صديقى الدكتور صابر مصرى ابن بلد ياما صبر على حال البلد، قرر فى أوائل ثمانينيات القرن الماضى السفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية، بعد أن تم تعيين أحد أبناء هيئة التدريس بالكوسة معيدا بالكلية بدلا منه، سافر الرجل وكله عزيمة فى إثبات ذاته فى بلد الأحلام، وعند وصوله اضطر للعمل فى سوبرماركت بجانب دراسته، وبعد سنوات أصبح يحمل شهادة الدكتوراه فى تخصص نادر جدا، تزوج صابر بإحدى زميلاته الأمريكيات، وأنجب منها طفلتين.
منحت الحكومة الأمريكية الجنسية لصابر، بعد أن انطبقت عليه شروط الجنسية، وأصبح يحمل كلا من الجنسية المصرية والأمريكية، وفى إحدى زياراته لمصر فى آخر الثمانينيات سمع عن منتجع شرم الشيخ الساحر فأخذ عائلته لقضاء الإجازة وبمجرد وصولهم وقع الزوجان فى حب المدينة وجمال طبيعتها وجوها وبحرها، وقررا أن يتركا الولايات المتحدة بعد بيع كل أملاكهما هناك والعيش فى سيناء.
اشترى صابر بيتا صغيرا بجانب البحر، وبدأ الاستثمار فى مشروعه الجديد ومرت السنوات حتى أصبح عدد العاملين فى مشروعه أكثر من 400 شاب من المصريين.
قامت الثورة فى يناير 2011، وبتلقائية شديدة وجد صابر نفسه يقود سيارته إلى القاهرة، متجها إلى ميدان التحرير ليشارك إخوانه الثوار فى ثورتهم التى كانت حلمه منذ أن ترك وطنه بسبب المحسوبية والفساد والقهر، وها هى الثورة تأخذ "بتاره" و"تار" كل مصرى تم قهره أيام النظام البائد، وتزيح الغمة عن المصريين ويبدأ الجميع بتنفس الحرية.
عاد صابر إلى شرم الشيخ عودة المنتصر، ونقل إلى زوجته وأولاده كم كانت الثورة شامخة، وبدأ يسرد أحداثها وتوقع أن تصبح مصر بلدا ديمقراطيا حتى إنه بالغ فى توقعاته عندما تصور أن الديمقراطية وحقوق الإنسان ستصبح أفضل فى مصر منها فى الولايات المتحدة.
مرت الفترة الانتقالية بأيامها المرة، وتحمل صابر الكثير حتى يحافظ على استثماراته فى هذه الظروف الصعبة ولم تفارقه أحلامه بمستقبل مشرق لمصر فهو آت لا محالة.
فى منتصف شهر أكتوبر عام 2012، حدث شىء غريب – أحد الأشخاص يدق باب بيته فى الصباح الباكر، ويسأله هل أنت مزدوج الجنسية؟
سأله صابر ومن أنت حتى تسألنى هذا السؤال؟
أجاب أنا أحمل معى صورة من القانون الصادر من المجلس العسكرى فى يناير 2012 وصورة أخرى من لائحته التنفيذية التى أصدرها رئيس الوزاراء فى سبتمبر 2012 وهما يفيدان بأن كل مصرى مزدوج الجنسية يملك أى عقار بسيناء لا بد من بيعه لمصرى لا يحمل أى جنسية أخرى، ومن أبوين مصريين خلال ستة أشهر من صدور اللائحة التنفيذية، وإلا سيئول العقار إلى الدولة، وأنا هنا الآن لشراء ممتلكاتك لأننى غير مزدوج الجنسية ومن أبوين مصريين.
لم يصدق صابر هذا الهراء إلا عندما قرأ المادة الثامنة من اللائحة التنفيذية التى تقول:
يلتزم المصرى الذى اكتسب جنسية أخرى واحتفظ بجنسيته المصرية بالتصرف فيما يملكه من أراض أو عقارات مبنية فى منطقة شبه جزيرة سيناء لمصريين حاملين للجنسية المصرية وحدها ومن أبوين مصريين، وذلك خلال ستة أشهر من تاريخ العمل بهذه اللائحة، فإذا انقضت مدة ستة أشهر دون إتمام التصرف تؤول ملكيتها للدولة مقابل ثمن المثل يسدد إلى المالك، ويتم تحديد هذا الثمن من قبل لجنة خبراء يصدر بتشكيلها وتحديد مهمتها قرار من وزير العدل، وفى جميع أحوال أيلولة الأراضى والعقارات إلى الدولة يتولى تحديد سعر المثل لجنة يصدر بتشكيلها وتحديد مهمتها قرار من وزير العدل.
كانت الصدمة شديدة على صابر الذى شعر بالظلم الشديد خاصة بعد إيمانه أن ثورة يناير سترجع حقوق المصريين المنهوبة ولا تسلبها منهم.
عزيزى القارئ صابر هو واحد من آلاف الحالات المشابهة من المصريين مزدوجى الجنسية الذين قرروا العودة إلى الوطن للعيش فى سيناء، وأسهموا فى بنائه وتشغيل الآلاف من أبنائه وقد التقيت بالعديد منهم وتبنيت قضيتهم.
وقد تحدثت فى العديد من الفضائيات لإلقاء الضوء على هذه القضية الخطيرة التى تميز بين المصريين فيما يعد حسب رأى الكثيرين من خبراء القانون عوارا دستوريا فكيف أعطى الدستور جميع المصريين بمن فيهم مزدوجى الجنسية حقوقهم السياسية والاقتصادية كاملة، ولم يفرق بينهم حتى إنه أعطى الحق للمصريين مزدوجى الجنسية فى انتخاب رئيس الجمهورية ونواب البرلمان والاستفتاء على الدستور، وأقر الدستور مبدأ المساواة بين المصريين ثم نفاجأ بقانون يفرق بين المصريين ويظلم فئة منهم لا تقل وطنية عن الآخرين.
سألت بعض المسئولين المعنيين بهذا القانون ما الغرض منه فكانت دائما الإجابة "لحماية الأمن القومى".
السؤال، هل انتزاع ملكية المصريين بهذا الشكل هى الحل لمشاكل الأمن القومى، وهل تهديد الأمن القومى لا يأت إلا من المصريين مزدوجى الجنسية، وهل المصرى صاحب الجنسية المصرية وحدها لا يمكن أن يشكل تهديدا للأمن القومى، هل الجواسيس بالضرورة هم من مزدوجى الجنسية أم أيضا قد يكونون مصريين دون أى جنسية أخرى؟
إن الأمن القومى هو مسئولية الأجهزة الأمنية فى سيناء فأنا متأكد أن لديها القدرة على فلترة كل من يستثمر فى سيناء سواء مصرى يحمل جنسية واحدة أو أكثر، وحتى إذا كان أجنبيا فعلى الجهات الأمنية الاستعلام عن الجميع للتأكد من عدم تسلل عناصر خطيرة على الأمن القومى داخل سيناء.
الحلول كثيرة، لكن تعتمد على الإرادة السياسية فهل الإرادة السياسية تريد الحل أم هناك شىء لا نعرفه؟
أرجو من صاحب القرار إعادة النظر فى هذه المادة التى لها تأثيرا اجتماعيا واقتصاديا سلبيا خطيرا على العديد من الأسر المصرية.
حفظ الله مصر وأمنها القومى من كل سوء
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
تامر
الامر بسيط
عدد الردود 0
بواسطة:
ahmed_kormod@hotmail.com
this is not true
عدد الردود 0
بواسطة:
زياد يحيى
مأساة
عدد الردود 0
بواسطة:
ابو ادم
سبحان اللة ...نفس القصة ...
عدد الردود 0
بواسطة:
مصطفي بكير
مش هيه دي الثوره الي تعمل كدا