على حدود الوطن يعيشون، الملامح تقريباً واحدة إلا من «سمرة» أعطتها شمس الصحراء بريقاً خاصاً على الوجوه.. هناك فى حلايب وشلاتين يسكنون يحملون هويات مصرية لكنهم يشعرون أن المسؤولين يتعاملون معهم وكأنهم من بنى وطن آخر.. الإهمال يضرب جذوره فى مختلف القطاعات: التعليم والصحة ووسائل النقل والطرق والتوظيف.. المسؤولون يقولون هذه إمكاناتنا ونعمل فى حدودها.. والأهالى يطلبون الاعتراف بهم وبحقوقهم فى حياة آدمية حرموا منها أطفالاً وشيوخاً، هناك سمعوا عن الثورة ورأوها على شاشات التليفزيون لكنها لم تصل إليهم بعد.. وما زالوا فى انتظارها.
يسكن هؤلاء على بعد 1000 كيلو متر من العاصمة وتحديدا عند النقطة 22 شمال خط الاستواء، يعيش ما يقرب من 20 ألف مواطن من سكان مدينة شلاتين وتوابعها «حلايب وأبورماد».
عندما تهبط أقدامك هذه الأرض تجد العجب العجاب بيوتا خشبية وملامح لأناس تغمرها البساطة برغم الطبيعة القاسية من جبال ورمال وبرودة شديدة ورياح لا تقاوم.. عندما وقع نظرى على تلك البقعة شعرت أننى فى عصر ما قبل التاريخ حيث لا توجد أدنى بدائيات الحياة التى تتلاءم والقرن الحادى والعشرين، فالمهنة الأولى فى حياتهم هى رعى الأغنام والصيد بالوسائل البدائية.
قبل أن أبدأ رحلتى فى البحث عن شكاوى سكان هذه البلاد، قررت أن أبحث عن سر سعادتهم بالرغم من كل هذه الصعوبات، فكان الجواب بكل بساطة «نزل السيل نحمد الله» وفهمت أن نزول الأمطار الغزيرة قبل أن نصل ببضعة أيام سبب كاف لينسى هؤلاء كل ما يحيط بهم من صعاب، فالأراضى دبت فيها الحياة وأنبتت من الحشائش ما يوفر طعاما كافيا لمصدر دخلهم الأول، رعى الأغنام.
بدأت رحلة بحثى ببعض المحادثات مع سكان منطقة أبورماد، وكان هذا الرجل النحيف صاحب البشرة السمراء الذى يدعى «محمد عيسى محمد موسى» أول من تحدثت معهم، وعندما سألته عن التعليم كان جوابه شديد اللهجة، لوح بذراعه، قائلاً: «عندنا هنا التعليم زى الزفت ما نافع ببصلة»، وأخبرنى أنهم منذ فترة أغلقوا المدرسة لعدم وجود مدرسى المواد الأساسية فاتفق الجميع على مقاطعة المدرسة ما دام لا جدوى من ذهاب أبنائهم إليها إلى أن جاء المسؤولون لحل المشكلة فأتوا لهم ببعض مدرسى المواد، وإلى الآن لم يكتمل العدد المطلوب من المدرسين.
استكمل عيسى حديثه، قائلاً: «إحنا مهمشين تماما.. تهميش لا بعده تهميش، كل احتياجاتنا من مياه وتعليم وصحة وغاز مهملة» لم تصل الأنبوبة منذ شهرين، والأنبوبة تباع بـ15 جنيها والعيش لو كنت جوعان منذ 100 يوم فلن تأكله، ثم عاد ليلوح من جديد قائلاً: «كل حاجة هنا مهملة، مفيش مسؤولية خالص كأننا مش من الدولة دى».
وعندما ذهبت إلى الشيخ أوهاج حسن عبدالقادر، أحد مشايخ القبائل بمنطقه أبورماد، أكد حديث عيسى عن ندرة مدرسى المواد الأساسية وأرجع هذا إلى أنه لا يوجد حافز من الدولة يشجع المدرسين أن يأتوا إليهم، عطلة السبت أضرتهم كثيرا لأن المدرس يسافر الخميس ويأخذ الجمعة والسبت ويتبعهم بالأحد، عارضة، أو بأى عذر، وهكذا يضيع الأسبوع على الطالب، مؤكداً ضرورة وجود الحافز حتى يتشجع المدرس ويقاوم طول المسافة، وعن أهم المطالب التى يحتاجها أهل المنطقة قال الشيخ حسن: إن على رأس هذه المطالب إنشاء جهاز لتنمية حلايب وشلاتين يجلب المتخصصين ليبحثوا عن سبل تطور المنطقة واستغلال مواردها.
محمد آدم حسن، أحد أهالى منطقه أبورماد، أكد أن الصيد كان من أهم مصادر دخلهم، لكن هذا المصدر أهدر بسبب مجىء بعض صيادى السمك الذين يستخدمون وسائل حديثة، وكذلك وسائل غير جائزة قانونيا، من شباك محظورة ومواد كيمائية، مما أضاع منهم أحد المصادر الأساسية للدخل، لأن وسائل أهل المنطقة وسائل بدائيه مثل السنارة والشباك القديمة، وعن الصحة، اتفق الجميع على أنه لا يوجد لديهم رعاية صحية تليق بمواطنين يستحقون الحياة، لأن الطبيب الموجود فى العيادة الصحية لم يكمل الدراسة فى الجامعة بعد، وبالتالى هو غير متخصص، ولا يوجد لديه أى إمكانيات تساعد فى العلاج لهذا يحولهم على منطقه القصير التى تبعد عنهم بمسافة كبيرة، وهذا الأمر يصبح خطرا على الحالات التى لا تتحمل السفر لمسافات، ويقول أحد الأهالى: صرخات زوجتى التى تؤذن ولادتها دفعتنى لأن أؤجر سيارة لتنقلها إلى مدينة القصير وفى الطريق كانت الصرخة الأولى لطفله، مؤكدا أن أبناء المدينة يعانون من تلك الأزمة بشكل مستمر، قائلاً: السفر يجعل الأم بين أمرين، إما أن تلد فى الطريق أو يأتى أمر الله وتغادر الحياة.
اللواء وجيه محمد، رئيس مجلس مدينة شلاتين وما يتبعها من قرى، أوضح لنا أن المحافظة تقوم بقدر ما تستطيع من جهد لتقدم المساعدات لأهالى المنطقة، فعلى سبيل المثال وليس الحصر، تقوم المحافظة بتوفير 187 طناً من الدقيق شهريا إلى قبائل منطقة شلاتين وما يحيط بها «حلايب وأبورماد وأبرق وغيرها».
وأضاف، أن المحافظة أرسلت أكثر من 5 طلاب إلى كلية الطب بإحدى الجامعات الخاصة، وتتحمل المحافظة إجمالى نفقات دراستهم، أى ما يقرب من 150 ألف جنيه وذلك لأن مجاميعهم لم تتجاوز الــ%65.
ولم يكن لدى سكان منطقة حلايب وشلاتين ميدان تحرير، وأيضا لم تأتهم الفرصة لكى يأتوا إلى القاهرة للمشاركة فى ثورة يناير العظيمة، إلا أنهم شاهدوها عبر شاشات التلفاز، وتابعوها بشغف، ولكن ظل هؤلاء فى انتظار أن تأتى إليهم رياح هذه الثورة لكنها لم تأت بعد.
ويقول المواطن عيسى موسى، إنهم سمعوا عن الثورة، ولكن لم يروا منها شيئا لم يأت إليهم أحد لسماع مطالبهم حتى رئيس المدينة لم يأتهم بالرغم من أن مطالبهم خفيفة ولا يحتاجون منه إلا زيارة واحدة فى الشهر.
حلايب وشلاتين.. الثورة لم تصل هناك .. الأهالى: التعليم منهار.. وأقرب مستشفى يحتاج إلى سفر.. ومهنة الصيد قضى عليها الغرباء بالشباك المحظورة والمواد الكيماوية .. شاهدوا ثورة يناير على التليفزيون فقط
الخميس، 03 يناير 2013 06:54 ص
حلايب وشلاتين
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
صحفى
علينا ان ندرك ان هؤلاء ليسوا فقط ضحايا صراع عربى عربى