لم ينفصل الجو العام لـ"ملتقى الشباب" عن المناخ السائد هذه الأيام فى محافظات القناة وميدان التحرير، من سخونة الأحداث، والتى جعلت الكثير من الضيوف الشباب الذين كان من المتوقع حضورهم يتغيبون عن الندوة، وفضلوا البقاء فى ميادين مصر مع إخوانهم يواصلون استكمال ثورتهم التى بدأوها منذ عامين.
ذكّرت الدكتورة سهير المصادفة الحضور بيوم 28 يناير2011 والشهداء الذين راحوا ضحية العنف الذى حدث فيه، وقالت: "اليوم ذكرى لا ينساها التاريخ، وهو تجلٍ من تجليات الثورة المصرية، وهو فلسفة العقل الذى يستخدم الخيول والقنابل مقابل العقل الذى يمتلك العالم كله بإصبع واحد".
وقدمت د. سهير التحية لكل الشباب الذين قاموا بالثورة، والتى بدأت على عكس ما توقعه الجميع بمن فيهم جميع الأدباء: "نعترف أن الجميع كان يتوقع أن تكون شرارة هذه الثورة هى الطبقة الفقيرة، وأن تخرج من العشوئيات ويقودها الجياع، لأن كل الشواهد خلال عصر النظام السابق فى جميع أنحاء الوطن، كانت تدل على أن الانفجار سيكون ممن يعانون تدنيا فى الحالة الاقتصادية، وإنما جاءت مغايرة لكل توقعات الساسة والنخبة المصرية، فانطلقت من مواقع التواصل الاجتماعى (فيس بوك وتويتر) من شباب نبلاء تعب أهلهم فى تعليمهم، لم نتوقع أنهم مروا بأى معاناة، لديهم القدرة على استخدام الميديا الحديثة أكثر من أى شىء آخر".
وأضافت: "أذهل شباب مصر العالم بأكمله بخفة ظله ورد فعلهم على أنظمة عجوز بائدة لا تستطيع استيعاب وملاحقة ردهم على كل قرار أو خطبة، ومن يراجع مواقع التواصل الاجتماعى سيكتشف ثروة هائلة من الكتابات، وسيل من المعرفة عبر وسائل ميديا متنوعة للوقوف على المدارس السياسية المختلفة وتاريخ الدكتاتوريات فى الشرق والغرب، وكان هؤلاء الشباب دائما يواجهون اتهامات بأنهم ليست لديهم الخبرة لإقامة مثل هذه الثورة، ولكنهم أثبتوا للعالم أنهم أكثر خبرة ومعرفة من كل من يمتلك المقدرات الوطنية فى أى دوله فى العالم".
وذكرت المصادفة أنها كتبت فى إحدى مقالاتها، أنها منذ عام رأت أحد الشباب كان معه "آى باد" وكان مستغرقا فى متابعة الأخبار عليه، وقالت: "أن هذا المشهد يكاد يكون أدبيا بامتياز.. الأديب هو من يجلس وكأنه يمتلك العالم بين يديه، وكان الشاب يمتلك العالم بأصبع صغيرة ويقف عليه شاهدا ويتعلم منه.. الحاكم العجوز كان لابد أن يهاجم هذه الميديا الحديثة يوم 28".
وأكدت المصادفة أن الثورة مستمرة منذ 25 يناير وحتى هذه اللحظة، ولن يتم الاحتفاء بها إلا إذا تم تحقيق أهدافها، وتحقيق الهدف ليس بالثأر أو المحاكمات أو حتى القصاص فقط، وإنما هو أن يرى الشهداء من شباب مصر هذه البلاد وهى تنهض من كبوتها، هذه الدولة التى كانت بداية البديات وضمير البشرية جمعاء، ومن العار أن نناقش الآن هل نريدها مدنية أو دينية أو عسكرية، مصر دولة مدنية منذ آلاف السنين، فهى أول دولة مدنية فى العالم".. ولا توجد أصلا دولة دينية فى الإسلام.
وبلهجة تفاؤل قالت: "بعد قراءة لكل تاريخ الثورات فى العالم، ثبت أن من قام بثورة يحكم، لذلك فإنه يجب أن يكون الحكم اليوم فى يد الشباب الذين قاموا بالثورة.. ودعت للثوار فى الميادين: يارب انصر هؤلاء الشباب، هذا الجيل الذى يعتبر من أنبل الأجيال التى أنجبها الوطن.. يارب أكتب لنا النصر على أيديهم الكريمة ودمائهم التى لا يريد أى حاكم أن يحقنها".
وحكى الشاعر السكندرى نور الدين الشريف، عن ثورة يناير والترتيبات التى سبقتها عبر (فيس بوك) وقال: "كان الحديث طويل عن تنظيم المظاهرات، لم يتوقع حتى الشباب أنفسهم أنهم يستطيعون إقصاء نظام دام لسنوات طويلة، كان الخروج يوم 25 يناير للتضيق على الشرطة فى يوم عيدهم، ولم يتعد الأمر فى الإسكندرية المسيرات القليلة، فسافرت إلى القاهرة حتى أشاهد ما يحدث فيها فقد كان الأمر أكثر تعقيدا خاصة فى يوم 28 يناير الذى أعتبره البداية الحقيقية للثورة لأن الأمر اختلف تماما".
وأكد محمود مبروك، مدير تحرير مجلة الرأى الآخر، أن مواقع التواصل الاجتماعى كانت لها دور كبير فى إشعال شرارة الثورة، فالشباب الذين ليس لهم علاقة بالسياسة خلقوا حالة جديدة، أثبتوا للعالم أن من كانوا يطلقون عليهم "شباب سيس" كانوا رجالا واستطاعوا أن يقلبوا الحكم الظالم بثورة عمت كل ميادين مصر.
وأضاف مبروك: لم يستسلم النظام الذى كان قد بدأ ينهار وقطع الاتصال بالإنترنت والهواتف المحمولة، وفى المقابل لجأ الشباب إلى التحايل على هذا الأمر ووجدوا حلول أخرى ليستكملوا مسيرتهم.
وأرجع مبروك الحالة التى تعيشها مصر الآن إلى أن الثورة لم يكن لها قائد وهذا جعلها تتوه، ثم تسرق، فليس هناك شخصية يلتف حولها الشباب، كان همهم إسقاط النظام، ولم يفكروا فى بناء النظام جديد، وبعد عامين لم يتغير الحال بل نسير نحو الأسوأ، لذا نبحث الآن عن مبادئ وأهداف الثورة، وإذا كان هذا هو ما دفع الشعب إلى أن ينهض بكل طوائفه، ويبحث عن الثورة هل حققت أهدافها أم لا، وكل الشباب يحاول أن يسترد ثورته فى هذا الوقت، والبلد ترجع لأصلها مرة أخرى، فيجب أن يكون لديهم فى هذا الوقت أهداف وخارطة سياسية، بدل العشوائية التى نعيش فيها يجب أن يتوحد ونكون يدا واحدة حتى لا تسرق مرة أخرى ونأتى بعد عامين نطالب باستكمال مسيرة الثورة.
ورفض محمود مبروك الاتهامات التى يوجهها البعض للثورة من أنها سبب فى الحالة المتردية التى وصلت لها مصر وقال: "هذا خطأ.. من يلوم الثورة من المؤكد أنه لم يشارك فيها من الأساس" وختم كلمته بدعوة الناس للنزول للميدان حتى نسترد الثورة مرة أخرى، وتعود روحها من جديد، ووجه تحية للشباب الذين ضحوا من أجل مصر بأرواحهم وأجسادهم.
أما الشاعر رامى يحيى، فرأى أنه من الصعب الكلام عن الثورة فى الوقت الحالى، ذلك لأنها مازلت مستمرة، وقال "عدم وجود قائد للثورة تتحرك خلفه الناس جعلها مع مرور الوقت تتحول إلى حالات فردية وكل شخص يستطيع أن يثور من أجل ظلم وقع عليه، ولا أرى أى خطأ فى ذلك، فهذا كله تطور طبيعى وما نسير عليها هى خطوات متتالية لابد من أن نمر بها".
ورغم كل ما يحدث الآن فى مصر مازال رامى متفائلا، وقال: "أسقطنا كل الماسكات وكل الوجوه الزائفة بثورتنا وهذا دليل على فشل مسلسل تخريب العقول وتجريفها الذى كان يمتهنه النظام البائد عندما طبق خطة الرأسمالية فى بلدنا من أن يجهز البديل له، وكان واضحا أن الحكم الدينى هو البديل للعسكرى، لذلك فما نحن فيه هو تطور طبيعى، ونحن نعلم ذلك جيدا، لذلك لا نخشى من المستقبل، وخلال عامين هتف الشباب ضد التيار الذى يستغل الدين ولم ينتظروا 30 عاما أخرى".
واعترف رامى أن معركة الوطن هذه المرة أصعب، لأن هذا التيار له أنصار بعكس النظام السابق لم يكن معه أحد، ولكن كلنا أمل أن تصعد مصر على أول درجة فى سلم النجاح.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة