يوسف عوف

من وحى الأزمة

الأربعاء، 02 يناير 2013 08:16 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
اثنان وثلاثون يوماً، تلك التى امتدت من الثانى والعشرين من نوفمبر إلى الرابع والعشرين من ديسمبر من العام 2012، وهى، بالقطع، ليست كغيرها من أيام مصر.. فقد ابتدأت بالإعلان "الدستورى" الصادر فى 21 من نوفمبر، وانتهت بالإعلان الرسمى عن نتيجة الاستفتاء على الدستور الجديد، وتخللها العديد من الأحداث والوقائع شديدة الأهمية والتأثير على حاضر مصر ومستقبلها، من ذلك: مظاهرات حاشدة من المؤيدين والمعارضين كان الجديد فيها أن كشفت عن وجه سيئ للانقسام الحاد فى الشارع المصرى؛ سقوط عدد من القتلى وآلاف من المصابين؛ أعمال عنف وتخريب وخروج على القانون كحرق مقرات حزب الحرية والعدالة وحصار المحاكم؛ إعلان دستورى فى الثامن من ديسمبر لعلاج الأزمات التى تخلفت عن إعلان نوفمبر؛ تعليق العمل بكافة محاكم ونيابات مصر ومن بينها محكمة النقض المصرية للمرة الأولى فى تاريخ هذه المحكمة العليا.

وأخيرا إجراء الاستفتاء على مشروع الدستور المصرى والموافقة عليه رسمياً.. تلك هى أهم محطات هذه الفترة الاستثنائية من تاريخ مصر ما بعد الثورة.. ما من شك أن ملاحظات كثيرة ودروس عديدة يمكن الخروج بها "من وحى الأزمة"، نرصد منها بحسب ما يتسع المقام:

أولاً: لا خلاف أن إعلان 21 نوفمبر هو الذى فجّر هذه الأزمة وأسهم فى صناعتها، غير أنه، على الجانب الآخر، لم يكن هو السبب الوحيد لها.. فقد جاءت هذه الأزمة "كاشفةً" عن المدى البعيد الخطير، الذى وصلت إليه حالة الاستقطاب السياسى فى مصر، وهو المدى الذى يمكن تبيّنه من حقيقة أن المصريين الآن يتعاطون مع الشأن العام، وما ينتج عنه من أحداث ومواقف وقرارات ــ قبولاً أو رفضاً ــ لا لذاتها؛ أى بكونها صحيحة أو خاطئة أو بما تحققه من المصلحة العامة، وإنما بمن صدرت عنه هذه القرارات والمواقف، فرداً كان أو حزباً أو جماعة من صدر عنه ذلك.. أهم تطبيق لما تقدم هو التصويت على مشروع الدستور، حيث انحصر الأمر فى رفض أو قبول "من" أنتج الدستور، لا الدستور نفسه من حيث المحتوى والمضمون.. لا يخفى ما فى ذلك من خطورة بالغة على مستقبل الدولة والمجتمع المصريين، فالأمم لا تبنى بالتحيز إلى الأشخاص.

ثانياً: أن الرفض العارم للقرار الذى فجر هذه الأزمة؛ إعلان 21 نوفمبر، لم يكن رفضاً مصطنعا أو صادراً عن بعض المتآمرين على الوطن، بل كان رفضاً حقيقياً لخطوة لم تكن ــ فى نظر الرافضين ــ فى صالح الوطن ما ترتب عليها من المفاسد أعظم بكثير من ثمة مصالح، إن كان لهذه الأخيرة محل. وفى هذا السياق تحسن بشدة المقارنة مع إعلان 11 أغسطس الدستورى الصادر عن رئيس الجمهورية، وهو الإعلان الذى أنهى الفترة الانتقالية الأولى من عمر الثورة بإبعاد المجلس الأعلى للقوات المسلحة عن لعب أى دور سياسى وانتزعت السلطة التشريعية منه وهو ما أنهى، رسمياً، الحكم العسكرى لمصر.. لما تقدم، فقد قوبل إعلان أغسطس الدستورى برضا سياسى وشعبى كبير، بل ولم تخرج مظاهرة واحدة حقيقية لرفضه، وهذا هو محل المقارنة مع إعلان نوفمبر.

ثالثاً: أظهرت هذه الأزمة افتقاد المجتمع المصرى للأساس، الذى يقوم عليه أى عمل سياسى أو مجتمعى؛ الحوار. والمقصود هنا: الحوار الحقيقى الجامع، حيث لا إقصاء لأحد؛ الحوار المصحوب برغبة أطرافه فى تفهم مواقف الآخر مع القدرة على التفاوض وخلق البدائل.. وقد شاهدنا، خلال الأزمة، أن حدة الخلافات وتصاعدها جعل كل طرف متشبثٍا بموقفه المبدئى دون قدرة على خلق مساحات جديدة للتوافق حولها.. الأمثلة على ما تقدم، من رحم الأزمة، كثيرة ومتعددة، نذكر منها رفض جبهة الإنقاذ الوطنى للحوار، الذى دعت إليه رئاسة الجمهورية، لاسيما ذلك الحوار الذى جرى يوم الثامن من ديسمبر وترتب عليه إصدار إعلان دستورى جديد لعلاج ــ أو هكذا أريد له ــ آثار إعلان نوفمبر.. لقد جاءت الدعوة لذلك الحوار وسط أزمة سياسية ومجتمعية طاحنة ما كان يجب معها، فى تقديرى، أن ترفض جبهة الإنقاذ الوطنى تلبيتها، ذلك أن الحوار، بسماته المذكورة سلفاً، كان يمكن أن يؤدى ــ إذا حضرت قيادات جبهة الإنقاذ ــ لنتائج أفضل مما جاء به إعلان الثامن من ديسمبر الدستورى، ومن ثم تغيير مسار الأزمة والتخفيف من حدتها.. وللحديث بقية.

* شهادة هيوبرت همفرى فى العلوم السياسية والقانون الدستورى- كلية واشنطن للقانون بالولايات المتحدة





مشاركة




التعليقات 1

عدد الردود 0

بواسطة:

عمر

شكراً على الكلام الرائع الذي يحترم العقول

جزاك الله خير

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة