جملة من التحديات تواجه مصر، الدولة والمجتمع، إزاء مجمل القضايا الداخلية والخارجية، وعلى رأس هذه القضايا الخارجية مسألة الدور الإقليمى المصرى وكيفية استعادته. فى تقديرى أن مسألة أساسية تمثل بيت القصيد فى هذا الشأن وهى مسألة "النموذج الحضارى المصرى".
من المعلوم أن مصر، وكذا العالم العربى، تعيش فى مأزق حضارى كبير قائماً منذ قرنين من الزمان على الأقل، ومظاهر هذا المأزق الحضارى لا تحتاج لكثير بيان. وفى ظنى أن سببا رئيسيا لذلك هو غياب نموذج حضارى واضح المعالم يستطيع التوفيق بين ماضٍ ملىء بالتجارب والخبرات، وحاضر يزخر بالمستجدات والتطورات. ومن مظاهر ذلك الفشل فى خلق ذلك النموذج الحضارى غياب مشروع فكرى متكامل، قابل للتطبيق فى واقع الناس، يستطيع تحديد العلاقة بين الدين والدولة، من حيث الفضاء الخاص بكل منهما ومن حيث مناطق التقاطع والالتقاء بينهما، وفى اعتقادى أن هذه المعضلة تحتاج إلى عمل كبير وأحسب أن هذا العمل يجب أن يرى النور من مصر.
موطن العلاقة بين موضوع الدور الإقليمى المصرى وفكرة النموذج الحضارى هذه يظهر، أولا، فى حاجة مصر إلى خلق ذلك النموذج الحضارى لدواعى نهضتها الذاتية ابتداء حتى تكون قادرة على التأثير فى محيطها الإقليمى، كما تظهر العلاقة إذا علمنا، من دروس التاريخ، أن التأثير الأكبر لمصر على امتداد تاريخها هو تأثير حضارى فكرى ثقافى أكثر من أى شىء آخر. حاصل القول هنا أن حاجتنا إلى هذا النموذج الحضارى هى حاجة لبناء نهضة ذاتية ابتداء ثم هى حاجة لبناء دور إقليمى حقيقى من خلال تصدير نموذج حضارى يستطيع صياغة العلاقة بين عالم عربى من ناحية وبين دين هذا الأخير ودنياه من ناحية أخرى.
لا تفوتنا فى هذا المقام الإشارة إلى الحديث المتكرر عن "النموذج التركى" بحسبانه النموذج الذى يمكن تبنيه فى مصر، وغيره من دول العالم العربى، لإحداث طفرة تنموية فى دولنا. وإذ أختلف مع هذا التوجه، فإن ذلك من وجهين، الأول منهما أن لتركيا سياق تاريخى وسياسى واجتماعى يختلف كثيراً عن مصر، والعالم العربى، ما يجعل المقاربة بينهما أمر بعيد المنال. أما الوجه الآخر فيكمن فى أن مصر، تاريخيا، اعتادت على التعامل مع النماذج الحضارية الأخرى عن طريق "هضمها" و"استيعابها" وليس عن طريق تقليدها، وهو ما يقودنا إلى ضرورة "إنتاج" النموذج الحضارى محل حاجتنا والقابل للتصدير، ذلك أن مصر يجب أن تكون، ومؤهلة لأن تكون، "نموذج بذاتها".
* شهادة هيوبرت همفرى فى العلوم السياسية والقانون الدستورى- كلية واشنطن للقانون بالولايات المتحدة
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة