قالت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، فى بيان لها اليوم الأحد، إن قرار محكمة النقض الصادر بإلغاء الأحكام بإدانة الرئيس المخلوع مبارك ووزير داخليته حبيب العادلى، جاء نتيجة متوقعة لمحاكمة معيبة ومخيبة للآمال، وأكدت ضرورة أن تتفادى المحاكمة الجديدة الأخطاء الجسيمة التى شابت المحاكمة الأولى، والتى أدت إلى إلغاء الأحكام الصادرة عنها.
وأصدرت المبادرة تقريرًا بعنوان "محاكمة مبارك الأولى: "فرصة مهدرة لتحقيق العدالة"، قدمت فيه تحليلا قانونيا وسياسيا للمحاكمة وأوجه القصور التى شابتها، منذ مرحلة التحقيقات وحتى صدور الأحكام فى شهر يونيو الماضى.
كما تضمن التقرير توصيات من أجل تفادى هذه الأخطاء والعيوب فى المحاكمة الجديدة، وعلى رأسها التوصية بإعادة ملف القضية إلى النيابة العامة لاستكمال الأدلة، وضم الفاعلين الأصليين من قتلة الثوار كمتهمين جدد.
وقالت هدى نصر الله، المحامية بوحدة العدالة الجنائية فى المبادرة المصرية، "إن هذه المحاكمة كانت مخيبة للآمال منذ بدء التحقيقات وحتى النطق بالحكم. ورغم التفاؤل الشعبى بقرب تحقق العدالة بعد رؤية مبارك وكبار معاونيه خلف القضبان الحديدية فى المحكمة، إلا أن ما رأيناه بعد ذلك كان مجرد تحقيقات سطحية شابها الإهمال، وابتعدت تماما عن السعى لتحديد الفاعلين الأصليين للجرائم، فضلا عن أن المحاكمة اقتصرت على جرائم ارتكبت فى الأيام السبعة الأولى لاندلاع الثورة، وعلى الضحايا الذين استشهدوا أو أصيبوا فى الميادين العامة فقط".
وأضافت "نصر الله": "أن الحكم الصادر فى القضية مثل الصدمة الأكبر، إذ إنه يعفى الجهاز الأمنى من أى مسئولية عن مقتل المتظاهرين، وأدان الرئيس المخلوع ووزير داخليته فقط لكونهما فشلا فى التدخل لوقف القتل الذى رأت المحكمة أن مرتكبيه كانوا عناصر مجهولة".
وأشارت المبادرة المصرية فى تعليقها إلى أن السبب الرئيسى وراء الحكم المعيب لمحكمة جنايات القاهرة هو أن المحاكمة مرت عبر قنوات الأجهزة الأمنية والقضائية ذاتها، وهى الأجهزة التى صُممت لحماية نظام مبارك، ودأبت على منع محاسبته حتى بعد تنحيه، والتى لم يطلها أى تغيير سواء فى الأفراد أو فى هيكل هذه المؤسسات، أو فى الإطار التشريعى الذى ينظم عملها.
وأشار التحليل، الصادر عن المبادرة المصرية، إلى أن التسييس وليس مقتضيات استيفاء العدالة كان المُسير لعمل الجهات القائمة على هذه المحاكمة، سواء النيابة العامة أو هيئة المحكمة. وكانت النيابة العامة محلاً للنقد الشديد فى هذه القضية لما اتسم به عملها من قصور مهنى شديد، وتباطؤ غير مبرر فى فتح التحقيق وإحالة المتهمين تارة، وإسراع غير مبرر أيضًاً فى إتمام التحقيق تارة أخرى، فضلا عن تجاهل التحقيق مع متهمين تشير الدلائل إلى ضلوعهم فى الجرائم محل المحاكمة، وما يدلل عليه ذلك من تقاعس فى تحديد الفاعلين الأصليين.
أما فيما يخص أداء المحكمة، فقد أشار تحليل المبادرة المصرية إلى تجاهلها طلبات هيئة الدفاع عن الضحايا بفصل اتهامات قتل المتظاهرين عن الاتهامات المتعلقة بالفساد، ورفضها طلب دفاع الضحايا بإعادة الأوراق إلى النيابة العامة لإدخال الفاعلين الأصليين كخصوم جدد فى الدعوى، ومنعها هيئة الدفاع عن الضحايا من توجيه أسئلة للمشير حسين طنطاوى أثناء إدلائه بشهادته.
ولفت التحليل إلى تجاهل هيئة المحكمة أقوال أكثر من 1300 من الشهود، وهى الأقوال التى استندت إليها النيابة وبينتها فى أمر الإحالة، لدى التدليل على قيام رجال الشرطة بقتل المتظاهرين، والشروع فى قتلهم. كما تجاهلت المحكمة الأدلة الدامغة فى ملف القضية، علاوة على كم هائل من التقارير الطبية، والأحراز المادية التى تحوى أسلحة وذخائر، بما فيها رصاص حى، وكذلك دفاتر مخازن السلاح لقطاعات الأمن المركزى، وما قُدم للنيابة العامة من المقاطع الفيلمية المصورة التى وفرها المدعون والمواطنون، بالإضافة إلى تقرير لجنة تقصى الحقائق الأولى عن أحداث ثورة 25 يناير، وجميعها تشير لتورط رجال الشرطة فى قتل المتظاهرين.
والتفتت المحكمة عن كل هذه الأدلة، واستندت فى حكمها بتبرئة مساعدى العادلى إلى "خلو أوراق الدعوى والمضبوطات من أى أدلة تطمئن إليها المحكمة، تثبت أن الفاعلين الأصليين هم ضباط وأفراد الشرطة"، وهو مؤشر دال على ظلال التسييس الكثيفة التى غلفت المحاكمة.
وقد قضت محكمة النقض، اليوم، بقبول الطعن على كافة الأحكام الصادرة عن محكمة الجنايات فى 2 يونيو 2012، والتى تضمنت معاقبة "مبارك" و"العادلى" بالسجن المؤبد فيما أسند إليهما من الاشتراك فى جرائم القتل والشروع فى القتل، وتبرئة باقى المتهمين من مساعدى العادلى، وانقضاء الدعوى الجنائية المقامة ضد مبارك ونجليه ورجل الأعمال الهارب حسين سالم بشأن تهم استعمال النفوذ وتقديم وقبول عطايا بسبب مضى المدة المسقطة للدعوى الجنائية. وقررت محكمة النقض إعادة المحاكمة أمام دائرة أخرى.
وأوصت المبادرة المصرية باتخاذ كافة الإجراءات اللازمة من أجل تفادى تكرار نفس الأخطاء والعيوب فى المحاكمة الجديدة، وذلك بما يشمل الاستجابة لطلبات هيئة الدفاع عن الضحايا بإعادة أوراق القضية للنيابة العامة تطبيقا للمادة 11 من قانون الاجراءات الجنائية، لطلب استكمال الأدلة وادخال متهمين جدد هم الفاعلون الأصليون، والتعامل بجدية مع الأحراز ومع نتائج لجان تقصى الحقائق المختلفة التى حققت فى أحداث ثورة يناير، وبالأخص اللجنة المشكلة من قبل الرئيس محمد مرسى بعد توليه الحكم فى شهر يوليو 2012، فضلاً عن كفالة جميع ضمانات المحاكمة العادلة، بما فى ذلك علانية المحاكمة، ومنح الحق فى الدفاع، وحماية الشهود، وتعويض الضحايا، بالإضافة إلى إنشاء آلية مستقلة عن الأجهزة القضائية والتنفيذية للتحقيق فى جميع حالات الوفيات، أو الإصابة البالغة، التى ارتكبت على يد رجال شرطة، بحيث لا تكون الجهات الأمنية المتهمة هى المسئولة عن التحريات أو جمع الأدلة فى التهم المنسوبة إليها.
تقرير "المبادرة المصرية": إلغاء الحكم بإدانة "مبارك" و"العادلى" نتيجة متوقعة.. توصيات لتفادى الأخطاء فى المحاكمة الجديدة بإعادة ملف القضية إلى النيابة لاستكمال الأدلة وضم القتلة الأصليين للثوار
الأحد، 13 يناير 2013 03:14 م