
وقعت الكارثة فى البدرشين واستقبلناها بما تستحق من صراخ وعويل وإدانات، مثلما استقبلنا الكوارث التى سبقتها فى البدرشين 1992 والإسكندرية 1999 والعياط 2002 وقليوب2006 والقاهرة 2007 بنفس العويل والصراخ والإدانات ولجان التحقيق التى تصدر تقارير يتم حفظها فى الأدراج، بينما تواصل القطارات المتهالكة نقل المواطنين إلى مثواهم الأخير وكأنها عربات لنقل الموتى، أو وسيلة العقاب المفروض على المصريين التعساء الفقراء الذين نسميهم تجاوزا " البسطاء".

رئيس الحكومة تبرع بالدم لصالح مصابى البدرشين، وظهر فى الجرائد الحكومية وعلى وجهه أمارات الحزن والتعاطف مع الضحايا، وفى أول اجتماع للحكومة وقف دقيقة حدادا على أرواحهم، وكأن المطلوب منه باعتباره رئيس الوزراء تماما مثل المطلوب من أى مواطن عادى لا يحمل عبء رئاسة وزراء مصر.

الوزراء المعنيون بالكارثة من قريب أو بعيد، أعادوا تكرار الكلام المحفوظ عن تهالك شبكة خطوط السكك الحديدية والعربات والجرارات وكأنهم لم يكتشفوا ذلك إلا بالأمس فقط، وحتى عندما قررت الحكومة تخصيص خمسمائة مليون جنيه تقريبا لصيانة الجرارات والعربات، حسب طلب وزير النقل، لم يبد واضحا أن أوجه صرف هذه الأموال يمكن أن تمنع وقوع " بدرشين جديدة"، ما دامت قطارات الضواحى تسوق المواطنين أمامها وفوقها وعلى جنباتها مثل عربات حمل القمامة فى شوارعنا التى تسير بينما تتساقط منها الزجاجات الفارغة والبقايا.

كنت أظن أن أول شىء يفعله الرئيس ورئيس الحكومة هو اعتبار مجلس الوزراء فى حالة انعقاد دائم، وتشكيل لجنة طوارئ لإعادة تخطيط وهيكلة السكك الحديدية من حيث قطاعاتها وإمكاناتها المادية والبشرية وطريقة إدارتها، ومسئولية كل محافظة فى صيانة وتحديث البنية الأساسية لخطوط السكك الحديدية، على أن يتم إعلان المدى الزمنى لهذه الخطة للمواطنين، لكن أيا من ذلك لم يحدث ومازالت القطارات تتهادى على القضبان وهى تحمل المواطنين بينما لسان حالهم يردد المثل العامى "إيه اللى رماك على المر قال الأمر منه".





























