أثارت دعوة الدكتور عصام العريان حول عودة اليهود المصريين إلى مصر جدلا واسعا ليس فى الشارع المصرى وحسب بل فى العالم أجمعه. فالدكتور عصام العريان وهو قيادى بارز فى جماعة الإخوان المسلمين والبرلمانى السابق قد رأى فجأة فى مصر مناخا ملائما لتعدد الديانات ورأى قدرا من التسامح يحيط بالشعب المصرى وأراد أن يلم الشمل فخرج بتلك التصريحات المستفزة والتى أثارت حفيظة الكثير من المصريين.
لا أعلم كيف فكر الدكتور عصام عندما أطلق هذه الدعوة وهل يعلم أن بعضاً من هؤلاء اليهود قد هاجروا إلى إسرائيل وانضموا بالفعل إلى صفوف الجيش الإسرائيلى وهم على يقين وإيمان تام بالمشروع الصهيونى والدولة الإسرائيلية، فكيف ندعوهم اليوم إلى العودة فى وطن عجز عن حماية جزء أصيل منه بل وحرم أيضا تهنئتهم فى أعيادهم، هل قرأ الدكتور عصام الفتوى التى أصدرتها الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح والتى تفيد بتحريم تهنئة الأقباط بأعيادهم - علما بأن المهندس خيرت الشاطر هو أحد أعضاء هذه الهيئة- أم لا؟
هل يدرك أن هناك جماعة تحرم الذهاب إلى الكنائس لتهنئة المسيحيين بأعيادهم؟ فما بالك لو كانوا يهودا إذن؟
فهذا الوطن الذى طالما عرف عن شعبة التسامح ونبذ التعصب، أصبح مرتعا لكل من هب ودب لكى يصدر فتاويه التى تنشر الفتنة وتدعو للتعصب وفى ظل مناخ مريض غاب فيه دور الأزهر عن الساحة وأصبح تأثيره شبه منعدم فى الشعب المصرى، حلت جماعات جديدة تحاول التأثير على الشعب وتحاول تغيير هويته المتأصلة فيه منذ أكثر من سبعة آلاف عام.
لا أعرف هل حلت مصر كل مشاكلها ولا ينقصها الآن سوى عودة اليهود المصريون لكى ينعموا بالرخاء والرفاهية التى ينعم بها الشعب المصرى؟ أم أن تلك الدعوة جاءت لتهدئة العالم الخارجى وخاصة بعد الهجوم الذى شنته بعض الصحف الأمريكية ضد الإخوان المسلمين.
لا أعلم متى سيهتم قيادات الحرية والعدالة بالمشاكل الحقيقية التى تعانى منها مصر ومتى سيلتفتون إلى الوعود التى قطعوها على أنفسهم أيام الانتخابات والتى لم ينفذ منها شىء.
إن الأمر لا يتعلق باليهود كونهم يهودا.. فإن كانوا مواطنين مصريين شرفاء لم يهاجروا إلى إسرائيل ولا يؤمنون بالفكر الصهيونى فأهلا وسهلا بهم فمصر موطن التسامح والحريات ترحب بكل مصرى شريف يرغب فى العودة إليها.
لكن الأمر فى نظرى أكبر من ذلك، إن انشغالنا بأمر عودة اليهود الآن ليس إلا هراء وعبث فالبلد التى على شفا حفرة من الإفلاس لا ينبغى لها أن تنظر إلى أى شىء آخر سوى كيفية النهوض بهذا الاقتصاد، فعودة اليهود ليست العقبة الوحيدة أمام تحقيق مشروع النهضة أو أمام لم شمل المصريين ولكن العقبة الوحيدة تتلخص فى القصور الفكرى الذى يتحلى به كل ذى منصب فى مصر وعدم القدرة على مجاراة العصر وكأن تجارب الدول الأخرى وجدت كى يخرج المسئولون ليتحدثوا عن عظمتها من دون أن يتخذوا منها عبرة وعظة.
فقبل أن نفكر فى عودة اليهود ينبغى علينا أن نبنى وطنا صالحا للعيش فيه، وطنا يحترم كل مواطنيه ولا يهضم حقهم، وطنا تتساوى فيه الأفراد ولا ينظر فيه إلى خانة الديانة. هذا الوطن -إن صنعناه- نكون قد صنعنا مستقبلا يليق بنا ويليق بثورتنا التى راح ضحيتها شباب مصر ليس من أجل اليهود ولكن من أجل العيش والحرية والعدالة الاجتماعية.
