من أصغر ذرة فى الكون إلى أكبر مجرة فيه.. الجميع يدور فى مسارات دائرية عكس عقارب الساعة.. يطوف فيها الصغير حول الكبير، تدور الأقمار حول الكواكب، وتدور الكواكب حول الشمس، وتدور الشمس حول المجرة، وتدور المجرة حول مجرة أكبر منها، ويطوف الكون كله حول خالقه الأعظم.. وكل ذرة فى أجسادنا يدور فيها الإلكترون حول النواة فى سبع مستويات للطاقة.. رغما عنك تسبح باسم خالقها.. باسم البديع الذى صورها..
تدور كما يدور الكون كله عكس عقارب الساعة فى نمطية مدهشة ونظام محكم بديع يحكم ذلك الكون منذ قديم الأزل وحتى الآن، يعلنها لكل من له عقل وقلب: أن خالق هذا الكون هو بديع السموات والأرض الواحد الأحد الصامد الصمد.. الثابت وكل شىء يتحرك حوله ليعلن إذعانه وخضوعه له... وخلال رحلتك الشاقة فى تلك الحياة.. تحتاج إلى محطة يرتاح فيها قلبك...ويسكن فيها فؤادك..وتشعر بانسجامك داخل هذا الكون الفسيح، وبانتظام حركتك فيه، بانسجام أعضائك التى تسبح بحمد خالقها رغما عن إرادتك، مع أعضائك التى تفعل ذلك بإرادتك أنت فى ذلك اليوم العظيم..أفضل أيام الله.. يوم الحج الأعظم.. يوم عرفة، لتعلن خضوعها وخشوعها لخالقها، فتدور مع كل شىء يدور فى هذا الكون، تسبح باسم بارئها، تطوف سبعا حول أول بيت وضع للناس وإتخذه الإنسان لعبادة ربه الواحد الأحد..، لا يستر أجسادها سوى لفة من قماش.. لا مخيط فيها ولا زينة.. تذكرهم بميلادهم حينما وضعوا فى تلك اللفة بعد أن اكتمل خلقهم فى بطن أمهم فى سبعة أشهر.
وتذكرهم كذلك بالممات حينما تنتهى رحلتهم فى هذه الحياة.. ويوضعوا أيضا فى لفة من قماش، ويؤذن مؤذن فيتذكرون النفخ فى الصور، ومشهد يوم القيامة المجيد، حيث يعلم الجميع حقيقة واحدة ثابتة لا ريب فيها ولا جدال: أن لا ملك اليوم إلا لله، يقف الجميع فى ازدحام شديد.. فى مكان شريف..على جبل عرفة.. فى البقعة المطهرة.. حيث مكة المكرمة... فيتساوى الغنى مع الفقير، والكبير مع الصغير، والأمير مع الغفير، الكل سواسية أمام خالقهم الرحمن الرحيم.. الذى يباهى بهم ملائكته كما حكى لنا المعصوم فى حديثه الشريف...عن جابر (رضى الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة، ينزل الله تعالى إلى السماء الدنيا، فيباهى بأهل الأرض أهل السماء فيقول: انظروا إلى عبادى جاؤونى شعثا غبرا من كل فج عميق يرجون رحمتى ولم يروا عقابى، فلم ير يوما أكثر عتقا من النار من يوم عرفة) وفى رواية أخرى: (أشهدكم يا ملائكتى أنى قد غفرت لهم)..
فهنيئا لمن فاز ذلك اليوم المشهود بحج بيت الله العتيق... من جاءه ضارع منكسر، باك على ذنوبه، حزين على عيوبه.. يرجو رحمة ربه.. ويطمع فى رضوانه، وأما من لم ينل تلك المفازة بعد.. أبشرهم بحديث رسول الله صلوات ربى وسلامه عليه (صيام يوم عرفة.. احتسب على الله أن يكفر السنة التى قبله والسنة التى بعده) أخرجه الترمذى.
وأبشرهم بأخرى: الدعاء المستجاب.. كما فى موطأ مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أفضل الدعاء يوم عرفة، وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلى لا إله إلا الله وحده لا شريك له ).
كل عام وأمتنا الإسلامية بالخير واليمن والبركات.. تنعم ربوعها بالأمن والأمان.. تحقن دماء ابنائها... وترفع عنهم الظلم والغبن... وينعمون فيها برغد العيش.. تحت ظلال حكم شريعتهم الغراء.. وفى نور منهاج إسلامهم القويم.. وعلى خطى نبيهم الكريم...محمد النبى الأمى الأمين..عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
جبل عرفات
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة