المثقفون فى الأمم الحية هم خيارها وسادتها وقادتها وحراس عزها ومجدها، تقوم الأمة نحوهم بواجب الاعتبار والتقدير، ويقومون هم لها بواجب القيادة والتدبير، ومازالت عامة الأمم، من أول التاريخ تابعة لعلمائها وأهل الرأى والبصيرة فيها، تحتاج إليهم فى أيام الأمن وفى أيام الخوف. تحتاج إليهم فى أيام الأمن لينهجوا لها سبيل السعادة فى الحياة، ويغذونها من عملهم وآرائهم بما يحملها على الاستقامة والاعتدال، وتحتاج إليهم فى أيام الخوف ليحلوا لها المشكلات المعقدة ويخرجوها من المضائق محفوظة الشرف والمصلحة.
والمثقفون هم حفظة التوازن فى الأمم وهم القومة على الحدود أن تهدم وعلى الحرمات أن تنتهك وعلى الأخلاق أن تزيغ، وهم الميزان لمعرفة كل إنسان حد نفسه، يراهم العامى المقصر فوقه فيتقاصر عن التسامى لما فوق منزلته، ويراهم الطاغى المتجبر عيوناً حارسة فيتراجع عن العبث والاستبداد، إذا كانوا متبوعين فمن حق غيرهم أن يكون تابعاً، أو كانوا فى المرتبة الأولى فمن حق غيرهم أن يكون فى الثانية.
والسؤال الذى يطرح نفسه الآن وهو عن كيفية أداء المثقفين لواجبهم؟!
إن أول واجب على المثقفين إصلاح أنفسهم قبل كل شىء، كل واحد فى حد ذاته، إذ لا يصلح غيره من لم يصلح نفسه، ثم إكمال نقائصهم العلمية واستكمال مؤهلاتهم التثقيفية حتى يصلحوا لتثقيف غيرهم، إذ ليس كل مثقف يكون مؤهلاً لأن يثقف، وإذا كان المثقفون قبل اليوم فى حالة إهمال فحالتهم إذا هيأوا أنفسهم لتأدية الواجب تستلزم اهتماماً آخر واستعداداً جديداً، وثانى واجب هو إصلاح مجتمعهم وكل طائفة مع كل طائفة بالتعارف أولاً وبالتقارب فى الأفكار ثانياً، ومن طبيعة الاجتماع أنه يحذف الفضول واللغو، وبالتفاهم فى إدراك الحياة وتصحيح وجوه النظر إليها ثالثاً، وبالاتفاق على تصحيح المقياس الذى تقاس به درجة الثقافة رابعاً.
وإذا ما تمت الإصلاحات الأربعة جاء الخامس والأخير وهو الامتزاج بالأمة والاختلاط بطباقاتها والتحبب إليها ومشاركتها فى شئونها الاجتماعية والدخول فى مجتمعاتها ومشاركتها فى عبادتها وفى الصالح من عوائدها، فبذلك تحصل الثقة منها وتنقاد لكل ما نريده منها، وبذلك يسهل على المثقف أداء واجبه على أكمل وجه، وثقة الأمة بالمثقفين هى رأس مالها.
نور الدين حسن توتو يكتب: كيف يؤدى المثقفون واجبهم نحو الأمة؟
الأربعاء، 23 يناير 2013 01:24 ص