قالت مصادر فرنسية رسمية رفيعة المستوى لصحيفة «الشرق الأوسط» إن الهدف الرئيسى للعملية العسكرية الفرنسية الجارية فى مالى هو «توجيه ضربة قاضية للإرهاب» فى المناطق التى يوجد فيها داخل الأراضى المالية ما سيمكن الحكومة من إعادة ترميم هيبتها والإمساك مجددا بالبلاد. أما المرحلة الموالية فيجب أن تكون «إطلاق مسار سياسى» لتثبيت الوضع وتطبيعه.
أما من ناحية التطورات والأهداف الميدانية، فإن العملية الجارية، فى نظر المصادر ذاتها، تسعى إلى إخراج من تسميهم باريس إرهابيين فى إشارة إلى مقاتلى الشمال الذين لا تميز بينهم، من المدن التى يسيطرون عليها شمال البلاد، وهو الأمر الجارى فى الوقت الحاضر بعد أن كان الهدف الأول للعملية يوم أطلقت هو منعهم من الاستمرار فى تمددهم باتجاه جنوب مالى والاستيلاء على العاصمة باماكو.
وتعتبر باريس أنها «ليست وحدها»، والدليل على ذلك أن ألمانيا التى التزمت موقفا متحفظا من الحرب فى ليبيا، أعربت عن استعدادها لوضع طائرات نقل بتصرف القوة الدولية - الأفريقية، وكذلك الأمر بالنسبة لروسيا التى دأبت منذ البداية على عرقلة جهود الغربيين بشأن سوريا فى مجلس الأمن الدولي.
ونددت المصادر الرسمية بموقف المعارضة الفرنسية التى دأبت فى الأيام الأخيرة على انتقاد خيارات الرئيس فرنسوا هولاند فى مالى وأخذها عليه عدم إنشاء تحالف أوروبى - دولى يقف إلى جانب فرنسا فى عمليتها. والواقع أنه بعد فترة من التردد والاكتفاء بالدعم الكلامى والسياسي، التزم الأوروبيون بمناسبة اجتماع وزراء الخارجية بتوفير الدعم المادى واللوجيستى للقوة الفرنسية ولكن أيضا للقوة الأفريقية - الدولية.
وتعتبر باريس أن كل الذين كانوا ينصحون بالامتناع عن أى عملية عسكرية فى مالى مخافة أن يعود إلى الواجهة «شبح الرجل الأبيض الذى يحارب الرجل الأسود»، سقطت توقعاتهم، وهم من يكيل المديح لفرنسا اليوم لشجاعة قرارها القيام بهذه العملية العسكرية.
وترى المصادر ذاتها أن دور الجزائر سيكون محوريا، وتتوقع أن يزداد انخراط الجزائر، وهى القوة الإقليمية الرئيسية فى هذا النزاع. وتعتبر أن عملية اختطاف الرهائن واسعة النطاق التى جرت مؤخرا «ستدفع الجزائر لمزيد من الجهود فى محاربة الإرهاب».
وفى سياق ذلك، قال رئيس الوزراء البريطانى، ديفيد كاميرون أمس إن بريطانيا ستقدم دعما فى مجال المخابرات ومكافحة الإرهاب للمساعدة فى تفكيك الشبكة المتشددة التى احتجزت رهائن بعد هجوم على محطة للغاز فى صحراء الجزائر الأسبوع الماضي، حسب ما ذكرت «رويترز».
وأضاف كاميرون، فى كلمة أمام البرلمان «سنساهم بمساعدات بريطانية فى مجال المخابرات ومكافحة الإرهاب فى جهد دولى لكشف وتفكيك الشبكة التى خططت وأمرت بالهجوم الوحشى فى عين أميناس». وتعهد برد أمنى قوي. وقال أيضا إن منطقة شمال أفريقيا أصبحت «نقطة جذب للجهاديين».
وميدانيا، دخلت طوابير من حاملات الجند الفرنسية والمالية المدرعة بلدتى ديابالى ودوينتزا بوسط مالى أمس بعد أيام من انسحاب المتمردين الإسلاميين المرتبطين بالقاعدة من هناك واختفائهم فى الأحراش لتجنب الضربات الجوية، حسب ما ذكرت «رويترز» أمس.
ووصفت باريس هذا التقدم بأنه نجاح فى حملتها لطرد المقاتلين الإسلاميين من صحراء مالى الواسعة التى بسطوا سيطرتهم عليها لمدة عشرة أشهر مما أثار المخاوف من أن تتحول المنطقة إلى منصة لشن هجمات دولية.
وقال وزير الدفاع الفرنسى جان إيف لودريان فى بيان: «تقدم جيش مالى فى بلدتين سيطر عليهما أعداؤه هو نجاح عسكرى بكل تأكيد للحكومة فى باماكو وللقوات الفرنسية الداعمة للعمليات».
وكانت ديابالى الواقعة على بعد 350 كيلومترا شمال العاصمة باماكو تأوى المجموعة الرئيسية للمتمردين جنوب بلدتى موبتى وسيفارى الموجودتين على خط المواجهة الأمامي.
وذكر سكان أن بعض المتمردين تخلوا عن ملابسهم التقليدية الفضفاضة وانخرطوا وسط السكان المحليين حتى لا يتم التعرف عليهم. وتناثر حطام شاحناتهم الصغيرة فى الشوارع بين المبانى المشيدة بالطوب اللبن.
وحذر القائد الفرنسى فى المنطقة من خطر الألغام والشراك الخداعية فى أعقاب اختفاء المتمردين. وظلت المنطقة الواقعة حول ديابالى لفترة طويلة مركزا لخلايا مرتبطة بالقاعدة يعتقد أنها كانت تعسكر فى غابة واجادو القريبة من الحدود مع موريتانيا.
وتقع دوينتزا على بعد 800 كيلومتر شمال شرقى باماكو. وقال سكان إن المتمردين الذين كانوا يحتلونها اختفوا بعد الغارات الجوية الأسبوع الماضي.
وقالت فرنسا أول من أمس إن طائرات فرنسية من طراز «رافال» و«ميراج» قصفت معسكرات للإسلاميين وقواعد للإمداد والتموين حول بلدة تمبكتو القديمة، ومدينة غاو أكبر المدن فى الشمال. واستهدفت الهجمات منع المقاتلين الإسلاميين من شن هجوم مضاد.
وقال ساكن من تمبكتو لـ«رويترز» عبر هاتف يعمل عبر الأقمار الصناعية أمس إن عشرات من الشاحنات الصغيرة التى تحمل مقاتلين إسلاميين وصلت إلى هناك منذ يوم السبت فى الوقت الذى سحب فيه المتمردون قواتهم على ما يبدو باتجاه معاقلهم فى الصحراء. ولم يتسن التحقق من هذه المعلومات من مصدر مستقل.
إلى ذلك، قالت منظمة هيومان رايتس ووتش المعنية بحقوق الإنسان إنها تلقت تقارير عن انتهاكات خطيرة تشمل أعمال قتل يرتكبها جيش مالى ضد المدنيين فى نيونو.
وكانت المنطقة أيضا مسرحا لعمليات قتل وردت تقارير عنها هذا العام نفذها أفارقة سود ضد العرب والطوارق الذين يلقى باللوم عليهم بصورة واسعة عن التمرد الذى اجتاح شمال مالى قبل عام.
مصادر فرنسية رسمية: نريد توجيه ضربة قاضية للإرهاب فى مالى
الثلاثاء، 22 يناير 2013 08:01 ص