عمرو جاد يكتب: الاقتصاد لا يدار بالحب ولا ينتعش بالتفاؤل ولا توجد نهضة بتحويلات العاملين فى الخارج.. ليس ذنب الإعلام أن الاقتصاد المصرى فى خطر لكنها خطيئة المسؤولين
السبت، 05 يناير 2013 11:49 ص
هشام قنديل
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الأسبوع الماضى كان لدينا 4 وزراء من الحكومة يتحركون بكثافة غير عادية، على وسائل الإعلام وجمعيات المستثمرين والمنتديات الاقتصادية فقط لكى تصل رسالة واحدة وهى «اطمئنوا نحن لن نفلس».. البعض يروج أن تلك التحركات آتت ثمارها بوقف التقدم المتسارع لقيمة الدولار الأمريكى، متجاهلين المناورة الناجحة التى قام بها البنك المركزى بالتخلى ظاهريا عن الجنيه لإشباع حالتى الهلع والجشع، من انهيار العملة المحلية، لكن الإنصاف يستدعى الاعتراف بأن تحركات وزراء المجموعة الاقتصادية «المالية والتخطيط والصناعة والاستثمار» نجحت بالفعل فى تأجيل و«ليس إبطال» موجة من الذعر بين المواطنين تدفعهم للتزاحم حول السلع الأساسية لتخزينها خوفا من القادم المجهول.
المتأمل لهذا الوضع سيكتشف أنه بدأ بالإعلام «متهما بالتضخيم»، وانتهى إليه كوسيلة طمأنة، يقينا هناك سياسيون مؤيدون ومعارضون استخدموا ما تنقله وسائل الإعلام عن الوضع الاقتصادى، لتدعيم وجهة نظرهم، ربما لأن كليهما تعامل مع دلالات الأرقام وفقا لهواه السياسى، لكن الحقائق وراء تلك الأرقام، والنتائج المنتظرة بعدها، تعرضت للتعتيم القسرى، سواء بدافع الطمأنة أو بغرض التخويف، وكلا الهدفين كان سطحيا، بمعنى أن التأثير العميق لهذه الأرقام لا يشعر به سوى المواطنين فى المنتصف بين التيارين، وهم القوى الاستهلاكية الحقيقية، بغض النظر عن تباين مستوياتهم المادية بين التيسر والفقر.
هؤلاء المواطنون بحكم موقعهم ليس من السهل أن يقعوا فريسة لما يوصف مجازا بأنه «تهويل إعلامى من الوضع الاقتصادى»، فمهما سمع فلن يحكم إلا بما يخرجه من جيبه لشراء مستلزماته أو إنهاء معاملاته، وهو فى الوضع الحالى محاصر بين ثلاثة أركان لا يستطيع القفز فوق أحدها، دون مساعدة جادة، فهو محاصر بين تجار العملة فى السوق السوداء «صائدى الدولار» حتى ولو كان لا يتعامل معهم فهو فى النهاية ضحية لارتفاع الساحر الأخضر، حيث يقوده لعنصر الحصار الثانى المتمثل فى الغلاء الملحوظ «غير القانونى» لسلع ضرورية، نتيجة طمع التجار وغياب الدولة، والعنصر الثالث فى هذا الحصار، هو الحس الوطنى بالخطر وسط تخبط سياسى يبدو فى السطح وكأنه تنازع على السلطة.
النتيجة إذن أن كل محاولات الطمأنة لن تجدى نفعا، ومعنويات الناس لن تبرح الأرض حتى يشعر الجميع بأن استقرارا حقيقيا بدأ يزحف على مفاصل الدولة اقتصاديا وسياسيا، لأنه حتى التصريحات التى تدعو للتفاؤل من المسؤولين فى الحكومة، تحمل تناقضا يدفع المواطن للقلق، فحينما يتحدث وزير التخطيط مثلا عن أن الحكومة لديها خطة وطنية لتقليل عجز الموازنة الذى بلغ 170 مليار جنيه، لا يلبث أن يقول فى اليوم التالى إنه يتوقع وصوله إلى 200 مليار جنيه هذا العام، عن أى خطة وطنية عاجلة تتحدث إذن؟.. وزير المالية أيضا يبدو متفائلا بشدة فى نفيه لهاجس إفلاس مصر -دعك من ملامح التشاؤم التى تبدو عليه حينها- لكنه يقول فى الجلسات المغلقة إن الوضع خطير بالفعل، ويلمح لمخاوف من حيرة الدولة فى كيفية توفير رواتب موظفيها بعد 3 أشهر، وهو ما يكشف أن الرجل يتعرض لضغوط سياسية تدفعه ليكون أكثر انشراحا مما هو حاصل.
ليس الإعلام هو من يضخم المشكلة إذن، وإن صحت هذه التهمة، كيف يستطيع الإعلام فى عصر لا يخفى فيه شىء، التغاضى عن التقدم وبوادر الاستقرار الحقيقى، وليس كما يريده السياسيون، الإعلام هو من نقل عن وزير التجارة والصناعة تصريحاته بتوفير 20 ألف فرصة عمل فى مبادرة تدعى «تمكين»، وحين ذهب شباب ليتقدموا بأوراقهم لمراكز التشغيل لم يجدوا سوى موظفين ينصحونهم بعدم الجرى وراء تصريحات الوزراء، فلم تصلهم بعد أى تعليمات بهذا الأمر، الإعلام أيضا هو الذى ينقل عن وزير الاستثمار مقولته المتكررة بأن الحكومة توصلت لتسويات مع مستثمرين ستضخ حوالى 47 مليار جنيه، مؤخرا أعلن الدكتور هشام قنديل أنها 20 مليارا فقط.
ونتيجة لما سبق فنحن الآن أمام مسألة اقتصادية بالغة التعقيد، أطرافها اقتصاد يتعرض لهزة ارتدادية تقترب من عامين، يعيش على مدخراته، ومسؤولون يخضعون لضغط سياسى ينسيهم حقائق الأرقام ومدلولاتها، وإعلام متهم -زورا فى بعض الأحيان- بتهويل الخطر، والجميع يعترف بوجود هذا الخطر، لكن الحلول لم ترق فى حقيقة الأمر إلى مستوى التدهور المتسارع باستثناء تدخلات البنك المركزى التى لن تفعل أكثر مما تفعله المسكنات، وبعض مبادرات إيجابية لوسائل إعلام شعرت بالخطر ربما قبل ما تشعر به سلطة تفرغت لتهارش سياسى يمثل لها معركة بقاء أكثر مما يمثله الاقتصاد، ثم يتفرغ الجميع فى النهاية لتحميل الإعلام مسؤولية ما جرى، ثم يهرولون مرة أخرى لعلاج مشاكلهم بمسكنات إعلامية ودعوات باسمة للتفاؤل، وتحفيز لروح الوطنية، وهو خطأ فادح، فالاقتصادات لا تدار بالحب، ولا تنتعش بالتفاؤل ولا تعيش على تحويلات أبنائها فى الخارج فقط، الوضع يحتاج أولا أن يتخلص المسؤولون من إخفائهم للحقائق بدعوى تعرضهم للحرج، ويواجهوا الواقع، بعضهم يكرر أن التوتر السياسى يكسر تروس الاقتصاد، وهذا حق، ولكن الأجدى بهم أن يتخلصوا هم أولا من سطوة السياسة على تفكيرهم بأنها صاحبة الفضل فى جلوسهم على مقاعد لم يحلموا بها من قبل، ولا يحمّلون الإعلام فاتورة عامين من التخبط، هذا الوضع يتطلب مقاتلين يتحلون بشجاعة التفكير.. لا موظفين يبتهلون ليل نهار أن يخرجوا من مناصبهم بالستر.
مشاركة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
يحي سالم
يدار الاقتصاد بالعقل والتخطيط السليم
عدد الردود 0
بواسطة:
mido
العنوان ينقصة كلمة
عدد الردود 0
بواسطة:
المهندس مصرى
كلامك موزون بس مين يفهم ومين يتفذ