وائل السمرى يكتب: "مرة عسكرى خد أجازة مات"

الثلاثاء، 15 يناير 2013 06:11 م
وائل السمرى يكتب: "مرة عسكرى خد أجازة مات" صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
قالوا قديما: كتر الحزن يعلم البكا، لكنهم لم يقولوا إن الأحزان المتكررة تجعل الدمع عزيزا، والصدمة عادية، والشعور متبلدا، كما تجعل الحزن عادة، والكآبة طابعا، والتشاؤم منهجا، فكان لزاما علينا أن نعيش فى هذا الزمن الأعوج لنعرف ونتعلم ونموت كل يوم حسرة وغما وكمدا قبل أن نموت ضحية الأمواج المتلاطمة أو القضبان القاسية أو الأسلفت الأسود أو الخرطوش الموجه، فالقاتل واحد، والمقتول واحد، ولا أرى فرقا يذكر بين قتل جنود دهشور، وقتل جنود رفح، أو قتل أطفال أسيوط، وقتل صيادى مطروح، لا شيء جديد.. جثث أخرى ونزيف آخر وأوجاع أخرى وعزاء بعد عزاء بعد عزاء حتى تحول الوطن إلى مأتم كبير، فتجرعوا الغم واعصروا أعينكم دمعا ومصمصوا الغصة وفيضوا صراخا.. فالكل باطل ما عدا "الشعب يريد إسقاط النظام".

لا تنتظر جديدا، وكل شىء كما كان وأسوأ، كل شىء مازال يحمل تلك البصمات النجسة لضمائر ماتت، وقلوب خويت، وعقول نضبت، كل شىء على حالة، ولو أتى مبارك ليحكمنا مرة ثانية فسيجد كل شىء "بحطة إيدة" الفساد على حاله، والإهمال على حاله، ونهب الوطن على حاله، والقمع على حاله، والموت على حاله، والعلاقات التربيطات على حالها، ومرتزقة العهد القديم هم نفس مرتزقة العهد الجديد، ولا شىء تغير إلا نقصان فى الاحتياطى الاستراتيجى النقدى وزيادة فى سعر الدولار، وتضخم بقلب الوطن وإحباط مضاعف فى وجدان "الورد اللى فتح فى جناين مصر".

لا شىء تغير، سوى نكتنا إلى كان نفتتحها بـ"مرة واحد" ثم نختتمها بضحكة ممتدة، فأصبحت تبدأ بنفس الكلمة "مرة واحد" ثم يأس عميق، وإليك النماذج: مرة واحد راح مظاهرة مات، مرة واحد راح يشجع مات، مرة واحد ركب عبارة مات، مرة واحد راح يصطاد مات، مرة واحد خالد السيبر مات، مرة الحسينى راح يصور مات، مرة طفل راح المدرسة مات، مرة جندى أخد إجازة مات، كله "مات.. مات.. مات" وليس هناك سوى الحيرة بين الاختيارات.

لا تنخدع بالزيارات السريعة لرئيس الحكومة، ولا حفنة الدم التى تبرع بها ليقنعنا بأنه "عنده دم"، ولا تأبه لتلك التحركات الآلية لفريق النيابة وتوجيه الاتهام للسائق أو للعامل أو للناظر أو للوزير، فماذا يفعل السائق إذا كان يقود قطاره وهو يعلم أنه خارج نطاق الخدمة، وما ذنب عامل فى قطار انحرف عن مساره أو سيارة مسرعة اخترقت المزلقان، وما ذنب شعب يدفع من قوته كل يوم مليارات مهدرة نتيجة سوء التخطيط وسوء الإدارة وفقر فى الخيال الخلاق وأنيميا حادة فى الوطنية والشفافية؟

لا تسأل عن عقاب أحد، ولا تنتظر صلاح شىء، لو كان قتلة المتظاهرين عوقبوا لعرف كل مسئول "إن الله حق" ولراعى كل واحد ضميره فى عمله، ولعمل كل وزير على إصلاح وزارته، فالقتلة عندنا يكرمون ويمنحون القلائل الغالية، والقتلة عندنا يترقون ويصبحون وزراء ومستشارين، والقتلة عندنا يفوزون فى الانتخابات ويصبحون نوابا ورؤساء، والقتلة عندنا يوقرون ويصبحون إعلاميين وشيوخا وقادة أحزاب، والقتلة عندنا يحكمون بلدا من المقتولين.

تحقيقات بعدها تحقيقات أسفلها تحقيقات أعلاها تحقيقات وعلى جوانبها تحقيقات وفى هوامشها تحقيقات، ثم يعقبها لجان "دفن" نسميها عندنا "تقصى الحقائق" ثم ماذا؟ ثم يموت الموضوع بمجرد ما أن تمر بعضه أيام على حدوثه، وتصبح أيامنا وأوجاعنا فقرة فى توك شو، يعقبها فاصل يقوم فيه الحاكم بتقبيل الشعب واحتضانه وهدهدته وتهشيكه لنصحو من موجة الدلع الرئاسى الفارغ على فقرة أخرى يعقبها فاصل آخر، ولا أحد يعترف بأن المسئولية الملقاة على العمال الذين تسببوا فى الحادث يتحملها المهندسون الذين لا يقومون بواجبهم فى الصيانة، ولا أحد يعترف بأن المسئولية الملقاة على المهندسين يتحملها مديرهم الذى لا يوفر لهم الإمكانيات اللازمة للقيام بواجبهم، ولا أحد يعترف بأن المسئولية الملقاة على المدير يتحملها الوزير الذى لا يعرف معنى التخطيط ولا يهتم إلا بتربية ذقنه ليرضى عنه الرئيس، ولا أحد يعترف بأن المسئولية الملقاة على الوزير يتحملها ذلك الرئيس الذى أهمل واجبه فى "تمتين" مفاصل الدولة. وتفرغ " لتمكين" الجماعة

لا أعرف ماذا قالت قناة (مصر 25) تعليقا على هذا الحادث، ولا أعرف أيضا كيف عالجته جريدة الحرية والعدالة، لكنى لن أتعجب لو رأيتهم يبرزون صورة تبرع قنديل بالدم وبالطبع سيتجاهلون أن سيادته أدى واجب العزاء للقوات المسلحة بينما الشهداء والمصابون جنود فى وزارة الداخلية، كما أنى لن أتعجب لو أنهم أبرزوا صورة الرئيس المغوار محمد مرسى وهو يمتطى صهوة طائرته ويهبط أعلى مستشفى القوات المسلحة بعد الهنا بسنة، متجاهلين أن المصابين هم من كانوا أولى بالطائرة وليس دونهم، كما أننى لن أندهش لو أنهم أنكروا أن هناك مصابين وموتى، لأنهم قالوا قبل ذلك فى قناة (مصر 25) أن حكومة مرسى أنقذت صيادى مطروح الغرقى، وهللوا وكبروا وتغنوا بأمجاد السيد الرئيس، وأقاموا الأفراح وعقدوا المقارنات بين العبارة الغارقة فى عصر مبارك والمركب الغارق فى عصر مرسى، ثم بعد ذلك فوجئنا بأن الصيادين ماتوا فى عرض البحر، وأن الجثث تآكلت ولم تنج منها إلا جثة واحدة لفظتها الأمواج إلى الشاطئ!!

لا تسأل عن المسئولية، ولا تسأل عن الدولة، فالحكومة ورئيسها ورئيس رئيسها لا يتحملون مسئولية شىء، الا تمكين الجماعة ولا يعترفون أصلا بالدولة لأنهم كائنات عشوائية لا ينظم تحركاتها قانون ولا ترسم مستقبلها خطة، فالحكومة التى لا تحاكم على هدم أثر مثل "مدش مرزا" والاعتداء على هرم دهشور لا تسألها عن موت وإصابة عشرات الشباب والأطفال فى قطار، فهى قد أتت لتهدم الماضى وتسرق الحاضر وتقتل المستقبل، فتعالوا نمضغ معا تلك أبيات الأبنودى التى استشهدت بها فى مقالى عن خالد سعيد فى يونيو 2010، مستشعرين مرارتها المتجددة وفاجعتها الحاضرة ولونها الكابى الذى يغشى الوجوه.

مأساتنا.. إن الخونة.. بيموتوا
بدون عقاب ولا قصاص..
مأساتنا..
إن الخونة بيموتوا.. وخلاص.
بدون مشانق فى الساحات..
ولا رصاص.

وتعالوا نردد معا

مصر اللى لا لحظة ولا صدفة.

ثورة ف ضمير النور.. بتتكون.

رايات. بدم البسطا.. تتلون..

سدوا الطريق..كيف المؤامرة تموت؟

"فلتسقط الخيانة..

والقيادات الجبانة

ندّاغة الإهانة

كريهة الريحة

كريهة الصوت






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة