فوزى فهمى غنيم يكتب: ليس بالتعليم وحده يرتقى المواطن

الأربعاء، 02 يناير 2013 09:17 م
فوزى فهمى غنيم يكتب: ليس بالتعليم وحده يرتقى المواطن صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الثابت بداهة أن الأمى هو الإنسان الذى يجهل القراءة والكتابة، وقد يمتد هذا التعريف ليشمل المتعلمين الذين لا يقرأون الصحف والمجلات والكتب حتى غدت معلوماتهم قديمة، فهم فى عداد الأمييـن.

أما فى البلاد العربية – والدول النامية عامة – فإن البرامج التعليمية تتسابق إلى القضاء على الأمية بإشاعة القراءة والكتابة، ونشر عادات المطالعة وشراء الصحف والمجلات واقتناء الكتب، وحجتها فى ذلك أن الأمية أحد الأسباب الرئيسية للتخلف المقترن بالفقر والمرض، وأن العلم وسيلة إلى السعادة الكاملة.
ولكن لو تركنا الأفكار المثالية جانباً، ونظرنا إلى حال أولئك الأميين، كما هو فى الواقع لغيرنا الكثير من مفاهيمنا أو عدلنا برامجنا التعليمية أو ألغيناها تماماً.

الأميون فى البلاد العربية – مثلاً – هم المستحوزون على ثروات البلاد وسيولتها النقدية، المحتكرون للصناعات التقليدية والخفيفة، والمتصرفون فى التجارة الداخلية كلها بما فيها سوق المال المصرح بها كالمعادن والأحجار الثمينة، أو المهربة كالدولار والمارك والفرنك ومختلف أشكال العملة الصعبة والسهلة، وكل ألوان الأسواق من سوداء وبيضاء ورمادية، والأميون هم القائمون على تجارة الأراضى ومقاولات البناء، والنقل البرى والبحرى.

ولا يفلت من أيديهم سوى النقل الجوى، وقد يستأجرون فى بعض البلاد العربية ذات النظام الحر– طائرات (الكارغو) لنقل قطعان الماعز، والأغنام والأبقار والخيول، وأطنان اللحوم المجمدة والفواكه المعلبة. وليس الأمى – كما نتصور – إنساناً جاهلاً بأمور الحكم والسياسة، ولا غافلاً عن أصول السلوك واللياقة وآداب المجاملة والضيافة، ولا تدل تصرفاته على أنه ناقص الذكاء لأنه يجهل القراءة والكتابة.

وقد تعجب أحد هؤلاء الأميين – الذين يفكون الخط بالعافية – عندما رآنى أشترى جريدة يومية، وصرح لى باعتزاز بأنه لا يقرأ الجرائد لأنه يجدها مملـة وأخبارها متشابهة.

أعرف أحد هؤلاء الأميين من رجال المال، اضطر إلى السفر دون مرافقة وكيل أعماله، فكان إذا عرضت عليه رسالة ليقرأها، أو عقد ليوقعه تظاهر بأنه نسى نظارته، وأنه لا يقدر على القراءة دونهـا، فيسارع أحد الحاضرين إلـى القراءة.

أعتقد بأن الأميين سوف يحتلون المراكز الأكثر أهمية فى مجال السياسة كما فى مجال الاقتصاد.. علينا أن ننظر حولنا إلى من يتحكمون فى دول اليوم حتى نتأكد من صحة هذه الفكرة، ولا شك أن فقدان (حاسة) القراءة والكتابة لدى الأمى قد عوضتها الحواس الأخرى، فنراه واعياً لمعانى الألفاظ ودلالة الأرقام.

يقوم بالعمليات الحسابية فى ذهنه دون حاجة إلى آلة حاسبة، وثقافته الشفوية التى نستهين بها ثقافة إجرائية – انتقائية: فهو يحفظ بعض آيات القرآن الكريم وشيئاً من الأحاديث والأمثال، وحتى الأبيات الشعرية التى تخدم أغراضه فى المواقف الحرجة، إنها ثقافة فعالة تحتفظ بالجوهرى المفيد وترمى القشور والنفايات، بينما تتراكم فى الثقافة المكتوبة طبقات من المعلومات يتكدس بعضها فوق بعض، فإذا احتاج المثقف إليها لزمه الرجوع إلى دوائر المعارف والمعاجم والمصادر الموثوقة.

فالأمى سعيد.. بكل ما فى السعادة من معنى.. أنه يعيش بكل جوارحه، ويتمتع بالحياة بكل حواسه. وليس مصادفة أن نجد أعلى نسبة للانتحار فى بلاد الشمال ذات الثقافة الرفيعة كالسويد، وأدناها فى بلاد الجنوب الحائزة على الأرقام القياسية فى جهل القراءة والكتابة . فالأزمات الفكرية تولد الأزمات النفسية وأدب الثقافة المتأزمة لا تعرفه الشعوب قبل أن تسد جوعها وتستر عريها.





مشاركة




التعليقات 1

عدد الردود 0

بواسطة:

فادي

الجهل نعمه

فعلا الجهل نعمه ميقدرهاش غير اللي اتعلم :)

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة