ننشر نص مذكرة القاضى المصرى المستبعد من الإمارات المقدمة لوزير العدل

الثلاثاء، 15 يناير 2013 06:27 م
ننشر نص مذكرة القاضى المصرى المستبعد من الإمارات المقدمة لوزير العدل المستشار أحمد مكى وزير العدل
كتب أحمد متولى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ينشر "اليوم السابع" نص المذكرة، التى حررها المستشار فؤاد راشد، رئيس محكمة استئناف القاهرة السابق، المقدمة للمستشار أحمد مكى، وزير العدل، والتى تناول فيها شرح أزمة إنهاء إعارته كقاضٍ بإمارة رأس الخيمة بدولة الإمارات، والطريقة التى تعاملت بها السلطات الإماراتية معه.

صدر قرار جمهورى بإعارتى إلى حكومة رأس الخيمة اعتبارا من الثانى عشر من يناير 2010 لمدة عام بناء على طلب من حكومة رأس الخيمة، وقد جددت الإعارة بقرارات جمهورية بناء على طلب الإمارة، وكان آخرها قد صدر عن المشير حسين طنطاوى، رئيس المجلس العسكرى الحاكم بعد الثورة، وبموجبه مد إعارتى إلى الثانى عشر من يناير 2014.

وقد تلقانى المسئولون بالإمارة بروح طيبة من لحظة وصولى وظلت علاقتى بهم طيبة حتى لحظة رحيلى..

فوجئت فى يوم العاشر من ديسمبر من العام الماضى باتصال هاتفى من معالى الشيخ أحمد الخاطرى، رئيس دائرة محاكم رأس الخيمة، ليبلغنى بأسى أن هناك من أنهى إعارتى، قال لى ( لقد أنهوا إعارتك ) فرددت تلقائيا قائلا (عادى عادى).

بعد قليل التقى الشيخ أحمد مع مجموعة من القضاة المصريين من بينهم السيد المستشار أحمد صابر، زميلى فى الدائرة، وقد عادوا ومعهم صورة من القرار الموجه من دائرة الخدمة المدنية إلى دائرة المحاكم ويبدأ بديباجة تقول (بناء على توجيهات عليا وعلى موافقة صاحب السمو حاكم الإمارة) وهى ديباجة تقطع بأن قرار إنهاء الإعارة صدر من رئاسة الدولة فى أبو ظبى باعتبار أنه ليس فى الإمارة من يسبق فى الترتيب حاكمها وأن الحاكم وافق على التوجيهات العليا، وعلى أى حال فقد صار ذلك أمرا شائعا مسلما به من الجميع بدءا من سمو الشيخ سعود بن صقر حاكم الإمارة وانتهاء بالقضاة مصريين وإماراتيين.

كان القرار مؤرخا 10 / 12 / 2012..

فى اليوم التالى أخبرتنى شخصية محترمة نافذة(أستعفى من ذكر الاسم دفعا للحرج) أن قرار رحيلى وراءه أسباب تعود إلى مساهماتى وكتاباتى فى شأن بلدى واستنكارى التفرقة بين القضاة الإماراتيين والعرب فى الراتب، وقالت لى الشخصية نفسها إن كلمة (ثورى) مرفوضة فى الإمارات حتى ولو كان مثلك لاينتمى إلى أى فصيل سياسى..
وكلا الأمرين صحيح بالفعل، سواء مساهماتى أو تنديدى بالتفرقة.

وقد صار شائعا بين الجميع مصريين وغير مصريين أننى رحلت لممارسة حقى فى إبداء الرأى..

لما ذاع خبر القرار، وراحت الانتقادات تتوالى بأن الأمر محرج للإمارة لأنه يتحدث عن قرار يمس صميم ما تستقل به آتيا فرضا من أبو ظبى، باعتبار أن قضاء رأس الخيمة محلى يخص الإمارة وحدها ولاصلة به للدولة، فقد جرت محاولة ترميم لتلك الصورة فاجتمع مجلس القضاء الأعلى بالإمارة بعد ثمانية أيام، أى بتاريخ 18/12/2012، وقرر انتهاء إعارتى اعتبارا من 12 يناير 2013 وتوجيه الشكر لى وصرف راتب أربعة شهور فوق مستحقاتى..
بدأت بعد ذلك إجراءات إنهاء إقامتى تمهيدا لصرف مستحقاتى ورحيلى..

تولى الشيخ أحمد الخاطرى بتوجيه نبيل من سمو الشيخ سعود بن صقر ترتيب كل أمورى وقام الشيخ أحمد بنفسه بالتوجه إلى بعض الجهات وأنفق من ماله الخاص ما تعلق برسوم مالية لإنهاء بعض الإجراءات ورفض أن أسدده له ما أدى..

أخذ أحد الموظفين جواز سفرى لإنهاء الإقامة كالمعتاد، ولكنه عاد وقال لى إن إنهاء إقامتك يحتاج إلى إجراء غير مألوف وهو التقاط صور وأخذ بصمات للعينين، وأنه تم رفض إنهاء الإقامة إلا بعد هذا الإجراء.

وتحدث الشيخ أحمد الخاطرى مع سمو الشيخ سعود عن الإجراء الاستثنائى فغضب وطلب إليه ألا يفاتحنى فى أمر اعتبره مهينا وغير لائق فى معاملتى، وانتظرنا يومين حتى بدأ أن الأمر قدر مقدور لا فكاك منه، ومر الشيخ أحمد على بمسكنى وصحبنى إلى الجوازات حيث وقفت لالتقاط بصمات لعيناى.

ملاحظة: بصمات العيون إجراء روتينى لكل الداخلين إلى الدولة فى المطار لكن لا تؤخذ بصمات العيون بشكل إدارى داخل مصلحة الجوازات إلا للخارجين على القانون ممن يرحلون بلا عودة ولا تقبل الدولة دخولهم مرة أخرى، باعتبار أن ذلك ضمان لعدم دخولهم متنكرين فى أسماء أخرى.

تجرعت الشعور المرير وكظمت غيظى ولم أقل شيئا باعتبار أن كل تصرف أو كلمة تصدر عنى سوف تشيع بين الجميع، وكنت حريصا على أن تصل رسالة إلى الجميع مؤداها أن رحيلى فى ذاته أمر لا أقف عنده، وكنت أخشى أن يبدو غضبى فى أمر ما فيفهم – خطأ – وكأننى غاضب لمبدأ الرحيل.

وفى أحد الأيام طلبنى هاتفيا من سألنى هل أنا فؤاد راشد، فقلت نعم قال متى ترحل، قلت من أنت فقال إنه من الأمن، وأنه ليس ضابطا وهو مكلف بتتبعى حتى أرحل، فقلت له إن عملى لديهم لايزال ممتدا حتى يوم 12 يناير، وأننى أرحل الخميس 10 يناير فرد مطالبا إياى بسرعة الرحيل، قلت له إن إقامتى نفسها مازالت ممتدة إلى 15 يناير 2013، فقال (أنت غير) وكلمة غير تعنى أن وضعى مختلف عن غيرى، فقلت له أنا لم أجئ إلى بلدكم لاجئا ولا طريدا بل إن بلدك هو من طلبتنى وأنى أنهى إجراءاتى وفور إنهائها فأنا راحل وتلك أمنيتى دون طلب منكم.

توجهت إلى الشيخ أحمد الخاطرى غاضبًا وقلت له لقد أهنت من قبل يوم بصمة العين وحكيت له ماحدث وقلت إن لحظة انفجارى لم تعد بعيدة، وقد غضب الرجل وقال تعال بنا إلى سمو الشيخ سعود.

توجهنا معا إلى قصر الإمارة والتقينا سمو الشيخ سعود، وقلت لسموه هل يليق وضعى أمام كاميرا لأخذ بصمة عيناى كما يفعل مع الخارجين على القانون؟ فقال فى تلقائية (أوفففففففف)، وقلت لسموه إننى رجل عزيز فى أهلى، عزيز على بلدى، ولايليق أن أعامل معاملة خارج على القانون، وأكمل الشيخ أحمد وروى قصة من اتصل وطلب إلى سرعة الرحيل، وقد أبدى سمو الشيخ غضبه الشديد ووعد بالتصرف وانصرفنا.

فى الطريق تلقى الشيخ أحمد اتصالا هاتفيا وبعد نهايته قال لى إن سمو الشيخ طلب أن يستقبلنا فى قصر الإمارة بعد صلاة العصر.

فى الموعد المحدد مر على الشيخ أحمد وذهبنا معا إلى قصر الإمارة وأمضينا نحو خمس وأربعين دقيقة مع سمو الشيخ الذى تفضل– كريما – بالاعتذار لى، قال بالنص (حقك على، نحن أهلك وأخطأنا فى حقك)، ثم وعدنى بالزيارة فى مصر.

بعد ذلك تتالت الإجراءات وطلب إلى الشيخ أحمد بأسلوب كريم أن أعود إلى بلدى دون تقيد بموعد انتهاء المدة المحددة فى العقد وفعلا قمت بالحجز للسفر، كنت أعلم أن وجودى أمر ضاغط عليه وعلى الإمارة خشية أن أتعرض لإجراء ما من قبل الدولة نفسها.

كانت رغبة سمو الشيخ سعود، وقد أبداها واضحة أن أسافر من مطار رأس الخيمة لأننى قلت إن الأمن فى أى مطار آخر ربما تجاوز معى وأن رد فعلى ربما زاد الأمور تعقيدا، وتم الحجز فعلا على طيران رأس الخيمة إلى مطار القاهرة الدولى.

قام الشيخ أحمد الخاطرى– مشكورا– بعمل وليمة بدعوة رسمية موقعة منه ومختومة بخاتم دائرة المحاكم تكريما لى وجاء فى الدعوة نصًا أنها (على شرف المستشار فؤاد راشد).

وقد وقف معى الشيخ أحمد وزملائى من القضاة المصريين موقفا بالغ الكرم وكانوا معى جميعا حتى قرب باب الطائرة، ولم يغادر الشيخ أحمد المطار إلا بعد إقلاع الطائرة متجهة إلى القاهرة.
معالى السيد المستشار وزير العدل..
أرجو أن تأذنوا لى بملاحظات:

أولا: إن قرار رحيلى جاء من سلطة الدولة وليس من الإمارة التى أعرت إليها، وأن القرار يعود إلى ممارسة حقى فى إبداء الرأى، وهو ما أستأذنكم فى طرحه على كل المنظمات الدولية المعنية سواء بالشأن القضائى أو بالحق فى حرية التعبير عن الرأى، كما جاء القرار فى شكل مهين وقرأت اسمى ومعه عبارات من عينة (يجرى إشعار المذكور بكذا وكذا).
ثانيا: إن إنهاء الإعارة تم بشكل استعلائى، وهو ما كان محل استنكار الجميع وقد نقل إلى مباشرة عن سمو الشيخ سعود استنكاره لتلك الطريقة.

ثالثا: إن من المسلم من جميع المعنيين فى الإمارة أن سمو الشيخ سعود عارض فى قرار رحيلى وأن القرار جاء فرضا من أبو ظبى وأن سموه يرى أنه كانت هناك طرق أكرم من تلك الطريقة، ولما جلست إلى سمو الشيخ سعود عبر لى بفطنة عن انعدام صلته بالقرار، حيث تحدث عن مناخ الثورات وحالة الاضطراب ومانحوها كتبرير للسياق، الذى أنهيت فيه إعارتى.


رابعا: إن هناك فارقا بين الكبر والكبرياء، وأن كبرياء القاضى وعزته وشموخه تأبى أن يعامل معاملة الخارجين على القانون، كما جرى فى أخذ بصمات عيناى وتولى جندى من الأمن أمر ملاحقتى حتى أرحل.

ملاحظة: هاتفنى سعادة السفير المصرى فى دولة الإمارات الشقيقة، وعلمت أن السفارة تتابع الأمر من بداياته وكنت فهمت أن خارجية الإمارات أبلغت السفارة بما تعلق بى.

ولكن بقيت أمور:

أولا: نحن نعار إلى الإمارات الشقيقة وغير الإمارات لحاجة الدول إلينا ولسنا متطفلين على أحد ولا نحن فى موقف من يتعين عليه قبول الإهانة والصمت حيالها.


ثانيا: أطلب إلى معاليكم ترتيب آلية مع الدول التى يعار إليها القضاة لكيفية التعامل مع القاضى حال إنهاء إعارته، وهناك طرق كريمة عديدة تبقى للقاضى كرامته الشخصية وكرامته كقاض كأن تتولى وزارة العدل أمر ترتيب عودته دون أن يتعرض لمضايقات ومعاملات كريهة.

ثالثا: أعتقد أنه آن الأوان لوقفة مع الأشقاء بشأن مسألة التفرقة فى المعاملة المالية على نحو لا يليق بين القاضى المصرى، الذى يذهب قاضيا ومعلما وبين القاضى غير المصرى فى الدول التى يعار إليها قضاة مصريون، وتذكرون معاليكم أننى سبق أن عرضت عليكم ذلك الأمر لما كنتم عضوا بمجلس القضاء الأعلى.

رابعا: إننى أترك لكم تقدير اتخاذ الإجراءات اللازمة بشأن حقى إزاء المعاملة غير اللائقة بكرامتى كقاض على النحو متقدم الذكر.

وتقبلوا وافر التحية والتقدير
التوقيع/ فؤاد راشد
الرئيس بمحكمة استئناف القاهرة
13 يناير 2013





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة