عندما ثار الشعب فى الخامس والعشرين من يناير 2011 كان تطهير وزارة الداخلية وحل جهاز أمن الدولة من أبرز المطالب بجانب العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، ويرجع هذا للصورة السيئة التى ظلت عقودا قابعة فى أذهانه، فيكفى أن يدخل مواطن بسيط قسم شرطة ليخرج منه إما مطلوبا على ذمة قضايا أخرى لا يعلم عنها شيئا أو مهانا، إلى جانب حالات التعذيب التى كانت تقع فى الداخل للرجال والنساء على حد سواء، واجتهد النشطاء السياسيون فى توثيق بعضها آنذاك صوتا وصورة، ناهيك عن عمليات الاعتقال التى كانت تتم بين الحين والآخر على يد «زوار الفجر».
كل هذا وغيره من سلوكيات الأمن كان كفيلا بتفجير بركان من الغضب وخلق حالة من العداء، فالشعب رأى الشرطة أداة النظام لممارسة الغطرسة والعنف عليه تحت شعار «اضرب بيد من حديد حتى لا ينفلت زمام الأمور»، وهى طريقة لازمتها نظرة استعلائية من قبل رجال الأمن ممزوجة بسوء المعاملة حتى جاءت الثورة ولقنت رجال هذه المؤسسة درسا لن ينسوه، كما أثبتت لهم أن كل شىء زائل.
لعل شعور الكراهية والضغينة الذى حمله الناس فى قلوبهم تجاه هذه المؤسسة ورجالها يفسر الوضع الذى بدت عليه الشرطة فى فترة ما بعد الثورة وحتى الآن، حيث عادت متراخية فى أداء مهامها بزعم أنها لا تريد العودة لسياستها القمعية مع المواطنين، وأنها تفضل الابتعاد عن السياسة، لذا وجدناها تكتفى بمراقبة المشهد عن بعد عكس، ما كان متوقعا منها بعد الثورة، حيث كان من المفترض تأهيل الأجيال الجديدة من ضباط وأفراد الشرطة بما يتلاءم وطبيعة التحول الديمقراطى الذى تشهده الفترة الحالية، خاصة أن الشعب لن يرضى بأن تعود الشرطة بنفس طبيعتها قبل الثورة.
الأحداث الأخيرة التى شهدها الوطن عكست الأزمة التى تمر بها مؤسسة الشرطة وصعوبة استعادتها الصورة التى من المفترض أن تكون فى ذهن المواطنين عنها، وهو ما تجلى فى محاولات اقتحام أنصار فصيل سياسى بعينه عددا من الأحزاب السياسية ومحاصرتها مؤخرا، ناهيك عن موقفها المتراخى تجاه الاشتباكات بين مؤيدى ومعارضى النظام، وظلت الداخلية تردد أنها تفعل ما فى استطاعتها بما لا يتهمها معه الشعب مرة أخرى بأنها تساند السلطة، وكأن وزارة الداخلية لا تعرف الفرق بين التدخل لحماية المواطنين وبين تعنيفهم وتعذيبهم وقتلهم.
الاختلاف فى أداء وزارة الداخلية بين عصرى الرئيس المخلوع حسنى مبارك والرئيس الحالى محمد مرسى تباين بين القمع الشديد والضعف أو التراخى.
ففى عهد مبارك رصدت المراكز الحقوقية كثيرا من الانتهاكات التى تعرض لها المواطنون على يد الشرطة إرضاء للنظام، وكان ربما أشهرها واقعة مقتل الشاب السلفى سيد بلال، وخالد سعيد، وغيرهما إلى جانب صمت رجال الأمن على تزوير الانتخابات البرلمانية والتعديلات الدستوربة وبطشهم بكل من يعارض النظام الحاكم.
وقتها أعرب عدد من المنظمات الحقوقية مثل الجمعية المصرية لمناهضة التعذيب، المنظمة العربية للإصلاح الجنائى، مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف، الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان وغيرهم عام 2007 عن رفضها التام لحملات الاعتقال التى يتعرض لها المواطنون وتحديدا من صفوف جماعة الإخوان المسلمين، وقالت هذه المنظمات حتى أنها قالت فى أحد بياناتها: إن حملة الاعتقالات الأخيرة جاءت بعد إعلان جماعة الإخوان المسلمين نيتها عن تأسيس حزب سياسى، وهو الأمر الذى طالما ووجهت به جماعة الإخوان على صفحات الجرائد، حيث كان الجميع يطالبهم بتشكيل حزب سياسى بدلا من العمل فى الظلام، إضافة إلى حركة الاعتقالات التى شهدتها حركة قضاة من أجل استقلال القضاء، والمطالبين بالديمقراطية والرافضين للاستفتاءات المزورة والتعديلات الدستورية التى كانت تؤبد استمرار نظام الطوارئ والتعذيب.
كما أكدت هذه المنظمات آنذاك أن الداخلية لم تجد سوى سياسة الاعتقالات فى مواجهة أطفال الشوارع بعد أن كشفت الصحافة ما عرف باسم «عصابة التوربينى»، وبدلا من أن تتحمل الحكومة مسؤوليتها تجاه هؤلاء الأطفال الذين هم بالأساس ضحايا أوضاع اجتماعية واقتصادية استكثرت عليهم المأوى والرعاية.. وبدلا من أن تتعامل معهم باعتبارهم أطفالا فى خطر اختارت الداخلية أن تتعامل معهم على أنهم مصدر للخطر، فأخذت تجمعهم من الشوارع والحوارى لينتهى بهم الأمر فى أقسام البوليس تحت رحمة رجال الشرطة ومخبريهم.
وفى عهد ما بعد الثورة أصبح نشاط الشرطة فى كثير من الأحيان قاصرا على المشاهدة ومراقبة المشهد - خاصة إذا كان مرتبطا بالنزاعات السياسية - من بعيد وبأسلوب يشوبه كثير من التخاذل والتهاون مثلما حدث تجاه حصار المحكمة الدستورية العليا.
ورصد مركز القاهرة للدراسات السياسية والقانونية فى بيانه الأخير خلال عملية الاستفتاء على الدستور بأن الشرطة لم تتدخل فى حماية المواطنين من الانتهاكات والتجاوزات التى حدثت أثناء الإدلاء بأصواتهم، وأن الجيش كان هو الجهة التى تقوم بذلك.
كما ألقى عدد من الحقوقيين ورجال السياسة مسؤولية حصار المحكمة الدستورية على الشرطة، واتهموها بعدم حماية المعتصمين السلميين بمحيط قصر الاتحادية وما ترتب على ذلك من وقوع اشتباكات أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى.
اللواء عادل سليمان، الخبير الأمنى، يرى أننا فى مرحلة انتقالية لا يمكن أن الحكم فيها أو المقارنة بين أداء الداخلية فى فترة مبارك والآن، خاصة أنه لم يتم حتى الآن إعادة هيكلتها بشكل جذرى، ولم تتحسن علاقتها بالمواطنين بنسبة %100، وبالتالى تتردد هذه المؤسسة فى التعامل مع الأزمات خوفا من أن يحسب عليها أى موقف.
وأضاف سليمان: لا يمكن القول بأن الداخلية تغيرت فى معاملتها تماما، أو ظلت كما كانت قبل الثورة، لكنها تعيش حالة من عدم الاتزان وتحاول قدر الإمكان التأكيد على الأمن الداخلى وتسعى لكسب ثقة الناس، وتابع: لو هاجمنا الداخلية على تهاونها فى حماية الناس من أنصار فصيل بعينه مثلما حدث فى مهاجمة الإسلاميين لمقار بعض الأحزاب ومقار المعارضة فعلينا أن نهاجمها لأنها لم تمنع المتظاهرين من حصار الاتحادية أو الكتابة على جدران سور القصر وإهانتهم للنظام، وبشكل عام كانت الداخلية سابقا تنفذ تعليمات النظام فقط، وتحاول الآن أن تسترد علاقتها الطيبة مع الشعب.
وعن موقف الشرطة من التجاوزات والانتهاكات التى حدثت فى مرحلة الاستفتاء على الدستور ورصدتها المراكز الحقوقية واقتصار التأمين على الجيش قال الخبير الأمنى: الشرطة كان دورها يتعلق بحماية اللجان وتأمينها والطرق المؤدية إليها لأنها لم تستعد دورها كاملا حتى الآن، وأولا وأخيرا أرى أن تحسين علاقة الشرطة بالشعب مازالت تحتاج وقتا طويلا مع دعمها بتشريعات جديدة.
مع اللواء عادل سليمان اتفق الخبير الأمنى اللواء عبدالرحيم سيد موضحا وجود فرق بين طبيعة جهاز الشرطة قبل وبعد ثورة يناير، فقبل الثورة كانت تمتلك الصلاحيات والأدوات، وبعدها تم وقف العمل بقانون الطوارئ، وفقدت بعض أدوات قوته ومنعها النظام الحالى من التعامل مع المواطنين بنفس أسلوبها فى الماضى.
ولفت اللواء عبدالرحيم إلى ضرورة الأخذ فى الاعتبار إضعاف الشرطة بعد حرق %70 من مقارها وسياراتها وحل جهاز أمن الدولة بما كان يمتلك من معلومات وصلاحيات تمكنه من التغلغل فى أى مؤسسة، ناهيك عن عدم تفعيل القوانين التى تحمى أفراد الشرطة أنفسهم وتمكنهم من الدفاع عن أنفسهم، فعلى سبيل المثال نجد الآن فى حالة تعدى مواطن على رجل شرطة تخلى النيابة سبيله ولا تنصف رجل الشرطة.
وتابع: لا يوجد الآن خط فاصل بين المجرم البلطجى والثائر، خاصة أن الأخير يرى أنه من حقه اقتحام مؤسسات الدولة أو محاصرتها وتعطيل حركة المرور، وهذه أفعال كانت خارجة عن القانون فى ظل النظام السابق ويتم التعامل معها بالقوة المتدرجة التى تبدأ بالإنذار والتحذير وتنتهى بإطلاق الرصاص إذا لزم الأمر، فى حين منع النظام الحالى استخدام نظام القوة المتدرجة هذا، وإذا أردنا الحديث عن دور الشرطة وسبب رؤية البعض لها بأنها متهاونة ومتخاذلة فى التعامل مع الأزمات والدفاع عن المواطنين وحمايتهم، فعلينا تسليط الضوء على مجموعة أمور، أولها سحب القوة من هذا الجهاز كما ذكرنا ثانيها حاجة الجهاز ورجاله للدعم بالوسائل التكنولوجية الحديثة كاستخدام الملابس الواقية أثناء المظاهرات، ووضع تشريعات تكفل حماية رجل الأمن والدفاع عن نفسه واستخدام كامل أدواته إن استلزم الأمر لحماية المواطنين والمجتمع دون أن توجه التهم لفرد الشرطة غير المخطئ.
كما يجب توفير أجهزة رصد حديثة بغرف عمليات فى الشوارع والميادين إلى جانب الكاميرات ليتم رصد المخالفات وكشف من المتعدى على الآخر «المواطن أم فرد الأمن».
وأشار اللواء سيد إلى ضرورة إنشاء جهاز معاون لجهاز الشرطة الحالى يتم توزيعه فى المراكز المحلية ويدعم بأفراد أمن جدد ليتمكن من ممارسة مهامه على أكمل وجه على أن تتم تسميته بجهاز الشرطة الشعبية لحماية المؤسسات الهامة والحيوية ويتاح له استخدام القوة إن تطلب الأمر لحماية المجتمع، قائلا: الجهاز وأفراده تعرضوا لخسائر نفسية ومادية ويعانى من حالة إحباط شديدة، خاصة أنه يعلم جيدا أن القانون لا يحميه، لذا نجد أن رجال الشرطة أصبحوا يفضلون تحرير المحاضر وإحالتها للنيابة دون أن يبذلوا جهدا فى النزول للشارع والمعاينة كى لا يعرضوا أنفسهم للخطر لأننا فى بلد لا يعتبر شهيد الشرطة فيه حاليا من شهداء الثورة، وتابع: المشكلة الأمنية معقدة للغاية ومن المفترض العمل على حلها من خلال النقاط السابقة مع الأخذ فى الاعتبار ضرورة وضع تشريع يحمى رجال الشرطة ويدافع عنهم، فالباعة الجائلون اليوم إذا اعترض طريقهم رجل شرطة يهاجمونه بالسلاح الأبيض وليعلم الجميع أنه إذا اختل جهاز الشرطة فسيختل ميزان العدالة.
«الداخلية» من القمع فى عصر مبارك إلى التهاون فى عصر مرسى استخدمت قبضتها الحديدية لحماية نظام مبارك..وتشكو الآن من غياب هذه القبضة..و القضاة تعرضوا لبطشها فى 2007.. وفى 2012 تخلت عن حماية «الدستورية "
الأربعاء، 02 يناير 2013 09:17 ص
الرئيس محمد مرسى و الرئيس المخلوع مبارك
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
مصرى
؟؟؟؟؟
عدد الردود 0
بواسطة:
مش فاهم حاجة
السم فى العسل