حسين جلبانة

عن سيناء المنسية

الثلاثاء، 15 يناير 2013 07:16 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
سعدت كثيراً حينما طلب منى الأستاذ خالد صلاح رئيس التحرير أن أكتب مقال رأى أعبر فيه عن أحلام وطموحات الشباب السيناوى، وخاصة الثورى منه والذى أدعى وأفخر بانتمائى إليه وعن أحلام سيناء وهمومها من أرض الواقع والتى لازالت مستمرة بعد ثورة أصابها العطب وكونى تجاوزت هذه المشاعر التى كنت كشاب أطمح لما يطمح إليه الكثير من جيلى ربما لحبى للكتابة التى ساعدتنى كثيراً كما أحب أن أبدو "يافعا طامحا محب لوطنى".

فما يجول فى خاطرى يراه من حولى فيعرفون من خلال كتاباتى ما أصبو إليه، وما هى هويتى وتجاوزاتى لمشاعر السعادة، ربما هو فى باب أن راعنى هول ما ينتظرنى وما كنت أتخيله لوهلة أثناء نشوء السعادة أنه تعبير عنى وخواطر تخص شخصى وكأننى كنت نسيت أننى شاب من آلاف الشباب الذى عانى ربما أكثر أو أقل، ولكن هو مسلسل حياتى يومياً لمن هم يشاركونى نفس أحلامى العمرية وطموحاتى الثورية، حينها عرفت أننى مقبل على ما لم أضعه فى أبشع كوابيسى وأحلامى. أى تعبير عن الحياة والمعاناة هذا الذى أريده وكيف للكلمات أن تترجم هذه المشاعر؟ وما الذى عانيته مقارنة بمن يسكنون مدن وقرى حدودية والتى لا أصل للحياة فيها إلا بواقع الفرض ودافع الوجود.

حين تولد فى مناخ كل الظروف المناخية والحياتية والجغرافية وربما السياسية ضدك، فأنت إذاً ولدت مناضلاً بالفطرة. أن تختبر فى وطنيتك مراراً وأنت طفل وتدافع عن هويتك وتحارب ليعترف بك وطنك. أن تخرج للحياة لتدرس بالابتدائية فتجد المدرسة على بعد 20 كيلومتر، وربما أكثر ولا وجود لوسائل مواصلات، ولا مدرسين بالأساس، فأنت مناضل بالفطرة. أن تجد أنك فى المهد صبياً ورغم طفولتك تعمل وتكد لتساعد نفسك وعائلتك بالأساس. أن لا تجد المياه الصالحة للاستخدام اليومى وليس المياه العذبة الصالحة للشرب، فأنت مناضل. أن تكبر لتدخل الثانوية لتجدها فى العاصمة العريش التى تبعد عن المدينة 40 كيلو متر أو أكثر فأنت إما أن تكون ثرياً بمقاييس الفقر أو أن تعليمك على حساب قوت أهلك اليومى أو على حساب تعليم أخيك الآخر.

أن تتخرج لتجد أن الكليات غير موجودة ولا وجود لكليات بجامعة امتدادها كما تسمى نفسها قناة السويس، فأنت مطالب أن تغترب أو تتعلم تعليم خاص، وكأنك استثمار عائلة أو وديعة ادخار تم فكها. أن تجد أول سؤال يسأل لك هل أنت مصرى أم فلسطينى فلا غضاضة أن تشرح أين سيناء بالأساس على الخريطة، وتوضح أن رفح المصرية لا علاقة لها برفح قطاع غزة. أن يهمز ويلمز زملائك على لهجتك وكأنها لغة لدولة شقيقة ولا علم لهم بوجود أعراق تنتمى للوطن كالنوبة والبادية والتى تسكن فى محافظات عدة، فالعيب كل العيب على المركزية.

أن تكون دائماً محل شك فى نقاط تفتيش لا علم لك بماهية أسباب وجودها خاصة أنها ليست حدودية بل هى فى نقاط التواصل بين القنطرة شرق والقنطرة غرب - عن كوبرى السلام ونقاطه أتحدث - ومع ذلك فأنت مطالب لتبدو مواطنا سوياً عليك أن تفتش ذاتياً دون أى غضاضة من طرفك وألا يبدو حتى عليك لسيادة النقيب جل الله ثراه أى مشاعر أسى، فأنت إذاً مناضل.

أن ترى بأم عينيك كيف يحتفى بك أعلام وطنك ويتذكرك فقط فى أعياد تحرير سيناء والعاشر من رمضان والسادس من أكتوبر بأفلام وأغانى أعيدت للمرة الخمسين ولامانع من سرد بعض أكاذيب تاريخية (كالكذبة البلهاء بأخذ البدو لسلاح الجنود فى 67). وألا يذكر قصداً نضال شهداء ماتوا وعاش أبنائهم يعانون، فأنت إذاً مناضل. أن تجد دائماً الصورة الذهنية للمواطن السيناوى امرأة ببرقع ورجل بعقال وغطرة وجمل يركبه وجلباب يلبسة وعبائة يلتحفها على يمناه رغم أن نصف المجتمع السيناوى يلبس كأقرانه من باقى ربوع مصر، فأنت ولدت لتناضل.

أن ترى بعينك كل دوائر الاتهام فى مجتمع أحب الإسقاط وعشق المداراة ووجد فى اتهامك بالمتاجرة بالمخدرات (بلبيس تزيد فيها الظبطيات والزراعة والمتاجرة عن سيناء 5 أضعاف) ربما يكون هو الحل والأجدى للمرحلة. أن يعاد على مسامع شعب لا يرى إلا بعين خبراء أمنيين واستراتيجيين ولائهم للأجهزة الأمنية طالما أحبت أن تصف سيناء (بأرض حرب) وتجدهم فى استديوهات مدينة الإنتاج الإعلامى التى ندفع منها نصيبنا من الضرائب وتقتصها منا الدولة ملئ السمع والبصر، ويسمعون الناس كذباً وراء كذب بيع للأراضى فى سيناء على الشريط الحدودى ثم يوغرون صدر المواطن الذى يستقى المعلومة من إعلام الدولة نحو أهل سيناء ويوقفون التمليك الذى هو ألف باء مواطنة تحت ذريعة عدم البيع للأجنبى برغم أنهم قادرين قانونياً على علاجه فى كلمتين بين قوسين (يحظر البيع لغير المصريين).

أن تجد أن الاعتقالات العشوائية بعد تفجيرات (طابا وشرم الشيخ) والأحكام الغيابية زادت نسبةً وتناسباً مع عدد السكان عن أى نسب عالمية لحكومة مع مواطنيها. حين يذكر كلمة (الطبيعة الخاصة) لسيناء وتستخدم ذريعة للبطش بكل المشروعات التنموية المتوقفة، فأنت ولدت مناضلاَ. حين توصم بالإرهاب رغم أن كل التكفيريين بين الذين ضبطوا من خارج المحافظة، وتقدم الحل بدخول الأزهر الشريف كمنارة للفكر الوسطى فى ربوع القرى والمدن التى لم تر من مشايخ الدولة أحد (يختلط عند العامة التفريق بين الفكر الجهادى والتكفيرى). حين يكون مساعدة أهلينا بالقطاع غذائياً وحياتياً ومد يد العون للمقاومة الباسلة ودرء العين لكل من رأى غياب الدولة والشقيقة الكبرى مصر هو فى نظر البعض تهريب وتجد أن الحل سهلاً فى فتح معابر للتداول التجارى وغلق أنفاق وتجارة تحت الأرض وقتل فزاعة الأمن القومى، فأنت إذاً مناضل.

أى مقال هذا وأى مسئولية التى وكلت إلىّ وما أنا بهارب منها، فدورى ككاتب سيناوى لنقل صورة عن سيناء سيكون بمثابة صاعقة لأناساً سمعوا ولم يروا جرائم الدولة فى حق مواطنيها.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة