكون كيلو البلاستيك بـ20 قرشا وكيلو الزجاج بـ40 قرشا، أما الكانز والمعدن فهو بـ2 جنيه، ثم يأخذها المعلم ويعطى له المقابل والذى يبدأ 30 وأحيانا 50 جنيها، ويصل فى بعض الأحوال 100 جنيه.

العيد عند "شندويلى" هو ترقب خارج المنازل أثناء قيام النساء بتنظيف منازلهم وإلقاء الذى يستغنون عنه فى القمامة، وهو نفس الشىء الذى يشكل له مصدر رزقه.. "شندويلى" غير متعلم لكنه يعرف يفك الخط ويقرأ كلام بسيط، وليس من أطفال الشوارع ولكنه يحيا فى الشارع ويعود فى نهاية اليوم لبيته وأمه وأبيه الذين يعملون فى نفس المهنة، يخرج فجراً من حى الزبالين متجهاً إلى القاهرة وأحيائها الفاخرة وشوارعها وحواريها.

"شندويلى" كشف سر خاص جدا عن مهنته التى لا يعرف غيرها، وأنه يحلم فى يوم من الأيام أن يكبر ويستطيع أن يشترى ماكينة تقطيع الزجاجات البلاستيك إلى فتافتيت ثم يبيعها لأحد المصانع الكبيرة حتى يعيدوا تدويرها وإدخالها فى صناعات أخرى مثل أخيه الأكبر، ووقتها سيكون هناك أطفال غيره يساعدوه فى الجمع.

هذا الطفل الذى التقيناه واحد فقط وهناك آلاف مثله كثيرون، بينهم فتيات وأطفال ونساء والكل يجمع بقدر استطاعته وبقدر الإمكان والمكان الذى يوضع فيه الصندوق وكيف يطوله، حصوله على أكبر قدر من المخلفات متوقف على الحى الذى ينبش فى زبالته، وإحساسه بالحياة يبدأ من هذا الصندوق الكبير، فبداخله أسرار البيوت والشقق وأكياسه تحمل بداخلها رزقا مخفيا لكل طفل ينبش أكبر عدد ممكن من هذه الأكياس وبالتأكيد بعدها سيترك خلفه هذه القمامة المتناثرة حول الصندوق، والتى قد تساعده فى استكمال المشهد المزرى لها بعض الكلاب الضالة التى تبحث عن ظالتها من طعام فى داخل نفس الأكياس، وكلاهما يغادر تاركا المكان والصندوق يخبر كل من يمر أنههم كانوا بداخله.

العيد وخاصة عيد الأضحى، هو موسم عمل مهم بالنسبة لكل "النبيشة" بلا استثناء، حيث تقول أمينة عبد الهادى أم حنين وخلود: "بيبقى رزق لينا فبجانب القمامة هنا بعض الشقق تعطى لنا بعض الملابس أو لعب الأطفال التى يستغنون عنها، وأبناء الخير أيضا قد يعطونا من خير ربنا عندهم إن كان لحمة أو رز أو زيت أو أى أكل".

هؤلاء هم "النبيشة".. هذا الصداع المزمن فى رأس كل وزير بيئة وكل رئيس حى وكل محافظة، فالسر المخفى يتناثر فى الشارع بعد زيارتهم للصناديق، وكانت وزيرة البيئة طالبت بتقنين أوضاعهم ومحاولة دمجهم فى منظومة الفصل من المنبع والاستفادة من خبراتهم فى معرفة كيفية الفرز وتدوير المخلفات، لكنهم يعرفون أن ظل الحكومة لن يشملهم وسيظلون مهمشين لأن ما منحته لهم الحياة من إدراك حقيقى لقيمة القمامة لا يمكن أن يقاسمهم فيه أحد حتى لو كانت الحكومة.






























































مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة