يبدو المشهد الحالى الذى تجرنا إليه جماعة الإخوان المسلمين هو مشهد لا تجيد أداء دوره فى المسرح العبثى لهذا الوطن، سواها، فهى قد تابعت وهى تقوم بدور الكومبارس لفترة طويلة جداً تجاوزت الثمانين عاماً دور البطولة الذى يقوم به غيرها وهى من فرط متابعتها لهذا الدور أعجبها حتى تقمصت كل إشارة بل كل همسة وكل كلمة وكل نظرة بل وكل خطأ وخطيئة ارتكبها نظام قد لفظه الشعب وسقط بإرادته ورغبته فإذا بها قد أصبحت فجأة تقوم بهذا الدور الذى حفظته عن ظهر قلب، وبدأت فى أدائه دون أى تعديل أو تغيير ودون حتى مجرد التفاتة إلى الجمهور الذى سئم هذا الدور وهذا الأداء ولم تنظر أو تستمع إلى هؤلاء وهم يطلقون صافرات الاستهجان، والكف عن هذا الأداء الذى هو نسخة مقلدة سقيمة وسخيفة ومكررة ومنكرة، ولكن يبدو أن طول التعامل مع واقع الماضى المستمر جعلها بجميع قياداتها لا تستطيع أن تقوم سوى بدور الضحية أو الجلاد، وأنها قد قامت كثيراً بدور الضحية فآن الأوان أن تقوم بدور الجلاد وهى تعلم تماماً كم الضربات وحجمها ونوعها وآثارها التى ما زالت تعانى منها حتى الآن، وبدأت الجماعة فى تنفيذ مخططها لمصر دون أدنى التفاتة لهذا الشعب أو رغباته ودون أن تقدم له ما يشفع لها فيما تريد القيام به فلم تقدم أى شىء يذكر فى كل المجالات ولم يستطع مواطن واحد فى هذا الوطن أن يتذكر شيئاً تم عمله منذ أحكمت هذه الجماعة قبضتها على هذا الوطن سوى استمرار المشاكل، وتمكنها فلم نر إلى الآن قانوناً يكافح الفساد الذى استشرى فى البلاد فى كل مناحى الحياة ضارباً عرض الحائط بكل ما تملكه الدولة من سلطات لمكافحته، ولم نشعر بتوجه حقيقى للجماعة الحاكمة تلك لمكافحة هذا الفساد، وكأن أفرادها يعيشون منعزلين عن هذا المجتمع فهم إما لا يرونه ولا يشعرون به وتلك مصيبة كبرى، وإما أنهم يتعايشون معه لأنهم لا يعانون منه لأن مصالحهم تنقضى لمجرد عضويتهم وانتسابهم للجماعة وحزبها وتلك مصيبة أكبر وأفدح وأريناكم المشاكل الأخرى، ومنها على سبيل المثال لا الحصر مشكلة القطارات وحوادثها وآخرها قطار البدرشين الذى حصد أرواح جنود مصر الشهداء لا لشىء سوى للاستهتار بأرواح أبنائنا والتعامل معهم بشكل عددى وكأن البشر فى هذا الوطن قد تحولوا فقط إلى أرقام يسهل جمعها وطرحها وقسمتها وضربها وسحلها وتمزيقها وتخويفها وقمعها وانتهاك كرامتها، وكأنه قد كتب علينا أن نعانى من الاستبداد إلى الأبد، وكأن تلك المنطقة من العالم يطلق عليها منطقة الاستبداد والتخلف الحضارى، وحتى حينما قمنا بثورتنا العظيمة فى يناير 2011 وطالبنا بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، وهى معان مجسدة لكل أحلام وطموحات هذا الشعب تجد الجماعة الحاكمة الآن أن ذلك كثير علينا فلا حق لنا فيه، فهى سوف تحدد لنا ما نستحق ما تراه وما ستعطيه لنا وفق هواها، وعلينا أن نقبل بذلك وإلا فالويل كل الويل لمن تسول له نفسه الاعتراض عليها فكل شىء جاهز للإجهاز على المعارضين من بلاغات سواء من مؤسسة الرئاسة أو من أفراد عاديين منتمين لها أو شيوخ لا يصح أن يطلق عليهم هذا التعبير يقومون بالمطلوب وأكثر من إطلاق الشتائم والقذائف الكلامية التى تكفر وتلعن وتهدر دماء من يخالف والواقع أن الجماعة قد أجادت دورها الجديد فى هذا المسرح العبثى، وأضافت إليه الكثير مما لم يقم به النظام المخلوع وتتصرف فى كل شىء بما يخدم مصالحها فقط، وكأنها قد اختزلت هذا الوطن فيها فأصبحت مصر المرشد بدلاً من مصر مبارك سابقاً، وأصبح ذلك العنوان أو الاسم الجديد لها وأبرز دليل على ذلك هو مواد قانون انتخابات مجلس النواب الجديد، وما تم فيه وما يشهده من مناقشات تمكن للجماعة وحزبها من السيطرة على مفاصل هذا الوطن، ولكن هذه الجماعة لا تدرك أن بهذا الوطن من المواطنين الشرفاء الذين لا يرضون ما يتعرض لها من أزمات ويدركون المخطط الذى تقوم به هذه الجماعة وأبعاده وتفاصيله، وأنهم لن يتركوا لها المشهد بكامله تتصرف كيفما تشاء، وأن هذا الشعب الذى خلع نظاماً غاشماً مستبداً متغطرساً بوهم القوة المطلقة يستطيع أن يفعل ما يشاء وأن يسترد ثورته التى تم اختطافها، وخرجت عن مسارها وأن يصحح هذا المسار، وأن يحقق مطالبه فى العيش الكريم والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، وهى مطالب تتطابق مع كل ما أتت به الشريعة الإسلامية العظيمة من قيم ومبادئ أنارت هذا العالم فى أوقات الظلمات الكثيرة التى أحاطت به وسوف تبقى بإذن الله تضىء العالم بمفاهيم، وقيم التسامح والحرية والإخاء والعدالة فى أسمى صورها، وسوف تحقق أيضاً ثورتنا الجميلة مردودها فى النهاية مهما حاولت جماعة أو فئة أن تضلل هذا الشعب فهذا الشعب أذكى كثيراً مما يعتقدون وأسبق بخطوات من حكامه ونخبه، وأنه يصبر قليلاً ويتمهل ولكن إذا أخذ قراراً وخرج فلن يقف فى طريقه شىء، وأختم مقالى بهذا الدعاء الذى أعجبنى كثيراً وهو "اللهم إنا نعوذ بك من كل جبار عنيد ورئيس مريد وقضاء شديد وسيد غير سديد ومرشد غير رشيد يا قريب غير بعيد يا حميد يا مجيد".