بعدما تحدث عن «الصدمة الأولى» لبعض رجال نظام مبارك، التى ضربتهم فى اللحظات الأولى عند وصولهم إلى سجن طرة، يواصل مساعد رئيس قطاع السجون المصرى السابق اللواء محمد حمدون شهادته على يوميات رموز حكم النظام السابق فى السجن، وفى الحلقة الثانية منها يروى لـ «الحياة» كيف كان اليوم الأول لوزير الإعلام السابق أنس الفقى ورئيس ديوان رئيس الجمهورية السابق زكريا عزمى فى السجن، وكيف بدا الأخير غير مدرك واقعَه الجديد، فأسكتته الصدمة حتى عن أى طلب. لاحظ اللواء حمدون أن رئيس البرلمان السابق فتحى سرور الوحيد من بين رموز النظام السابق الذى أصر مئات من أنصاره على مرافقته من مقر التحقيقات وحتى أبواب السجن حيث جرى توديعه عند الباب الخارجي. وتحدث عن صرخات رئيس اتحاد الإذاعة والتلفزيون أسامة الشيخ الذى بدا طوال فترة سجنه وكأنه يغنى خارج السرب، إذ ظهر أن علاقاته برموز نظام مبارك محدودة، وعلى رغم أن معظمهم كانوا يتحدثون دائماً عن كونهم يحاكمون فى قضايا سياسية تحت غطاء جنائى فإن الشيخ كان يصر على أنه بريء تماماً لأن لا علاقة له بالسياسة أو الفساد.
ويروى تفاصيل أول صلاة جمعة اجتمع فيها رموز النظام السابق داخل السجن فى مكان واحد، ولماذا كان مسؤولو السجن يخشون وقوع مشاجرات بينهم.
إلى الحلقة الثانية من حوار «الحياة» مع اللواء محمد حمدون:
> لماذا اُختير سجن مزرعة طرة تحديداً لرموز النظام السابق أولاً ثم تم توزيع بعضهم على سجون أخرى فى مراحل لاحقة؟
- سجن المزرعة بات أهم سجن فى مصر واتجهت إليه أنظار العالم قاطبة بعدما بدأ باستقبال رموز النظام السابق، وهو سجن يضم مستشفى أنشئ أيضاً فى عام 1941 أيام الاحتلال البريطاني، ليكون مقراً لعلاج قوات الاحتلال والآن لعلاج النزلاء، وهو مستشفى صغير يضم عنبرين متقابلين، ينزل فى أحدهما الآن الرئيس المخلوع حسنى مبارك وفيه حوالى ست غرف عند مدخله، ويضم عيادات للأسنان والباطنة والأشعة ومكاتب إدارية للأطباء. ولأن رجال النظام السابق احتُجزوا أولاً احتياطياً على ذمة تحقيقات أو محاكمات فكان خروجهم ورجوعهم إلى السجن يتم فى شكل شبه يومى لغالبيتهم وبالتالى احتجنا إلى تجميعهم أولاً فى مكان واحد بعيد نسبياً من باقى السجون التى تقع داخل نطاق منطقة طرة.
والسجن يضم عنبرين، الأول على يمين الداخل هو العنبر الجنائى للأموال العامة، والثانى أقصى الشمال لعناصر النظام السابق، وأمامه خُصص مكان لزيارة رموز النظام السابق، أنشئ حديثاً بعد زيادة عدد السجناء من الشخصيات المهمة بعد الثورة.
وجرت العادة فى قطاع السجون على حبس العناصر ذوى النشاط الإجرامى المحدود بعيداً من مرتكبى جرائم القتل والعنف طبقاً لقواعد صارمة للتصنيف فى قطاع السجون حتى لا يختلط الحابل بالنابل والمجرم العنيف بالإنسان العادى الذى وضعته الظروف داخل السجن، علماً أن النزلاء فى سجن المزرعة تطبق عليهم اللوائح والتعليمات نفسها التى تطبق على باقى السجناء من مواعيد فتح الزنازين وغلقها وكذلك الزيارات، ولا توجد استثناءات فى المعاملة أو فى اللوائح المطبقة داخل السجن لأى من النزلاء، فضباط الإدارة ينأون بأنفسهم عن أى لوم بسبب أى قصور فى تطبيق التعليمات، سواء الأمنية أو الإدارية. ومع توالى وصول رموز النظام السابق إلى السجن تم تشديد التعليمات بضرورة الالتزام بألا توجد أية استثناءات فى المعاملة، خصوصاً أن التوقعات كانت تدل على قدوم المزيد من السجناء، وهو ما تم بالفعل. كذلك لأن شيئاً لم يعد من الممكن إخفاؤه وأى تجاوز ستتلقفه وسائل الإعلام وتستغله خصوصاً فى أجواء كانت الشرطة عموماً تعانى من تراث الماضي.
> بعد القيادات الأمنية سُجن وزير الإعلام أنس الفقى ورموز صحافية وإعلامية، هل اختلفت مشاعرهم عن سابقيهم؟
- فى مساء يوم 19 شباط (فبراير)، وبعدما تم إيداع حبيب العادلى فى زنزانته حضر إلى السجن عهدى فضلى رئيس مؤسسة «أخبار اليوم» الصحافية السابق بعد أن صدر قرار بحبسه 15 يوماً على ذمة التحقيقات ووجهت له النيابة العامة تهمة التربح والإضرار بأموال جهة عمله ومصالحها، ونزل من سيارة الترحيلات فى صدمة وفى حال من الصمت لا يظهر من ملامحه إلا بريق عينيه من خلف نظارته. مشى فضلى إلى بوابة السجن ببطء وبدا متعباً، واستقبله مأمور السجن وكالعادة ومثل غيره ممن سبقوه أظهر استسلاماً لوضعه الجديد ولم تكن له أية مطالب، ويبدو أنه كان أيقن أن لا استثناءات، فلو كانت وجدت ما كانت قادته إلى هذا المصير. كما أن المعلومات التى كانت وسائل الإعلام تداولتها عن ظروف سجن المغربى وجرانة ثم العادلى ومساعديه أكدت له أن من كانوا فى مواقع أهم من موقعه سبقوه إلى الزنازين.
الفقى متماسك والشيخ يصرخ
وفى 24 شباط حضر أنس الفقى وزير الإعلام السابق ومعه أسامة الشيخ رئيس اتحاد الإذاعة والتلفزيون السابق متهمين بقضايا فساد تضم بعض المخالفات المالية، ومرا بالسيناريو نفسه وجرت معهما إجراءات القيد والتسجيل ثم التوزيع على الزنازين. دخلا أولاً مكتب مأمور السجن فى استسلام تام، كان الفقى متماسكاً وصامتاً غالباً لكن، فى المقابل فإن أسامة الشيخ بدا غير مصدق ما يحدث حوله، فظل يقول: «أنا لم أفعل شيئاً مخالفاً أنا كنت دائماً أحافظ على أموال الدولة وكل أملى زيادة دخل الاتحاد... هل هذا مصيرى بعد كل هذا المجهود؟ يعلم الله أننى بريء، بل هم يعلمون أننى كذلك... حسبى الله ونعم الوكيل». كانت تبدو على الرجل علامات الحزن والاكتئاب، وظل طوال فترة وجوده فى غرفة المأمور يدعو الله فك أسره من محبسه، وطالما تحدث خلال شهور سجنه عن أن الأقدار أزاحت به إلى هذا الأسر من دون ذنب أو جريرة وكان دائماً يقول: «أى ذنب اقترفته، بالعكس لقد قمت بتطوير التلفزيون وأصبح تلفزيوناً تتشبه به كل الدول المجاورة»، والحق أن بعض رموز النظام السابق أنفسهم استغربوا وجود الشيخ بينهم ولم يكن بعضهم يخفى تعاطفه، وبعضهم قال لى إنه نجح فى تحقيق ربح للدولة يبلغ 164 مليون جنيه فى آخر شهر رمضان قبل الثورة، وهمس البعض واعتبر أن الشيخ كبش فداء لغيره، لأنه كان مجرد مسؤول إدارى وليس سياسياً.
أما أنس الفقى فعلى رغم تماسكه إلا أنه كان زائغ النظرات لا يتحدث مع أحد وكأن هول الصدمة سيطر عليه حتى تم نقله مع الشيخ إلى عنبر مجاور لعنبر مساعدى وزير الداخلية الشاعر وفايد وعبدالرحمن وهما فى استسلام تام وإعياء واضح ولم يطلبا سوى أدوية علاجية من ذويهما، وسعى الفقى إلى إظهار أن ما يجرى معه تصفية حسابات وحرص على إخفاء التوتر الذى سيطر عليه، لكنه أحياناً فشل فى الحفاظ على تماسكه، فمشيته إلى الزنزانة كشفت ارتباكه وتوتره وربما خوفه من المصير الذى ينتظره.
> قضية موقعة الجمل، أسقطت عدداً كيبراً من رموز النظام، دخلوا إلى السجن دفعة واحدة ماذا فعلوا وكيف كان الوضع؟
- فى يوم 13 آذار (مارس)، بدأت التحقيقات فى موقعة الجمل وكان أول المحبوسين الاحتياطيين هو عبدالناصر الجابرى عضو مجلس الشعب السابق عن دائرة الهرم والعمرانية، وحضر الرجل وكان منهك القوى ووجهه تبدو عليه علامات السواد التى تختلط بالإصفرار، حيث أنزل من سيارة الترحيلات وهو يتمايل من شدة الآلام ويتكئ على بعض أفراد الترحيلات، ودخل مكتب مأمور السجن وهو لا يقدر حتى على الكلام، وطلب شربة ماء وبعض العلاج، وتم إسكانه فى أحد العنابر الملحقة بالعنبر الرئيسى بجوار أسامة الشيخ، وظهر بعد ذلك أنه كان مريضاً وظل أكثر السجناء هدوءاً حتى نقل إلى المستشفى ثم أفرج عنه صحياً حيث توفى هناك.
فى 9 نيسان (أبريل) حضر فى المساء ماجد الشربينى أمين التنظيم السابق بالحزب الوطنى المنحل محبوساً على ذمة التحقيقات لإتهامه بالتحريض على قتل المتظاهرين فى قضية «موقعة الجمل»، ودخل مكتب المأمور، ومنه إلى زنزانته فى أحد العنابر.
وبدأت أعداد المسجونين من مسؤولى النظام السابق تتزايد ومعها بالطبع ارتفع مستوى الكآبة والحزن على الوجوه البائسة التى لا حول لها ولا قوة إلا بقايا النظرات والحسرات، ينظر بعضهم إلى بعض فى حزن ويأس، لا يتبادلون كلمات إلا فى الصباح عندما تلتقى الوجوه، إذا تلاقت بكلمة صباح الخير فقط من دون سواها، ومناخ الحزن الكئيب هو السائد بين الجميع ولا يوجد سوى التحرك الصباحى إلى النيابات لاستكمال التحقيقات. حيث فرصة لقاء السجناء بأعضاء الدفاع عنهم أو بعض ذويهم الذين كانوا ينتظرونهم فى مقار النيابات. وبحكم الخبرة كنا ندرك أن الأيام الأولى للسجين هى الأصعب حيث يمر الوقت بصعوبة شديدة، فاليوم الواحد كأنه سنة كاملة، كما أن أسلوب الحياة داخل السجن لا يعتاد عليه السجين خصوصاً مثل هؤلاء إلا بعد فترة حتى لو قبلوا بالأمر الواقع.
صفوت الشريف يفقد صلابته
جاء يوم 11 نيسان عندما حضر رئيس مجلس الشورى الأمين العام للحزب الوطنى المنحل صفوت الشريف وكان خبر صدور قرار بحبسه احتياطياً وصل إلى الجميع أو قل إنه كان قراراً متوقعاً، فالشريف كان رمزاً مهماً من رموز نظام مبارك ورجاله ووجوده داخل السجن فى ذلك الوقت أمر منطقي، ومر الشريف كالآخرين بالدورة نفسها ولكن، فوجئنا بأنه رجل عجوز يمشى بصعوبة بالغة وتبدو عليه علامات الكبر والشيخوخة، وجلس فى حجرة المأمور وطلب كوباً من الماء وكل ما صدر عنه نظرات تائهة حزينة إلى أن تم تجهيز زنزانته مع الآخرين وانتقل إليها فى هدوء وسكينة. وبدا الرجل العجوز غير مصدق واقعه الجديد على رغم ما عرف عنه من صلابة، وكان كسابقيه من زملائه مستسلماً، لكنه حريص على «برستيجه» أو هيئته وصورته أمام الناس حتى إنه لم يسعَ إلى الدفاع عن نفسه أو كسب تعاطف من حوله.
فى اليوم نفسه حضر أيضاً وليد ضياء وشريف والي، وهما من قادة الحزب الوطني، محبوسين 15 يوماً على ذمة التحقيقات فى موقعة الجمل أيضاً، وكانا سجينين مثاليين من حيث إطاعة الأوامر والانضباط حيث تم إسكانهما فى زنزانة واحدة، والغريب أنهما كانا دائماً متفائلين وفى وجههما ابتسامة أثارت اندهاش المحيطين.
فى مساء 14 نيسان 2011 حضر المحامى المعروف مرتضى منصور من مستشفى القوات المسلحة فى المعادى بعد أن انتابته أزمة قلبية وتم نقله من المحكمة التى كانت تنظر فى قضية موقعة الجمل إلى المستشفى وبعد توقيع الكشف الطبى عليه عُلم أن حالته يمكن أن تعالج فى مستشفى سجن المزرعة وحضر بالفعل فى سيارة إسعاف ودخل بالفعل مستشفى سجن المزرعة لمتابعة حالته الصحية.
صلاة الجمعة
وفى صباح يوم الجمعة توجهنا إلى السجن لملاحظة الحال الأمنية وتأدية صلاة الجمعة فى المسجد الملحق بالسجن، وهو عبارة عن مسجد صغير لا تتعدى مساحته المئة متر مربع، موجود فى آخر عنابر الحجز وخلف المستشفى من الناحية الجنوبية، وأثناء وجودى مع مفتش مباحث السجن آنذاك العميد محمود نافع وقبل رفع الأذان بقليل حضر مرتضى منصور من المستشفى حاملاً فى يده سجادة صلاة وصافحناه، وقلت له: «حمدلله على السلامة»، فضحك ورد قائلاً: «أنا متعود على كده على فكرة أن اتحبست علشان بدافع عن الداخلية... عاوز أصلى الجمعة ممكن أصلى فين». كنا على وشك التحرك أنا والسيد مفتش المباحث لتأدية الصلاة فى المسجد طبعاً عندما ظهر مرتضى». وكنا نعلم جيداً مدى الخلاف الفكرى والسياسى بينه وبين غالبية من يؤدون الصلاة فى المسجد فقلنا له: «يا أخ مرتضى هنا فى هذا السجن لا يوجد إلا مسجد واحد فقط وزملاؤك المحبوسون الآن موجودون داخل هذا المسجد لتأدية الصلاة فهل أنت على استعداد أن تصلى معهم». فنظر إلينا نظرة حادة، وقال: «يا بهوات أنا مرتضى منصور أنا أبو الرجالة... هنا حال وفى الخارج حال آخر نحن هنا جميعاً زملاء وأنا أضع الجميع فوق دماغي، ونحن الآن إخوة وحركتنا جميعاً مقيدة»، فوضعت يدى على كتفه وقلت له: «اتفضل يا أستاذ مرتضى»، ووصلنا إلى المسجد وكانت خطبة الجمعة بدأت، فأخّرت خطاى وقدمت مرتضى منصور ومن حضر من المصلين كى أرى وقع المقابلة وردود الأفعال، وإذا بالرجل يتقدم ويصافح الجميع حيث كان يجلس مساعدو وزير الداخلية جنباً إلى جنب على الحائط الأخير فى المسجد فصافحهم منصور وجلس. ومرت صلاة الجمعة الأولى فى هدوء ومن دون صخب وكنا نحسب لمشاجرات توقع بعضنا أن تقع نتيجة خلافات سابقة أو إذا ما ألقى أحدهم باللوم على الآخرين بالتسبب فى سقوط النظام لكن، بدا أن كل واحد منهم يفكر فى مصيره ولا شيء آخر.
وتتوالى الأحداث ويأتى يوم 19 نيسان ليحضر رجل الأعمال المعروف إبراهيم كامل محبوساً لمدة 15 يوماً على ذمة التحقيق فى موقعة الجمل أيضاً ليأخذ دوره مع زملائه السابقين وفى عنبر منفرد.
أنصار سرور لا يتركونه
وفى مساء يوم 20 نيسان حضر رئيس البرلمان السابق فتحى سرور محبوساً لمدة 15 يوماً فى موقعة الجمل وأظهر أنه الرجل الأكثر شعبية بين كل أقطاب النظام السابق، فعندما وصل حوالى الساعة التاسعة مساء، جاء وراءه الكثير من أنصاره من أبناء حى السيدة زينب، حيث امتلأت الساحة أمام مدخل منطقة سجون طرة الرقم (7) على طريق الأوتوستراد بالعشرات الذين حضروا خلفه وانتهى بهم المطاف إلى الوقوف خارج البوابة العمومية للمنطقة ودخل هو فى سيارات الترحيلات إلى حجرة المأمور وجلس متأملاً سائلاً مأمور السجن عن ماهية الملابس التى يمكن ارتداؤها داخل السجن، فأجابه بأنها ملابس السجن الاحتياطى البيضاء، فأوصى مرافقيه بإحضارها، وكانوا أحضروا له فى الحال مرتبة كبيرة من نوع «يانسن» الصحية العريضة، ودخل العنبر مرافقاً لشريف والى ووليد ضياء الدين القياديين فى الحزب الوطنى السابق لحبسهما يوم 11 نيسان فى موقعة الجمل حيث قاما بمساعدته بالفعل فى تجهيز الإقامة وفرش المرتبة ووضع حوائجه فى دولابه الخشبى لكبر سنه وعدم قدرته على خدمة نفسه.
وحضر أيضاً مساء يوم 21 نيسان رئيس اتحاد عمال مصر السابق حسين مجاور محبوساً فى موقعة الجمل، وكان دائماً مكتئباً، ودأب على التأكيد للضباط أنه «مظلوم» وأنه لم يرتكب ما يستوجب سجنه، وكان حضر معه أيضاً النائب السابق يوسف خطاب متهماً أيضاً فى موقعة الجمل حيث تم إسكانهما سوياً فى عنبر مستقل.
وفى مساء 17 أيار (مايو) حضر رجب هلال حميدة عضو مجلس الشعب السابق محبوساً 15 يوماً على ذمة التحقيق فى موقعة الجمل، فوضع مع زملائه وكان دائماً يعيش منفرداً حزيناً لا يكلم أحداً إلا عند اللقاء فى مسجد السجن.
زكريا عزمى فاقداً سطوته
> فى شهر نيسان أيضاً سُجن رئيس ديوان رئيس الجمهورية زكريا عزمى بعدما تحدث إلى برامج الفضائيات من منزله عبر الهاتف عن أنه مستمر فى موقعه، هل ظهر بالقوة نفسها التى تحدث بها قبل أيام من سجنه؟
- فى يوم 7 من الشهر نفسه تناهى إلى أسماعنا قدوم زكريا عزمى إلى النيابة للتحقيق معه وفى المساء خرجنا إلى الساحة المواجهة للباب الرئيسى للسجن ووجدنا سيارة الترحيلات التابعة لمديرية أمن حلوان، يتقدمها بعض القيادات ووصلت إلى باب سجن المزرعة وبدأ السيناريو نفسه، فتح الحراس الباب الخلفى للسيارة الذى كان قريباً من البوابة العمومية للسجن ونزل رجل الديوان الرئاسى الأول، وبدا هزيلاً ضعيفاً وفى جواره حارسه الذى كان يتكئ عليه، حيث كان مصاباً بالإعياء، وأخذ يلتفت بعينيه إلى اليمين وإلى اليسار ليأخذ ضابط الحراسة بيده قائلاً له: «اتفضل الباب أمامك». لم ينبس الرجل ببنت شفة بل توجه إلى باب السجن ومنه إلى حجرة المأمور، دخل وجلس متكئاً وظل ينظر حوله فى وجوه الجميع وفى حجرة مأمور السجن من أعلى إلى أسفل، ويتأمل ما لم يره قبل ذلك، كل ذلك والمأمور يتخذ إجراءاته فى تجهيز عنبر الإعاشة الخاص «بالنزيل» واتخاذ الإجراءات اللازمة.
قام زكريا عزمى مستئذناً من مأمور السجن للدخول إلى دورة المياه الملحقة بحجرته، وفى لحظات استسلم للواقع وخرح من دورة المياه إلى عنبر حجزه مرافقاً للمأمور والحراسة اللازمة إلى أن وصل إلى العنبر المخصص له وهو العنبر المجاور لمحمد إبراهيم سليمان، ودخل إلى عنبره بعد أن سلمت له الملابس البيضاء المخصصة للمحبوسين احتياطياً واستأذن المأمور أن يطلب من أهله ملابس بيضاء...
بدا الرجل أضعف مما هو معروف عنه من سطوة وقوة ونفوذ داخل البلاط الرئاسي، فربما يكون أدرك أن زمن السلطة انتهى وأتى وقت الحساب. ولم يظهر عزمى أى نوع من التمرد على التعليمات واللوائح. واللافت أنه كلما خرج من السجن إلى التحقيقات يعود مكتئباً للغاية وكأنه كان يشعر بأن الفترة المتبقية له فى الدنيا سيقضيها خلف الأسوار.
الوحيد الذى أراد منذ البداية نقله من سجن المزرعة إلى أى سجن آخر هو وزير الإسكان الأسبق أحمد المغربي، فقد طلب ذلك علانية وهو بدا دائماً ضجراً من هذه «الصحبة» ربما لكونه رجل أعمال كبيراً فى الأصل قبل أن يكون وزيراً، وشعر بأن المنصب التنفيذى أوقع به وقاده إلى ذلك المصير.
«إيراد طرة»: بدأ بعزّ والعادلي... وانتهى بمبارك
بعد أسبوع واحد من نجاح الثورة المصرية فى إطاحة الرئيس السابق حسنى مبارك، تحول سجن «طرة» الواقع جنوب العاصمة المصرية، إلى ما يمكن وصفه بمعسكر «تهذيب وإصلاح»، لأركان النظام السابق، فكانت البداية بأصدقاء النجل الأصغر للرئيس السابق جمال، قبل أن يتهاوى رجال الرئيس السابق، وصولاً إلى مبارك نفسه الذى ظل يقبع داخل مستشفى السجن، حتى لقب السجن المطل على نيل القاهرة، بـ «جمهورية طرة»، وفى أحيان أخرى أطلق عليه «بورتو طرة».
فى مساء يوم الجمعة 18 شباط عام 2011، فوجئ سجناء طرة، بأن ضيوفاً «ثقال الظل» سيقتسمون معهم فراشهم، ففى هذا اليوم صدر قرار بتوقيف كل من: رجل الأعمال الشهير بـ «إمبراطور الحديد» أحمد عز، ووزير الإسكان السابق أحمد المغربى ووزير السياحة زهير جرانة، وسجنهم 15 يوماً على ذمة تحقيقات فى شأن اتهامات متفرقة بـ «الفساد واستغلال النفوذ»، لم تمضِ ساعات قليلة ليكون نزلاء السجن أمام مفاجأة كبرى، فضيفهم هذه المرة بحجم وزير الداخلية السابق حبيب العادلي، ومعه أربعة من مساعديه يتقدمهم مدير جهاز أمن الدولة حسن عبدالرحمن الذى تم حله بعدها، ومدير أمن القاهرة السابق إسماعيل الشاعر ومدير الأمن العام عدلى فايد، إضافة إلى مدير الأمن المركزى أحمد رمزي، على خلفية اتهامهم فى قضية قتل «الثوار»، قبل أن يطلق سراح مساعدى العادلى بعدما برّأهم القضاء من تلك الاتهامات، لم تمضِ أيام طويلة حتى قدم زائرون جدد أو من باتوا يسمون بين سجناء طرة بـ «الإيراد» ففى 19 شباط، زاد إيراد السجناء مع رئيس مجلس إدارة أخبار اليوم السابق عهدى فاضل الذى أصدرت نيابة الأموال العامة العليا قراراً بحبس السابق 15 يوماً على ذمة تحقيقات بـ «التربح والإضرار بأموال ومصالح جهة عمله»، وفى 24 من الشهر نفسه ألقت الشرطة القبض على وزير الإعلام السابق أنس الفقى والمهندس أسامة الشيخ رئيس اتحاد الإذاعة والتلفزيون للتحقيقات معهما فى قضايا فساد تضم مخالفات مالية منسوبة إليهما، قبل أن يتم إطلاق سراح الشيخ الشهر الماضي، ليبدأ بعدها بحوالى أسبوعين توافد المتهمين فى قضية قتل المتظاهرين الشهيرة إعلامياً بـ «موقعه الجمل»، والذين تمت تبرئتهم بقرار من المحكمة فى مطلع تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، البداية كانت مع قرار بسجن مجلس الشعب السابق عن دائرة الهرم والعمرانية عبدالناصر الجابري، الذى توفى فى أيلول (سبتمبر) عام 2011، وقبل أن يستمع إلى قرار تبرئته.
بالتزامن مع ذلك كان جهاز الكسب غير المشروع يجرى تحقيقات مع المقربين من الرئيس السابق ورموز نظامه، فقرر فى 6 نيسان حبس وزير الإسكان السابق إبراهيم سليمان 15 يوماً على ذمة التحقيقات فى قضية اتهامه بالتربح وإهدار المال العام، بعدها بيوم واحد يستقبل سجن طرة زائراً جديداً هو رئيس ديوان رئيس الجمهورية السابق زكريا عزمي، على ذمة تحقيقات بـ «استغلال النفوذ»، وفى 10 من الشهر نفسه سُجن رئيس الوزراء السابق الدكتور أحمد نظيف على ذمة قضية اللوحات المعدنية للمرور، وفى اليوم نفسه يعود مجدداً توافد المتهمين فى قضية «موقعة الجمل» فحضر أمين التعليم السابق ماجد الشربيني، بعدها بيوم واحد تستقبل «جمهورية طرة» رئيس مجلس الشورى السابق والرجل النافذ صفوت الشريف، قبل أن يحضر القياديان فى الحزب الوطنى «المنحل» وليد ضياء وشريف والي، بعدها بيومين يحضر المحامى المثير للجدل مرتضى منصور والذى أطلق سراحه بعدها بشهور، لكن الطامة الكبرى والتى رسخت بجلاء سقوط النظام السابق، عندما استقبل طرة نجلى الرئيس السابق علاء وجمال فى 13 نيسان، على ذمة تحقيقات بـ «الفساد واستغلال النفوذ»، وهما من كانت سيرتهما ملء السمع والبصر، وفى 19 نيسان يأمر النائب العام بسجن رجل الأعمال إبراهيم كامل والمقرب بشدة من جمال مبارك، والذى عرف عنه إدارة «ملف التوريث» فى العهد السابق، على ذمة التحقيق فى قضية «موقعة الجمل»، بعدها بيوم تكتمل جمهورية طرة بحضور رئيس مجلس الشعب السابق فتحى سرور على خلفية اتهامه بالتورط فى موقعة الجمل أيضاً، بعدها كان نزلاء طرة اعتادوا على استقبال بقايا النظام السابق ومن كان منهم يتخيل أنه سيجاور نجلى مبارك أو حتى رئيسى البرلمان بغرفتيه، ففى 21 نيسان جاء الدور على وزير البترول السابق سامح فهمى و7 من قيادات الوزارة على ذمة التحقيقات فى قضية تصدير الغاز إلى إسرائيل، وفى اليوم نفسه يحضر نقيب العمال السابق حسين مجاور فى موقعة الجمل، وفى 11 أيار يأمر النائب العام بسجن النائب السابق يوسف خطاب فى موقعة الجمل، قبل أن يجاوره عضو مجلس الشعب السابق رجب هلال حميدة، وفى 4 تموز ينضم وزير الزراعة السابق المهندس أمين أباظة إلى نزلاء طرة على خلفية تحقيقات فى وقائع الفساد، وبعدها بيوم ينضم إليه سلفه يوسف والى الذى كان قريباً من مبارك على ذمة التحقيقات فى شأن «استيراد مبيدات كيماوية مسرطنة»، وفى 14 تموز يؤمر بسجن رئيس الوزراء السابق عاطف عبيد، لينتهى المسلسل بحضور الرئيس السابق مبارك بنفسه إلى طرة، بعدما أمر القضاء بسجنه 25 عاماً على خلفية قضية «قتل الثوار» فى 3 حزيران (يونيو) الماضي، ليكتمل عقد النظام السابق.
موضوعات متعلقة:
http://www1.youm7.com/News.asp?NewsID=914878
مذكرات مساعد رئيس قطاع السجون تفتح خزائن سجن طره.. وتكشف يوميات رجال مبارك: أحمد عز الأكثر يأساً.. والعادلى لنجله: بابا فى مهمة ربما تطول.. وحارسه يسأل عن «الجاكوزى»
مساعد رئيس قطاع السجون السابق يفتح خزائن أسرار سجن طره.. ويروى تفاصيل أول صلاة جمعة اجتمع فيها رموز نظام مبارك: زكريا عزمى والفقى أسكتتهما الصدمة وسرور وصل مع أنصاره.. والشيخ يصرخ "أنا برىء من الفساد"
الإثنين، 21 يناير 2013 08:11 ص
مساعد رئيس قطاع السجون السابق اللواء محمد حمدون
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
عاطف حامد
حسبنا الله ونعم الوكيل
عدد الردود 0
بواسطة:
اسماعيل نوح
أول مرة في التاريخ نظام بأكمله خلف القبطان
عدد الردود 0
بواسطة:
اسماعيل نوح
ياريت كل واحد لا يغره كرسييه
كل واحد فاسدا عاجلا أو آجلا يكون مصيره مثلهم
عدد الردود 0
بواسطة:
اسماعيل نوح / دلهمو / أشمون
المشكلة أن الذين ساعدوهم أول من وقفوا ضدهم وتركوهم لمصيرهم
عدد الردود 0
بواسطة:
اسماعيل نوح
هذا جزاؤهم بعد دعوات المشايخ عليهم بعد إغلاق القنوات الدينية