وفاء داود

الإخوان وانعدام الثقة السياسية فى مرحلة ما بعد الثورة

الإثنين، 21 يناير 2013 05:49 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
إن الثقة السياسية بين المواطن والنظام السياسى تنشأ من خلال ما تحققه الحكومة من آمال وطموحات واحتياجات المواطن، وانتماء المواطن وولاؤه لهذا النظام مرهون بتحقيق متطلباته الحياتية وإذا فشلت الحكومة فى ذلك فهى تفقد مصداقيتها وثقتها لدى الشعب، وإن استعادة الثقة بين الطرفين تحتاج إلى عهد موثوق من جانب الحكومة وتعامل جاد بينها وبين المواطن لتكون معبرة عن همومه واحتياجاته.

ومع سقوط النظام السابق الذى فقد الثقة، وبالتالى شرعية وجوده، ظهرت حالة من السيولة وانفجار فى التكوينات السياسية وشيوع البراجماتية وصولاً لظاهرة الانتهازية والتى تفحلت داخل المنظومة السياسية وشيوع "الزبائنية" بالنظام السياسى والتى أفرزت ظاهرة تحول المثقف أو المحلل السياسى لزبون دائم لدى القنوات لتروج توجهات معينة، فالزبونية تتفق مع ما قاله سعد زغلول: "إن فلان ليس له مبدأ فى حياته، ويغير قناعاته وأفكاره كما يغير ملابسه".

كما تنامت ظاهرة الترحال السياسى، ومسألة تغيير الانتماء الحزبى والتى تزيد من تعميق الهوة بين المواطن والسياسة، وضرب الثقة المفترضة بينه وبين المشاريع السياسية المتنافسة، كما أنها مشكلة ثقافية وأخلاقية مرتبطة بهشاشة قيمة الالتزام الحزبى والسياسى التى تطبع العلاقة القائمة بين بعض الأحزاب والمنخرطين فيها، والتى تعتبر إحدى آليات الزبائنية والريع السياسى، وضرب الإخوان مثالاً على ذلك بدعمهم قانون الانتخابات الجديد والذى يدعم عدم إسقاط عضوية من غير انتمائه الحزبى بعد الفوز فى الانتخابات.
كل هذا يُعد أحد الأسباب الأساسية فى فقدان الثقة فى المشهد السياسى بعد الثورة، وتظهر مؤشرات انعدام الثقة أيضا فى اتسّاع الفجوة بين النظام السياسى والمعارضة وبين الفواعل السياسية، وعدم قبولها بالآخر كشريك أساسى فى بناء الدولة، حيث انكب الإخوان للاستحواذ على السلطة وتوطيد مواقعها فى الحكم بعد الانتخابات، ولم تعد معايير الجدارة السياسية للانتقال الديمقراطى أو التوسع السياسى والاجتماعى مقتصرة فى خطابها السياسى على اكتساب أكبر عدد من المقاعد البرلمانية، ومع فوز التيار الإسلامى بأغلبية برلمان الثورة لم يقدم جديداً ينعكس بالإيجاب على حياة المواطن، كما عجز عن إنتاج خطابٍ مطمْئنٍ لقطاعاتٍ اجتماعية واسعة بشأن تقييد الحريّات وأسلمة الدولة والمجتمع، ويتسبّب خطابها الشعبوى عادةً فى استعداء من هم على الحياد، فصنع هذا التيّار لنفسه عبر ممارسات وخطاباتٍ عشوائيّة أعداءً، وأثبت مخاوف كثيرين من عدم التزامه الديمقراطية فى خطاباته الموجّهة لجمهوره بشكلٍ خاصّ، والتى تختلف عن الخطاب التوافقى الموجّه للعموم، إلى جانب افتقاده الكفاءات والخبرات الحقيقيّة لإدارة شئون الدولة، ما اتّضح جليًّا فى ممارسات مجلسَى الشعب والشّورى ومؤسّسة الرئاسة.

وعلى مستوى النخبة السياسية فقد انعدمت الثقة السياسية نتيجة تصريحات وسلوكيات غير عقلانية لرموز محسوبة على النظام، مثل اتهام عصام العريان لأحزاب اليسار بالعمالة ودعوته بعودة يهود مصر، وتحريم ياسر برهامى تهنئة الأقباط بأعيادهم الدينية، بالإضافة إلى خطبة الشيخ محمد محروس فى السويس عن تجهيزه فرقا أمنية مسلحة لـ"إقامة شرع الله"، ودعوته لمنع نساء المدينة من الصلاة فى المسجد، وإغلاقه فى وجههن لأنهن أساس الفتن، وتطرق هشام العشرى لأمور غريبة على مجتمعنا وتصريحه بأن هيئة الأمر بالمعروف ستجبر نساء الأقباط على الحجاب، فضلاً عن الكشف عن رسائل طلاب الدعوة السلفية بجامعة الأزهر لعمداء الكلية والتى تشير إلى أن المعابد الأثرية ديار كفار، وأن الديمقراطية والليبرالية والعلمانية كفر، والعمل على إعادة الرق لعلاج الفقر ورسائل تهديدية لقيادات ورموز الأزهر الشريف.

وتظهر مؤشرات انعدام الثقة السياسية على مستوى الأداء المؤسسى فى تنامى حالة السّخط الشعبى على الرئيس عند إدراك عجزه عن تقديم حلول عمليّة للمشاكل الملحّة للمصريّين فى مجالات الإسكان والصحّة والتعليم والعمل، وتكرار الحوادث الكارثية، حيث شهدت السكك الحديدية وقوع 9 حوادث، أسفرت عن وفاة 123 شخصا، وإصابة أكثر من 200 آخرين، وذلك منذ أن تولى مرسى رئيس الجمهورية مسئولية شئون البلاد.

كما اتضحت معالم دوائر الشك السياسى فى اشتداد الصدام العلنى بين التيارين الإسلامى والعلمانى والتى ظهرت فى أكثر من مناسبة، وذلك نتيجة بدء الإسلامى فى ممارسة الانسداد السياسى فى مواجهة العلمانى.

كما يتبنى الإخوان أفكاراً تتضاد مع الفكر المدنى لأسباب اجتماعية أو شرعية كرفض القبول بالديمقراطية والمجتمع المدنى، كما أن أغلب الجماعات السياسية الإسلامية تنخرط فى ممارسات غير مشروعة نظرياً وبعد الممارسة يأتى التشريع والتنظير لتبرير هذه الأفعال فعلى سبيل المثال انخرطت جماعة الإخوان فى تحالفات حزبية وانتخابية منذ الثمانينيات قبل أن تحسم موقفها الرافض سابقاً لوجود أحزاب ثم بعد عشرة سنوات أصدرت وثيقة تؤكد قبولها بالعمل الحزبى، فهى دائما تُقدم على ممارسات سياسية سابقة دون أن تبرهن شرعياً على جوازها مثل شرعية التحالف مع أحزاب علمانية وشرعية القبول بنتائج الانتخابات فى حالة فوز الأحزاب العلمانية بالأغلبية البرلمانية أو بالرئاسة.

كذلك الصدام بين المؤسسة الدينيّة الرسمية فى البلاد - الأزهر الشريف- والمؤسسات الصوفيّة من جانب ودعاة ومسئولى الإسلام السياسى فى الجانب الآخر، وما نتج عنه من فوضى الإفتاء والاستقطاب السياسى والدينى فى البلاد، فضلاً عن الصّدام بين السلطة القضائية والرئيس.

وقد عكس الأداء السياسى للرئيس منذ تولّيه السلطة سلوكا سياسيا مرتبطا بفكرة اعتماد ما يراه حزبُ الأغلبيّة من إجراءاتٍ سياسيّة ملائمة، وليس ما تفرضه قيادة البلاد للمرحلة الانتقاليّة من اعتماد أسلوب التوافقات بين القوى السياسيّة على الإجراءات السياسيّة، فتخبط المواقف الرئاسية ما بين إصدار القرارات والرجوع فيها عزز الشكّ فى نوايا الإخوان المسلمين.

وكل هذا أدى إلى انكسار الثقة بين أطراف المنظومة السياسية، ويرجع ذلك إلى معضلة التيارات الإسلامية فى عدم توفر الخبرة السياسية اللازمة فى أمور الحكم، حيث قفزت هذه التيارات بصورة مفاجئة فى تطليق السياسة أو الاعتقال أو المعارضة إلى مقاعد البرلمان وسدة السلطة السياسية، كما أنها تعانى من عدم القدرة على تقديم خطاب توافقى يضعها فى قلب العملية السياسية الديمقراطية، وأن استمرار ذلك سيؤدى إلى فقدان شرعية النظام القائم، وبالتالى البحث عن عقد اجتماعى جديد مع نخب جديدة.





مشاركة




التعليقات 2

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد ماهر

الى متى

كيف سينتهى الصراع الحادث فى مصر

عدد الردود 0

بواسطة:

د احمد جوهر

قطار التاريخ والحضارة

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة