د.عبد الجواد حجاب يكتب: الوسطية هى الحقيقة الغائبة

الخميس، 24 يناير 2013 01:15 م
د.عبد الجواد حجاب يكتب:  الوسطية هى الحقيقة الغائبة صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
على مدى طويل من سنوات عمرى منذ نضوج عقلى ووعيى بالكثير من أمور الحياة وخاصة بعد أن اختارنى ربى لأمارس أعظم المهن الإنسانية وهى تطبيب المرضى والدعاء لهم بالشفاء وأنا أرصد وألاحظ أفات كثيرة ومدمرة أصابت أمتنا العربية وخاصة الحكام
والمسئولين والقيادات أدت إلى عقم سياساتهم فى كل المجالات.

أهم هذه الآفات على الإطلاق هى غياب الوسطية فى تفكيرنا وانطماس معالمها فى كل سياساتنا التى نضعها لتسيير أمور حياتنا. الوسطية حقيقة ربانية وسنة كونية ولكنها غابت عن عقولنا بشكل متعمد. قال رب العزة فى محكم آياته "وجعلناكم أمة وسطا".

الوسطية يكلمنا عنها كل يوم جميع مفكرينا وجميع مشايخنا ولكن الواقع نراه مؤلما ومنافيا لحقيقة الوسطية والاعتدال.

الوسطية والاعتدال ورشد العقول ونضجها هى الطريقة الوحيدة والأمل الأوحد لنا جميعا فى مصر وكل بلاد العرب فى الخروج من الأزمات اليومية وحل المشاكل المستعصية التى نعانى منها والتى كادت تقضى على آمال شعوبنا بعد أن من الله علينا بما يعرف بالربيع العربى وخاصة ثورة الشعب المصرى المجيدة والسلمية.

هنا فى مصر أرانا مقبلين على أيام صعبة اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا بسبب غياب العقل والمنطق فى علاج مشاكلنا الكثيرة والمعقدة والناتجة عن إرث ثقيل خلفه لنا نظام استبدادى فاسد على مدى عقود من الزمن.

هنا فى مصر أرانا لا نتعامل مع مفردات الحياة إلا بالشىء وضده فقط فاقدين لمعادلة الوسطية لانرى الأشياء إلا إما أبيض أو أسود ولا نعرف للوسطية طريقا. هنا فى مصر أرانا انقسمنا إلى فسطاطين مع استحالة الاتفاق أو التوافق بسبب الغلو والمبالغة وغياب لغة العقل والوسطية والنضج والرشاد.
هنا فى مصر الحبيبة كل يوم نستمع ونشاهد الكثير من الغلو والتشدد بين أطراف اللعبة السياسية والنتيجة المزيد من العنف والرفض والتمرد والاعتداء وأحيانا مزيد من الدماء. غابت الوسطية والعقلانية والمنطق الذى يجب يؤدى إلى التسامح والمصالحة والحوار والتوافق والتعاون. العقل يقول نتعاون فيما اتفقنا عليه ونترك جانبا ما اختلفنا فيه لمزيد من البحث والحوار.

هنا فى مصر انتشرت فقاقيع الفوضى على كل شبر وازدادت فقاقيع العنف أو التهديد بالعنف ونسينا حقيقة أن إعادة الشىء وتكراره لا يأتى بجديد أبدا. سياسات حكومية متكررة لا يمكن أن تنتج ما هو جديد، مظاهرات فى الشوارع كثيرة واعتصامات متكررة لا يمكن أن تأتينا بجديد، اعتداءات على مؤسسات الدولة كل يوم لا يرجى منها أى فائدة، رفض للحوار وإذا قبلنا سرعان ما ننسحب وتنقلب الطاولة، اعتداءات متكررة على رجال الأمن وبذاءات تقذف على شرفاء الوطن البواسل، اعتراض ورفض لأحكام القضاء، محاصرة للمحاكم والإعلام والقصر الرئاسى ومجلس الوزراء وأقسام الشرطة.

ترى ماذا نريد من وراء كل ذلك؟ ترى ماذا سنجنى من وراء كل ذلك؟ منطقيا لاحصاد إلا مزيدا من الفوضى وانصراف العالم عنا وانهيار اقتصادياتنا ثم الانزلاق إلى مستنقع العنف والعنف المضاد.

الوسطية تدعونا جميعا إلى الإقناع والاقتناع وأهم أدوات الإقناع هى المصداقية والوفاء بالوعد والالتزام بما هو متفق عليه, من هنا يبدأ تعميق الحوار والتفاهم والتعاون.

الوسطية تحتم علينا جميعا التخطيط والنظام والانتظام من خلال سياسات جديدة وإبداعات متعددة من كل الأطراف فى كل المجالات، كفانا عامان من الارتجالية والعشوائية، وفشلنا جميعا فى ملء الفراغ الذى تركه الرئيس المخلوع، فشلنا جميعا فى نقل الثورة من الميادين إلى الدواوين، مازالت الميادين تكتظ بالمتظاهرين والمعتصمين ومازالت الدواوين تعمل بنفس أساليب وسياسات الماضى الملعون فاستمر الحال على ماهو عليه حتى اليوم فقر وأزمات وطوابير وغلاء وبؤس.

الوسطية تحتم علينا احترام نتائج الديموقراطية والالتزام بآلياتها لتبادل السلطة وواقعنا يقول أننا لم ننضج ديموقراطيا بعد حيث فشلنا جميعا فى سنة أولى ديموقراطية. فشلت الأغلبية فى احتواء المعارضة بل بالعكس اتهمتها بالتخوين والعمالة وأحيانا بالكفر وحياكة مؤامرات لإسقاط الدولة وإسقاط الرئيس. فشلت المعارضة فى استيعاب نتائج صناديق الديموقراطية وجعلت همها وهدفها التشكيك فى شرعية كل شىء فى مصر، شرعية الجمعية التأسيسية ومجلس الشورى المنتخب، وحتى الرئيس المنتخب وكذلك الدستور الذى وافق عليه الشعب.

غياب الوسطية جعلنا لانجيد إلا وضع العصا فى العجلة لإيقافها أو وضع العقدة أمام المنشار لكسره. مع غياب الوسطية أصبحت مصر تموج بالحرائق السياسية والاقتصادية والاجتماعية حرائق لاسبب لها إلا صراع الأيدلوجيات البالية التى لايعترف الشعب ولم يظهر إلى الآن من يملك القدرة على اطفاء هذه الحرائق بل إن المتوفر الآن من لهم القدرة على صب البنزين على النار بهدف تحقيق مصالح شخصية ضيقة دون النظر إلى المصلحة العليا للوطن. مع غياب الوسطية أصبح لدينا وطنا مدمرا سفكت دماء أبنائه، وانقسم قضاؤه، وحوصرت مؤسساته، وتحول الخلاف فى الرأى إلى رصاص مصبوب وحرائق لا تتوقف.

يا سادة الحقيقة الغائبة عنا جميعا هى التعرف على معانى الوسطية ومغزى اختيار رب العزة لها والعمل بها فكانت النتيجة ما تشاهدونه الآن من حملات مسعورة من كل الأطراف لتشويه وشيطنة الطرف الآخر وأصبح كل همنا جميعا هو الانتصار ولكن أى انتصار يكون هذا الذى لا يؤدى إلا لهزيمة مصر والمصريين.

من هنا من على هذا المنبر الحر أقول لكل رجال السياسة والإعلام والنخب المثقفة جميعا إن شعب مصر غير قابل أبدا للهزيمة ولن تحكم مصر بعد اليوم إلا بالحرية والديموقراطية والوسطية، وأعتقد أننا فى الطريق إليها ولكن الطريق مازال طويلا. أقول أيضا إن من يستطيع أن يحكم مصر يستطيع أن يحكم العالم ببساطة لأنها مصر المحروسة، مصر الآمنة المطمئنة. وياليت قومى يفقهون.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة