لن أدخل فى تعريفات معقدة للاغتراب كالتى ساقها ماركس أو هيجيل أو سيجموند فرويد، الاغتراب ببساطة هو أن تشعر أنك غريبًا بين أفراد أسرتك أو فى وطنك ألا يكون لديك انتماء لأسرتك أو لبلدك كرد فعل طبيعى لشعورك بالاغتراب.
هذا هو مفهوم الاغتراب من وجهة نظرى، ولكن مفهوم الاغتراب عند المصريين ما هو؟ كان قبل ثوره 25 يناير الاغتراب عند المصريين فى أعلى حالاته، فأنت لا تستطيع الحصول على حقوقك الأساسية من مأكل ومشرب ووظيفة بدون الحصول على واسطة أو بدون دفع رشوة، فنسمع عن أعضاء مجلس الشعب الذين يتاجرون فى قرارات العلاج على نفقه الدولة بل نسمع عن ممثلين ولاعبين كرة ورجال أعمال ووزراء يسافرون على نفقة الدولة للعلاج، فى حين أن هناك مصريين آخرين يعاملون معاملة مواطنين درجة ثانية ليس لهم الحق إلا فيما يرمى لهم من فتات بل يتمادى الإنسان فى التجريد من إنسانيته، ويصف هذا الفتات بأنه ليس من حقهم وأن الدولة تتكلف الكثير لتوفره لهم وهى غير ملزمة به ونجد برامج التسول تنتشر لتجمع للمرضى الذين لا يستطيعون الوصول إلى مفاتيح العلاج على نفقة الدولة ليشهر بهم فى البرامج وليتصنع الإنسان الرأفة والعطف أمام الملايين وهو يقدم الفتات لهم ليصل بنا تجريد الإنسان من إنسانيته إلى أبشع صورها، لنجد أن قامة كبيرة مثل الراحل الدكتور عبد الوهاب المسيرى رفضت الدولة علاجه على نفقتها مع أنه حقه ويلجأ إلى أحد الأمراء لعلاجه وذلك لخلافه مع توجهات الدولة السياسية بل يصل الإنسان المصرى إلى أعلى حالات الاغتراب عندما يجد نفسه يبحث عن السفارة المصرية فى مصر لقد أحس أنه يعيش فى بلد غريب كالأجير أو مغترب ويبحث عن ممثل لدولته لتحصل له على حقوقه ونجد الإنسان المصرى يتخلى حتى عن الرحمة بنفسه فلا يرحمها فهو مريض متهالك ولكنه فقير لا يجد أمامه شىء يبيعه إلا جسده فنجد أنفسنا وقد اتخذنا العرب كقطع غيار بشرية يشترون منا الكلى بأموال فانية واقف أمام التجرد من الإنسانية فى أن يصل الحال بنا لبيع أطفالنا هولاء الذين قيل عنهم فلذات أكبادنا تمشى على الأرض فنجد حالات بيع الأطفال الرضع، وقد انتشرت وأصبح لها سماسرة ماهرين، هل تعلم أن الاغتراب قد يدفع بك ليس لأن تؤذى نفسك؟ بل ويمكن يشحنك بالحقد والغضب على المجتمع وتعتبر المجتمع كله عدو لك فيتوقف عقلك عن التفكير وتتصرف كحيوان فى غابة ليس له هم إلا إشباع غرائزه من مأكل ومشرب وجنس غير آبه بحضارة أو دين، فأنت لا تسأل نفسك عن كيف تستطيع إشباع غرائزك كرجل يتحكم فيه العقل والدين؟ ولكن ما يهمك هو متى تشبع غرائزك؟ وحتى وإن كلفك هذا التصرف خارج حدود العقل والدين.
إن ثورة 25 يناير وموجتها الثانية 30 يونيه لم تأتِ لإسقاط نظام فقط بل أتت لتصحيح مسار الإنسان المصرى وعودته إلى رشده وحضارته هذا الإنسان الذى يقف العالم أمامه مبهورًا بحضارته ذات 7000 الآلف عام وإشفاقًا على حاضره وما وصل به من حالة من حالات الاغتراب التى تؤذيه وتؤذى من حوله من بنى مجتمعه، إذا استطاعت هذا الثورة أن تقضى على حالة الاغتراب لدى المصريين فأنا واثق من أننا أمام جيل جديد سوف يبنى أهرامات من الحضارة قواعدها الإنسانية وأعمدتها التكنولوجيا المعاصرة هذه الثورة حدثت حتى يعود الإنسان إلى إنسانيته الفطرية.
علم مصر
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة