يجتمع قادة عالم السياسة والأعمال والإعلام فى دافوس ابتداء من مساء اليوم، حيث تنطلق أعمال «المنتدى الاقتصادى العالمى» الـ43 تحت عنوان «الديناميكية المرنة» للبحث عن حلول لتحديات عدة تواجه العالم، على رأسها الأزمة السياسية وتشجيع النمو الاقتصادى.
ومن المتوقع أن يحضر أكثر من 50 زعيما سياسيا من دول عدة مؤتمر هذا العام، على رأسهم العاهل الأردنى الملك عبد الله الثانى ورئيس الوزراء التونسى حمادى جبالى ورئيس الوزراء المغربى عبد الإله ابن كيران. وهناك تركيز فى برنامج المنتدى هذا العام على قضايا الشرق الأوسط وخاصة الملف السورى. ولكن هناك قضايا أخرى من المتوقع أن تثار، منها الأوضاع فى روسيا، التى سيتحدث عنها رئيس الوزراء الروسى ديمترى ميدفيديف فى خطاب أمام المشاركين. وهناك عوامل عدة تجعل «المنتدى الاقتصادى العالمى» أهم الاجتماعات على أجندة الأعمال العالمية كل يناير (خلال العقود الأربعة الماضية، ولكن ربما أبرزها مؤسس ومدير «المنتدى الاقتصادى العالمى» كلاوس شواب، الذى استطاع أن يبنى المنتدى ويجعله مؤسسة ناجحة لجذب أبرز قادة العالم، تولد أفكارا وظواهر تؤثر على قطاعات سياسية واقتصادية واجتماعية عدة. وعشية انطلاق المنتدى، أجرت صحيفة «الشرق الأوسط» حوارا مع شواب حول «المنتدى الاقتصادى العالمي» لهذا العام، وفيما يلى نص الحوار:
يعقد المنتدى السنوى هذا العام تحت عنوان «الديناميكية المرنة»، ما الفكرة وراء هذا العنوان التى تريدون إيصالها للعالم؟
- نحن نواجه واقعا جديدا. بالنسبة لمؤسسات من أى قطاع فى المجتمع – سواء كان الاقتصاد أو الحكومة أو الأكاديمية أو المجتمع المدنى – الديناميكية المرنة أصبحت الوضع المعتاد عليه. إذا كانت مؤسسة مرنة، يعنى ذلك أنها تملك القدرة على التأقلم على الأطر المتغيرة، وقادرة على مواجهة الصدمات المفاجئة والتعافى منها مع مواصلة السعى لتحقيق أهداف أساسية. بالنسبة للحكومات، على سبيل المثال، ذلك يعنى بناء المؤسسات القادرة على تحمل الصدمات الخارجية مع تطوير طرق لتفعيل الاقتصاد. بالنسبة لعالم الأعمال، ذلك يعنى حماية المؤسسة من مخاطر، مثل الفساد أو التغيير المناخى أو عدم الحصول على الموظفين الموالين، بينما تكون تلك المؤسسات قادرة على مواصلة الاستثمار ونمو المؤسسة.
الواقع الجديد الذى نواجهه يشمل أزمة عالمية اقتصادية مطولة، خاصة لأن اقتصادات رئيسية تشهد حالة تقشف اقتصادية. والنمو المستقبلى فى هذا السياق الجديد يتطلب الديناميكية – الرؤية الجريئة وحتى العمل الجريء. والقيادة فى عام 2013 تحتاج إلى الديناميكية والمرونة سويا، لا صفة من دون أخرى، ولهذا خرجنا بهذا المحور.
مع تصاعد المخاطر وعدم الاستقرار على أصعدة عدة، كيف يمكن لشركة أو دولة أن تبقى على ديناميكيتها بينما تحافظ على أمنها؟
- لم يعد الأمر كافيا لدولة أو شركة أن «تدير» المخاطر، بل على المؤسسات أن تتأقلم مع المخاطر، فمع المرونة يمكنهم مواصلة الاستثمار والمجازفة والابتكار. وهذا بالضبط ما نحتاجه إذا كان العالم سيتمكن من التقدم فى خطة نمو مستدامة.
ما أولوياتكم الرئيسية لاجتماع هذا العام؟
- لدى 3 أهداف شخصية للاجتماع السنوى لعام 2013. أولا: أريد أن أرى تفاؤلا جديدا فى الشئون العالمية، وهذا أمر مرتبط بشكل كبير مع محور الديناميكية المرنة. ثانيا: أريد أن أرى العودة إلى العولمة، هناك شعور بالإرهاق يلاحق فكرة العولمة وتوجد هناك حتى مظاهر رفض لفكرة قدرة العولمة على معالجة التحديات الأكثر خطورة. ولكن أؤمن بأن التعامل بشكل عالمى أصبح ضروريا أكثر من أى وقت سبق، بينما تصبح دول العالم متصلة ببعضها البعض بشكل أكبر وتعتمد على بعضها البعض. علينا أن نعيد شعور الثقة العالمية المتبادلة. وأخيرا أريد أن أرى عقلية تعتمد على العمل المدنى والاجتماعى تخرج من دافوس، يجب أن يكون لدينا شعور أكبر بالمسؤولية والمحاسبة الأخلاقية لتصرفاتنا.
من القادة العالميون الذين تتطلع لاستقبالهم فى المنتدى لهذا العام؟
- هناك عدد كبير من القادة من بين المشاركين فى المنتدى، بعضهم كان لدى الشرف لمعرفتهم منذ سنوات، وآخرون التقيتهم للمرة الأولى. بالطبع، أتطلع للقاء العاهل الأردنى الملك عبد الله الثانى مرة أخرى، والأمير تركى الفيصل وبالتأكيد أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثان. من حسن الحظ، يمكننا أيضا الترحيب برؤساء وزراء ليبيا والمغرب ومصر وتونس فى الاجتماع السنوى.
ولكن الأمر الأهم، برأيي، هو الحصول على التشكيلة الملائمة فى اجتماعنا السنوى بدافوس. لقد تم إنشاء المنتدى على أن يكون مسرحا يضم شركاء من قطاعات مختلفة، ونجحنا فى جذب مشاركين من جميع قطاعات المجتمع – عالم الأعمال والسياسية والأكاديمية والمجتمع المدنى – فى دافوس. وهذه من نقاط قوة دافوس ومصدر كثير من اللقاءات الملهمة للمشاركين.
هناك كثير من الذين يخشون من أن عام 2013 سيشهد تراجعا جديدا للاقتصاد العالمى، هل تشعر بهذا القلق؟
- إننى متفائل أكثر من الآخرين حول المستقبل القريب للاقتصاد العالمي. أوروبا ستنجو كجسم سياسى واقتصادى وستتقوى على المدى البعيد من خلال اتحاد مصرفى ومالى. والولايات المتحدة ستستعيد قدرتها على النمو إذا استطاعت المعسكرات السياسية العمل سويا. وستبقى الصين على المسار الإيجابي، والأسواق الناشئة ستواصل نموها. المهم هو أن ينمو الاقتصاد العالمى بالطريقة الصحيحة، وأن يكون النمو مستداما من الناحية الاقتصادية والبيئية، وأن يكون النمو عادلا. البطالة هى التحدى الأكثر خطرا فى عصرنا هذا، ومن المهم أن يعالج القادة هذه القضية بسرعة وحسم.
لقد تحدثت سابقا على ضرورة معالجة احتياجات الشعوب، خاصة الاقتصادية، من أجل تجنب الصدامات وأعمال الشغب، كتلك التى شهدتها أوروبا ودول أخرى. ولكن، ما زالت الفجوة المالية تتصاعد بين الفئات المختلفة والبطالة المتصاعدة تزيد من حرمان أقطاب كبيرة من المجتمعات. كيف يمكن معالجة هذا التحدى؟
- هذه من أبرز القضايا التى تواجهنا. تقرير المنتدى الاقتصادى العالمى لعام 2013 حول المخاطر العالمي، الذى نشر قبل أيام، يظهر بوضوح أن الفجوة المتفاقمة بين الأغنياء والفقراء من أهم القضايا التى علينا معالجتها، إذا كنا نريد أن نتقدم على طريق النمو المستدام. فكرة جمع أصحاب المصالح المختلفة التى طورتها قبل أكثر من 40 عاما لم تفقد أهميتها، والمنتدى يحاول أن يمثل هذه المسألة من خلال جمع كافة أقطاب المتجمع – من عالم الأعمال والسياسية والأكاديمية والمجتمع المدنى.
البعض ما زال يرى المنتدى الاقتصادى العالمى منتدى خاصا بالأثرياء الذين يسعون لحماية مصالحهم. كيف ترد على هذا التصور؟
- نعم، توجد هذه الأصوات وستكون دائما مثل هذه الأصوات. على سبيل المثال، صحيفة صفراء سويسرية قالت قبل أيام إن المنتدى بات يثير الضجر لأن هناك حفلات أقل تعقد على هامش البرنامج الرسمى هذا العام، مقارنة بالأعوام السابقة. ولكن هذا بالضبط ما أريده، حفلات أقل، مع زيادة العمل الجدى والنقاش الأكثر جدية. ولكن يبقى دافوس مكان لقاء أصحاب القرار من حول العالم على أساس العمل لتحسين وضع العالم.
لننتقل إلى الشرق الأوسط، وهناك وجود كبير للمسئولين من المنطقة فى اجتماع هذا العام. ما الفرص الرئيسية التى تراها فى الشرق الأوسط؟
- عام 2013 سيكون عاما يشهد التحديات للشرق الأوسط، ولكن أيضا سيكون عاما واعدا. لقد مرت سنتان فقط على الانتفاضات فى كثير من دول المنطقة. والآن المسئولية تقع على قادة المنطقة فى عالم السياسة والأعمال لدفع النتائج الإيجابية فى اقتصاداتهم التى تشهد الانتقال والتحول. وخلق فرص العمل الفعالة، وبخاصة للشباب والنساء، ودعم ريادة الأعمال المحلية والاستثمار فى البنى التحتية، كلها عوامل أساسية من أجل النجاح فى إطار عالمى سياسى متغير على الدوام.
قبل عامين، كان المشاركون فى الاجتماع السنوى يتابعون ثورات تونس ومصر عن بعد من جبال الألب. كيف كنت تتابع أنت هذه الأحداث وسط زحمة الأعمال فى الاجتماع السنوي؟
- أود أن أقلب السؤال، كيف يمكن لى ألا أتابع الأحداث فى العالم العربى وشمال أفريقيا. الانتفاضات كانت الحدث الأهم على الصعيد العالمي، وكان الجميع يتحدث عنها. وفى ظل الربيع العربي، المنطقة تشهد تحولا اقتصاديا واجتماعيا.. أساسيا، نتائجه لم تحدد بعد. ومن غير الواضح بعد، إذا كانت المنطقة ستتجه نحو الديمقراطية الأوسع والتعددية، أم إذا كانت الصراعات الإقليمية، بينما يزداد التوتر فى المنطقة. كثير من الدول تتقدم بإصلاحات مهمة تعالج بعض الفجوات الاجتماعية – الاقتصادية التى أدت جزئيا إلى انتفاضات عام 2011. مثل البطالة بين الشباب وانعدام الشفافية والمحاسبة.
هذا العام، المشتركون من الشرق الأوسط يأتون إلى دافوس وعلى بالهم الأزمة المتفاقمة فى سوريا ويحملون مخاوف من شبح الحرب فى المنطقة. هل ترى حلا ممكنا لجلب السلام إلى سوريا؟
- المجتمع الدولى ملتزم كليا بإنهاء الجرائم البشعة والانتقال إلى مستقبل سلمى ومزدهر لسوريا بأسرع وقت ممكن. وهذا ينعكس فى جلسات المنتدى الاقتصادى العالمى فى دافوس لهذا العام، التى تقدم مسرحا موضوعيا لمسئولين سوريين وإقليميين ودوليين على أرفع مستوى من أجل الخروج بطرق لوقف النزاع وبحث سيناريوهات لإعادة إعمار سوريا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا. المنتدى الاقتصادى العالمى يأمل فى مستقبل سالم وشامل لسوريا يعكس تطلعات الشعب السوري.
لقد عملت على جذب الأجيال الناشئة فى اجتماعات المنتدى الاقتصادى العالمى من خلال القيادات الشابة ومجموعة «شيبرز» ماذا يمكن أن يزيده الشباب على النقاشات العالمية الحالية والتحديثات السياسية والاقتصادية والاجتماعية فى حين حتى القادة السياسيين والمختصين لا يعانون من صعوبة بلورة حلول للتحديات الحالية؟
- هناك نقص فى تمثيل الشباب فى بحث القضايا العالمية رغم أنهم يمثلون 50% من التعداد السكانى العالمي. من حق الشباب، وهم مبدعون ويفهمون العالم الرقمى ويتأثرون مباشرة بالقرارات السياسية اليوم، أن يكون لهم مقعد على الطاولة. المنتدى الاقتصادى العالمى يساعد الشباب الاستثنائيين على العطاء إلى المجتمع، وأن يتحركوا من أجل القضايا التى تهمهم وأن يقوموا بالتأثير الإيجابى على النقاشات العالمية السياسية. مجموعة الشباب «شيبرز» تمثل جاليات المستقبل، تجلب الشباب الذين تمكنوا من العمل فى جاليات منوعة وغير مركزية ومرتبطة إلكترونيا ببعضها البعض.
ما أكثر لحظة خاصة بـ«دافوس» تذكرها على مدار العقود الماضية؟
- كثيرون يرون دافوس مكان عمل. وهم محقون، ولكن الأهم من ذلك، الاجتماع يعتبر مختبرا للأفكار. الناس يجتمعون هنا ليلاقوا تحديات، ليفكروا بقضايا مع أناس لا يلتقون بهم فى بيئة عملهم الطبيعية. هذه هى روح دافوس. رؤية هذه الروح من جديد للمرة الـ43 منذ تأسيس المنتدى الاقتصادى العالمى هى اللحظة الأعظم.
مؤسس ورئيس "دافوس": 2013 عام التحديات فى الشرق الأوسط.. لكنه واعد
الثلاثاء، 22 يناير 2013 07:51 ص