وجهان متناقضان ظهرا لمدينة بورسعيد مع إعلان حالة الطوارئ فى مدن القناة، وفرض حظر التجول فى المدن الثلاث، ما بين خوف من أعمال العنف نهاراً، وخروج الآلاف فى تحد لحظر التجول ليقولوا فى لافتات "بورسعيد تريد إسقاط النظام"، مثلما خرجوا فى السويس والإسماعيلية واتفقوا على انتقاد القرار ووصفوه بأنه سياسة عقاب جماعى نفذتها إدارة الرئيس محمد مرسى بحق المواطنين من خلال إعلان حالة الطوارئ وفرض حظر التجول طيلة شهر كامل.
الوجه الأول للمدينة ظل ملازما لشوارعها طوال يومين ولم يتغير إلى فى جنازة تشييع جثامين ضحايا أعمال العنف، ومسيرات رفض حظر التجول، فمنذ عصر يوم السبت وتصاعد حدة أعمال العنف فى المدينة خلت الشوارع من المارة وقل عدد السيارات بعد أن كانت الدراجات البخارية تجوب الشوارع وتثير الذعر بين السكان، وكأن المدينة قد اختارت أن تعيش فى حالة حظر تجول اختيارية. واستمر إغلاق المحال التجارية، والمخابز، وبقى عدد قليل من المقاهى والصيدليات بأبواب مفتوحة، وفى أماكن محددة بعيدة عن محيط سجن بورسعيد العمومى وقسم شرطة العرب، وتجاسر عدد قليل من السكان للخروج ليلا وفتح المحال وتحول طريق كورنيش "دى لسبس" إلى منطقة مهجورة يختفى منها المارة مع حلول الليل ولا يتحرك فيها سوى دوريات الشرطة العسكرية، وأفراد كمائن تأمين الطرق. وفى السماء تطوف مروحيات استطلاع تابعة للقوات المسلحة لرصد أى تحركات تؤدى إلى اندلاع أعمال عنف جديدة.
الوجه الثانى ظهر مرتان الأولى خلال تشييع جثامين ضحايا أعمال العنف يوم الأحد، والثانى فى مسيرات بشوارع بورسعيد لخرق حظر التجول المفروض على المدينة.
طوال نهار الاثنين أغلقت شوارع وسط المدينة الرئيسية "الثلاثينى، الجمهورية ومحمد على و26 يوليو" أبواب محالها أمام الزبائن لتوقف حالة البيع والشراء، وفتحت مناطق قليلة فى محيط المعدية على قناة السويس، وطريق الكورنيش، والأجواء فى مدينة بو رفؤاد "شرق قناة السويس" أكثر هدوءًا عن الضفة الأخرى للقناة، وفتحت الأسواق كالمعتاد ولجأ إليها أغلب أهالى بورسعيد الذين عمدوا إلى ملء مخازن المنزل بأطعمة ومعلبات تحسبا لأيام تبدو أكثر صعوبة مستقبلاً فى حالة استمرار أعمال العنف بالمدينة. مما أعاد للأجيال أكبر سنا مشاهد أقرب إلى ذكريات التهجير من المدينة بعد هزيمة 76.
وجوه سكان المدينة تحمل تخوفا من المستقبل، كبار السن منهم يروا فى أحداث اليوم تشابها مع ذكريات التهجير، ونقل سكان مدن القناة إلى محافظات الجمهورية خوفا من زيادة القتلى من المدنيين فى غارات إسرائيلية على منشآت حيوية قريبة من سكن المدنيين.
الكبار فى السن يتحدثون عن العزلة، والعودة إلى شبح التهجير رغم أنهم يؤكدون على الانتماء إلى الأرض، ولكن أجواء حظر التجول وخوف السكان من الخروج من منازلهم بالنهار، خوفا من الرصاص جعلهم يتذكرون كيف كانت غارات طائرات الفانتوم الإسرائيلية على المدينة.
إبراهيم سليمان العربى رجل فى الستينيات من عمره يربط بين حال المدينة المغلقة، والشوارع شبة الخالية فى النهار بحال المدينة فى فترة حرب الاستنزاف، ويقول "الحال الآن يشبه أيام التهجير، الناس خائفة من الخروج من منازلهم، بسبب الرصاص المتطاير فى الشوارع، وحتى فى تشييع جنازة القتلى لم تسلم من هجوم بقنابل الغاز.
الحاج إبراهيم نفسه تعجب من حال المدينة ليلا بسبب قرار حظر التجول، رغم أنه يرى أن القرار عقاب جماعى لمدن منطقة القناة، ويعتقد أن الرئيس فى حاجة إلى مراجعة قراره .
فى شارع الثلاثينى جلس عم سعيد المتولى على كرسى صغير وضعه أمام مساحة شيقة فتحها فى بوابة محل بيع الملابس الجاهرة الذى يملكه، ينتظر من يمر ويشترى منه بعد أن توقف البيع لمدة ثلاثة أيام ولكنه مضطر للعمل، لأنه ليس له مورد آخر للرزق.
حال تجار المدينة لا يختلف عن سعيد المتولى، وقاوم حسن يوسف بائع متجول افترش الرصيف ليبيع الملابس، تهديدات الرصاص والقنص، فألم جوع أبنائه أهون عليه من رصاصة قد تقضى عليه.
أجواء المدينة تبدو مختلفة فى بورفؤاد، فبمجرد الانتقال إلى الضفة الشرقية من قناة السويس بمعدية نقل الأفراد يختلف المشهد كليا، حياة شبة طبيعية، أسواق مفتوحة وأندية اجتماعية تستقبل زوارها القليلين، وقد تجد صيادا جلس على شاطئ القناة يصطاد الأسماك فى محاولة لكسر حدة الأحداث على الضفة الأخرى من القناة.
شوارع بورسعيد المغلقة ذاتها، نطقت بالحياة بعد الساعة التاسعة بمشاركة آلاف رفضوا حظر التجول، وملأت سماء بورسعيد هتافات ضد جماعة الإخوان واتهمت السياسيين بأنهم يتاجرون بقضيتهم، ليظهر الوجه المنتفض للمدينة الرافض للحصار بحظر التجول، المسيرات بدلت وجه المدينة المجمد نهارا بإغلاق المحلات والمخابز والصيدليات إلى مسيرات تعبر عن الغضب من تجاهل خصوصية وسمات منطقة مدن القناة المختلفة عن باقى مدن الجمهورية.
وخرق الآلاف قرار الدكتور محمد مرسى رئيس الجمهورية بحظر التجول وفرض حالة الطوارئ فى مدن القناة الثلاث، بمسيرتين انطلقتا بعد الساعة التاسعة فى مدينتى بورفؤاد وبورسعيد، رافضين قرار الحظر، وطافت المسيرتان شوارع المدينة التى شهدت أعمال عنف على مدار يومين سقط خلالها 40 قتيلاً وأكثر من 500 مصاب .
وشارك الآلاف فى مسيرة بدأت من شارع 26 يوليو ببورسعيد مرورا بالشارع الثلاثينى إلى أن وصلت لميدان المسلة ثم شارع الجمهورية أكبر شوارع المدينة الساحلية، قبل أن تكمل طريقها فى الشوارع، مع انضمام مواطنين إلى المسيرة التى استمرت إلى الساعات الأولى من صباح الثلاثاء .
وفى بورفؤاد تظاهر ما يقرب من مائتى شخص فى وقفة احتجاجية أمام مرفق المعديات بين ضفتى قناة السويس، احتجاجا على إعلان حالة الطوارئ على مدن القناة وفرض حظر التجول على المدينة، ورفع المتظاهرون لافتات تحمل عبارات ضد جماعة الإخوان المسلمين وتطالب بحل الحكومة وظهرت لافتة تقول "بورسعيد تريد إسقاط النظام"، وهتفت "طول ما دم المصرى لسه رخيص .. يسقط يسقط كل رئيس".
المسيرات أنعشت فى المدينة ذكريات صمود الأجداد أمام العدوان الثلاثى عام 1956، ورفعت لافتات تحمل معنى أن المدن التى فشل فى كسرها الاستعمار لن يكسرها الحصار الآن".
ورغم إقرار البعض أن حظر التجول له مميزات إلا أنه يحمل من العيوب أكثر منا لتفكير فى فضائله.
محمد فتحى شاب فى العشرينيات من عمره قال إن فرض حالة الطوارئ تبدو له ميزة وحيدة هى أنه سيبعد البلطجية الذين روعوا الناس فى الشوارع، ويقلل من نشاط البلطجية، ليتيح الفرصة أكثر للمحترمين أن يعيشوا فى هدوء ويخرجوا للتظاهر سلميا.
وأضاف فتحى "الجانب السيئ منه" أن مدة الحظر طويلة وكان من الممكن أن يكتفى بمدة لا تقل عن ثلاثة أيام ولا تزيد عن أسبوع، ولكن 30 يوما مدة طويلة، لأن قانون الطوارئ أزمته أن الداخلية تفهمه على أنه قانون للسيطرة وفرض النفوذ، لأنه يسمح لأى ضابط أن يشتبه فى أى مواطن ويقتاده إلى قسم الشرطة للتحرى عنه، ولكن من له علاقات قرابة أو واسطة يستطيع المرور من القانون بسهولة، لأن الداخلية تستخدم إجراءات القانون بمفهوم خاطئ.
"وبالنسبة للرئيس مرسى كان يجب أن يكون له دور قبل إصدار الحكم، ويعرف أن الحكم فى قضية أحداث إستاد بورسعيد سيكون لها رد فعل ما فى القاهرة وبورسعيد معا، على حسب تفاصيل الحكم وكان من المفترض أن يتم تأمين المنطقين تحسبا لأى أعمال عنف متوقعة، لكن للأسف لم يكن هناك أى إجراءات للتأمين هنا أو هناك، وكان من الأولى بعد الحكم أن يتم تأمين تشييع جنازة جثامين ضحايا أعمال العنف، ولكن التأمين كان غائبا وسقط ضحايا أكثر.
وقال فتحى "حتى أمر الرئيس مرسى للداخلية بالتعامل مع المشاغبين من المفترض أن الداخلية أن تعيق المتظاهرين وليس القتل، والإصابات تكون فى أماكن غير القاتلة فى اليد أو القدم مثلا وليس إصابات قاتلة فى الصدر والرأس".
ووصف حال المدينة فى الأحداث وقرار حظر التجول أنها أصبحت مثل مدينة ميتة وقال "حال المدينة أصبحت مثل المقابر المحال مغلقة ولا أحد يسير فى الشارع، وحتى الشوارع التجارية المعتادة على الزحام، وهذا سيؤثر على بورسعيد مستقبلا على الأقل فى الأعمال الحرة والتجار الذين يعتمدون على التجارة كنشاط أساسى لن يجدوا مصدرا للرزق بسبب حالة الركود والتجميد التى أصابت المدينة.
وجهان متناقضان للمدينة الباسلة مع إعلان الطوارئ..بورسعيد تغلق أبوابها نهارا وتخرق حظر التجول ليلاً..الشوارع الخالية فى عز الظهر أعادت ذكريات التهجير.. ومسيرات الليل تهتف "بورسعيد تريد إسقاط النظام"
الثلاثاء، 29 يناير 2013 09:09 ص
حالة الطوارئ فى بورسعيد
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد مشيرف
مرسى وإخوانه