حالة من القلق أصابت المصريين عقب الحديث عن تدهور الوضع الاقتصادى الذى بدأ بتوابع صدور قرار رفع الضرائب على أكثر من 50 سلعة من قبل الرئيس محمد مرسى فى توقيت يعانى منه الشعب من أعباء اقتصادية لم يشهد لها مثيل، كان لها ما يبررها، حيث إن رد الفعل ذلك دفع المفاوضات مع صندوق النقد إلى حافة الرفض، ورغم إصرار الحكومة على عودة التفاوض مع الصندوق، إلا أنها تتناسى أن الضرائب كانت البداية فقط.
وبقراءة البرنامج الإصلاحى والاجتماعى التى أعدته حكومة "هشام قنديل" هناك ثلاث كوارث خفية تم إدراجها فى طيات البرنامج المقدم لصندوق النقد الدولى، والتى تتلخص فى تخفيض الاستثمارات العامة فى البنية الأساسية، تحرير سعر صرف الجنيه المصرى، وإخضاعه لسياسة العرض والطلب، وعدم تدخل البنك المركزى فى ذلك، وبدأ فعليا فى الأيام الأخيرة بتخفيض قيمة الجنيه أمام الدولار ليصل إلى معدل 6.41 جنيه مقابل الدولار، حتى كتابة هذه السطور، وأخيرا- وهو الأهم- تشجيع شركات قطاع العمال إلى الخصخصة.
وتغفل الحكومة عن ردود الفعل المتوقعة تجاه هذه الخطوات الثلاث، رغم أن خبراء اقتصاد اعتبروا أن الغضب المجتمعى الذى سيعقب تطبيق واحدة من هذه الخطوات الثلاث سيضاهى وبلا شك ردود الفعل المصاحبة عن الإعلانات الضريبية.
ووضعت الحكومة برنامجا اقتصاديا طويل المدى تسعى من خلاله إلى تحقيق متوسط نمو يصل إلى 7%، وتسعى خلال العام المالى الجارى وفقا لبرنامجها أيضا إلى تحقيق معدل للنمو يصل إلى 3.5% و4% خلال العام المالى المقبل، ويتضمن تحقيق هذا النمو سد فجوة تمويلية تصل إلى 14.5 مليار دولار على مدار العامين الماليين الحالى والمقبل.
وأكد خبراء الاقتصاد أن نص البرنامج الإصلاحى الاقتصادى والاجتماعى للحكومة، غير واضح وبه بنود كثيرة غير مفسرة بشكل دقيق خصوصًا المتعلقة بإجراءات لزيادة موارد الدولة لدعم الأهداف الاقتصادية والاجتماعية، مشيرين إلى أن الحكومة الحالية مرتبكة، وتعمل بعيدا عن الحوار المجتمعى.
وفيما يخص تحرير سعر الجنيه المصرى وإخضاعه لسياسة العرض والطلب وعدم تدخل البنك المركزى فى ذلك، فقد بدأت بوادر ذلك بالفعل، وفجرت الحكومة أول لغم من الألغام الاقتصادية الثلاثة، وربطته بالتطورات السياسية، وارتفع سعر الدولار مقابل الجنيه لأكثر من 50 قرشا فى أقل من أسبوع تقريبا، ويواصل الارتفاع أمام الجنيه، ويعنى تخفيض قيمة العملة ارتفاع أسعار الواردات من الغذاء والسلع المختلفة، وارتفاع تكلفة الوقود والإنتاج الصناعى المحلى، لتكون النتيجة اشتعال المستوى العام للأسعار وارتفاع معدلات التضخم. وتصبح مهمة السياسة النقدية هى العمل على تخفيض تلك المعدلات باتباع سياسة انكماشية تترجم فى ارتفاع تكلفة التمويل للمشروعات المختلفة.
وحذر الخبير الاقتصادى دكتور سمير طوبار الحكومة المصرية من الإقدام على خفض سعر الجنيه المصرى، تنفيذاً لشروط صندوق "النقد الدولى" للموافقة على تمرير القرض الدولى البالغ قيمته 4.8 مليارات دولار لمصر، لما له من عواقب كارثية خطيرة على الاقتصاد.
وقال إن خفض الجنيه المصرى سيكون له مردود سلبى على الاقتصاد، كما سيضر كثيراً بمحدودى الدخل ويزيد من ارتفاع الأسعار بشكل لا يمكن السيطرة عليه، وهو ما ينتج عنه انفجار فى معدلات التضخم، كما سيكون له مخاطر كبيرة على مستقبل الاستثمار فى مصر.
وتأتى نقطة تخفيض الاستثمارات الحكومية فى البنية الأساسية وكذلك فى الصحة والتعليم كشكل طبيعى لسياسات صندوق النقد الدولى، لأنه كعادة البرامج المبرمة مع صندوق النقد الدولى، تتطلب مجموعة من السياسات التقشفية التى تنصب آثارها بالدرجة الأولى على الفقراء والفئات محدودة الدخل.
ولعل الخطوة التى ستكون أكثر حرجا للحكومة فى تنفيذه لبرنامج الإصلاح الاقتصادى، هى أن البرنامج يركز على خصخصة المرافق العامة ممثلة فى الشراكة بين القطاعين العام والخاص فى مجالات مياه الشرب والطرق والصحة وإعادة تدوير المخلفات الصلبة، وخلاصة تلك السياسات جميعها، هى اشتعال أسعار المنتجات النهائية، وأسعار الخدمات الأساسية التى تتم خصخصتها وارتفاع تكلفة الإنتاج نتيجة ارتفاع أسعار الوقود ومستلزمات الإنتاج وتكلفة التمويل، بما لذلك من آثار سلبية على معدلات التشغيل، وبالتالى تصاعد معدلات البطالة.
واعتبر الخبير الاقتصادى دكتور إبراهيم العيسوى، مستشار معهد التخطيط القومى، أن مغزى التعامل الحكومى مع البرنامج يكشف وجود تفاصيل فى الاتفاق المبرم مع صندوق النقد ما تريد حكومة الدكتور هشام قنديل أن لا يعلمه أحد سواها، حيث لم تعلن عن تفاصيل البرنامج سوى مجرد عناوين على شاكلة الدفع بمعدلات النمو وتطبيق أطر الحوكمة ومحاربة الفساد، وكذلك توجيه الدعم لمستحقيه.
ويرى العيسوى أن أخطر النقاط هى اتجاه خصخصة شركات الأعمال، والتى عانينا منها على مدار سنوات طويلة مع النظام السابق، والآن نعود إليها بإرادتنا رضوخا لإرادة النقد الدولى، لأنه وفقا لسياسة الصندوق فيرى أن الشركات لابد أن تباع للقطاع الخاص كى تقلل الدولة الأعباء عنها مما يقلل من عجز الموازنة.
بعد أزمة الجنيه..
الحكومة تستعد لمعركة الخصخصة ببرنامجها الإصلاحى المقدم لصندوق النقد
الأربعاء، 16 يناير 2013 11:29 ص
وزير التخطيط أشرف العربى
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
Ahmed-Aswan
حكومة فشنك