وجدان العلى

أبو حنيفة لم يكن مثاليًّا!

الأربعاء، 23 يناير 2013 08:02 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أرجوك لا تقابل أديبك المفضل!
كان هذا عنوان مقالة تدعوك إلى الاكتفاء بالمشاهدة البعيدة لمن تراهم من حملة الأقلام، وحملة العلم، وحملة الثقافة، فإن كثيرا من الأقلام ليست صادقة، وكم من متحدث عن الزهد وهو من أشد الناس لهفةً على الدنيا، وكم من مؤلف كتبًا عن الإنسانية المعذبة، والفقراء المهمشين، وهو من أقسى الناس قلبًا، وأشدهم كبرًا على الضعفاء الذين يتأفف منهم، وهم تجارتُه فى محافل الحقوق وندوات الضمير الدامعة!
السر فى هذا كله أن هناك من يرى متعته فى أن يكون كاذبًا، مُلَوَّنَ السرِ والخلوات، يحسن التنظير الذى يظل محبوسًا فى فم صاحبه، ولا يجهد نفسه فى تنقية سره، وإقامة باطنه على صورةٍ هى أضوأ وأجمل مما يظن فيه!
ولكم كان مدهشًا ذلك الموقف الذى ذكره أبو يوسف عن فقيه الملة أبى حنيفة رضى الله عنه، عندما كان يمشى معه، فسمعا رجلا يقول لآخر وهو يشير إلى أبى حنيفة: هذا أبو حنيفة لا ينام الليل!
فقال أبو حنيفة: والله لا يتحدث الناس عنى بما لم أفعل، فكان يُحيى الليل صلاةً وتضرعًا!
هذا "الظن المجرد" حمل أبا حنيفةَ على مفارقة ما كان عليه، والاجتهاد فى الارتقاء بالنفس إلى ما يفوق ظن الناس أو لا ينزل عنه..
وهذا هو الذى ماز علماء هذه الأمة وصالحيها: أن لهم حقيقةً واحدة، ينال منها الضعف البشرى الذى يكون منه الخطأ والنسيان التقصير، ولكن لا يكون منه المخاتلة والخداع والتزوير!
ولا يقيم أمةً من الأمم مثل هذا الاستواء الخلقى، الذى ينفذ إلى القلوب، وتسكن إليه النفوس، وترتاح إليه الأرواح، وأما أن يكون المرء فارغًا من هذا كله، مكتفيا من الحق بصورته، فذلك هو الشرخ الذى يصيب البنيان البشرى، عندما يكون حضور الحق هو حضور الصورة لا حضور الحقيقة!
ولا يكون هذا السمو إلا من شرف النفس التى لا تسكن إلى المخادعات البشرية وهى تصف أهل الاستقامة أو الصدق أو الطهارة بـ"المثاليين"، الذين لا يعرفون أبجدية الواقع، وهى أبجدية تعنى الخضوع للواقع، لا تغييره، والركون إلى المادة والاحتكام إليها!
والمثاليَّة الآن صارت شِعار المتخاذلين، ومهوى الكسل الأخلاقى الذى ترهلت منه النفوس، فليست مثاليةً أن تستقيمَ على صراطِ الخُلق وإن تهاوى الناس، فقد كان الرسول وأصحابه وتابعوه كذلك، وليست مثاليةً أن تعفو عمَّن أساء إليك وقدح فيك، فقد كان الرسول وأصحابه وتابعوه كذلك، وليست مثاليةً أن تعتصم بالصدقِ ولو فى خفقةِ الضمير والشعورِ، وفى خلوة النفس بعيدًا عن الأعين؛ فقد كانوا كذلك..وإن لم يعُدِ الكثيرونَ الآن كذلك!
ومن أراد التعلل بأن لا يكون ساميًا اكتفى فى أيامنا هذه بالضغط على أيقونة المصطلحات المبهمة، كالمثالية والرومانسية ليجد لنفسه مخرجا! وكأن هذا الدين المجيد جاء ليوضع على الأرفف العتيقة فى متاحف التاريخ، وليس ليعيش به الناس!

وليس الشأن أن نخطئ، فقد انتهت العصمة بوفاة النبى صلى الله عليه وسلم، ولكن الرذيلة الخلقية فى تأصيل الخطأ-بجعله أصلا- ونفى الصواب-بجعله هامشًا- فى أسر المصطلحات المبهمة كالمثالية!





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة