على الرغم من أن الفساد ظاهرة تاريخية وموجودة فى كل المجتمعات – بشكل متفاوت – إلا أنه لا يوجد تعريف موحد له خاصة فى ظل عدم وجود خطوط واضحة وموحدة بسبب تباين العوامل الاجتماعية والثقافية والدينية من مجتمع إلى آخر.
وعموما يعرف الفساد اصطلاحا بأنه سلوك غير سوى، ينطوى على قيام الشخص باستغلال مركزه وسلطته فى مخالفة القوانين واللوائح والتعليمات بتحقيق منفعة لنفسه أو لذويه من الأقارب والأصدقاء والمعارف على حساب المصلحة العامة.
وتتمثل خطورة الفساد فى الإضرار بالمصالح الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية للمجتمع.
وينتشر الفساد بشكل كبير فى الدول العربية وترجع أسبابه إلى ما يلى:
1- الأسباب الاقتصادية: وتتمثل فى سوء الوضع الاقتصادى لبعض الذين يمتلكون السلطة العامة، فضلا عن تدخل الحكومة فى الأنشطة الاقتصادية ذلك لأن الأفراد يميلون إلى منح الرشاوى للمسئولين لتخطى القواعد والنظم والإجراءات العامة، كما يخفق المسئولون أحيانا فى رفض تلك الرشاوى.
2- الأسباب السياسية والإدارية: وتتمثل فى غياب القيادة السياسية "القدوة" وضعف الإرادة السياسية لمكافحة الفساد، خاصة لدى السلطة التنفيذية، فضلا عن غياب الشفافية وعدم السماح للمواطنين ولوسائل الإعلام الوصول للمعلومات والسجلات العامة، بالإضافة إلى وجود صلاحيات وسلطات للموظفين وللأجهزة التى يعملون بها لا تستند إلى معايير وضوابط موضوعية.
3- الأسباب الثقافية والاجتماعية: وتتمثل فى تأثير العلاقات الشخصية فى الحياة الاجتماعية (المحاباة والمحسوبية)، وإحساس الأقليات القبائلية والعرقية بالظلم، وانخفاض مستوى الوعى لدى المواطنين ومستوى معرفتهم بأشكال الفساد وأساليب مكافحته، والخلل فى المنظومة الأخلاقية والقيمية للأفراد خصوصا بعد الثورات التى حدثت فى عدد من الدول العربية والتى تحولت فيها مفهوم الحرية إلى مفهوم الفوضى، وضعف أداء أجهزة الإعلام بمختلف صورها.
4- الأسباب التشريعية: وتتمثل فى التضخم وعدم الاستقرار التشريعى وعدم فعالية التشريعات اللازمة لضمان الشفافية والحكم السليم، فضلاً عن سوء صياغة القوانين واللوائح المنظمة للعمل الأمر الذى يعطى للموظف فرصة للتهرب من تنفيذ القانون أو الذهاب إلى تغييره بطريقته الخاصة التى قد تتعارض مع مصالح المواطنين.
ونظراً لأن الفساد أصبح آفة عالمية، فإن مكافحته ليست مسئولية كبار الموظفين الحكوميين وحدهم، بل هى مسئولية جميع فئات وقطاعات المجتمع المختلفة، وتتمثل آليات مواجهته فيما يلى:
أولاً: تبنى الحوكمة الصالحة: وتتمثل أبعاد الحكم الصالح فى حكم وسيادة القانون والشفافية والاستجابة والمشاركة والإنصاف والفاعلية والكفاءة والمساءلة والرؤية الاستراتيجية.
ثانياً: تفعيل مبدأ المسئولية: حيث إنه يعد أحد أهم الأركان الرئيسية لقيام حكم رشيد وصالح، بعيدا عن الفساد والمحسوبية بحيث يمكن مساءلة كل من أخطئ مهما كان منصبه.
ثالثاً: الشفافية: وهى تعنى الوضوح التام فى اتخاذ القرارات ورسم الخطط والسياسات وعرضها على الجهات المعنية بمراقبة أداء الحكومة نيابة عن الشعب وخضوع الممارسات الإدارية والسياسية للمحاسبة والمراقبة المستمرة.
وليس هناك من شك فى أن الشفافية هى أحد السبل الكفيلة بالقضاء على الفساد والحفاظ على المال العام، وأنها آلية ناجحة من الآليات التى اعتمدتها جميع الإدارات الحديثة فى النظم الديمقراطية للحد من هذه الآفة التى تضرب بشكل خاص القطاع العام. والشفافية والفساد مفهومان يقعان على طرفى نقيض فكلما اتسعت دائرة الشفافية ضاقت دائرة الفساد، ولهذا، يعتبر انعدام الشفافية انتشارا واستفحالا للفساد، ومحاولة صريحة وواضحة للتغطية عليه وتمريره، فالتعامل غير الشفاف يخفى وراءه كل ما يمكن أن يضر بالمصلحة العامة، والخاصة ويشوه صورة الوظيفة العامة والعمل العام، وبواسطة الشفافية، يمكننا تحديد بؤر الفساد وحصرها، وبالتالى معالجتها وتسمية الفاعلين فيها فتصبح الشفافية أحد أدوات أو وسائل الوقاية من الفساد حيث يقوم من لم يكشف أمر فساده عند سماع غيره إلى معالجة أخطائه قبل أن تظهر على الآخرين، ولهذا، فلابد من إرساء مبدأ الشفافية فى جميع التعاملات وجعلها واقعاً حياً ومعاشاً والسعى إلى إرساء هذا المبدأ يعتبر واجباً وطنياً يجب السعى إليه بكل مصداقية، ويجب على الحكومات العربية أن ترسى هذا المبدأ عن طريق إصدار التشريعات اللازمة.
رابعاً: تحديث وتفعيل النظم والقوانين، وتفعيل دور الأجهزة الرقابية فى ملاحقة جرائم الفساد.
خامساً: تعزيز وتنمية وعى أبناء المجتمع بأضرار الفساد، وكيفية محاربته من خلال مختلف قنوات الاتصال، والتفاعل مع الجمهور، ومؤسسات التعليم والإعلام، والمؤسسات الثقافية والدينية من خلال نشر وتبنى القيم الأخلاقية فى المجتمع وإبراز القدوة فى كل مجال، وزيادة الشعور بالانتماء للوطن.
سادساً: تفعيل دور الأجهزة القضائية فى ممارسة دورها الأساسى فى كشف حالات الفساد فى مختلف أجهزة الدولة، واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة إزاءها وعدم التدخل أو التأثير فى مهامها من قبل الأجهزة الحكومية الأخرى، واتخاذ الإجراءات العقابية الرادعة لكل من ثبت تورطه فى قضايا الفساد الإدارى ونهب المال العام مهما كانت شخصيته ومركزه الوظيفى أو الاجتماعى.
سابعاً: إصلاح الجهاز الإدارى من خلال إصلاح هياكل الأجور والرواتب، وزيادة التنافس بين مقدمى الخدمات والحد من الاتصال المباشر بين طالب الخدمة ومقدمها، والأخذ بسياسة التدوير الوظيفى، ووضع مواثيق أخلاقية وسلوكية فى المنظمات العامة.
وفى الختام نرى أن الشروع فى تطبيق كل ما سبق بفاعلية يعنى بداية العد التنازلى لتلاشى الفساد والمفسدين من كل مؤسسات الدول العربية، وبداية التوجه الصحيح نحو أداء متميز فى هذه المؤسسات يواكب تطورات العصر ويحقق التقدم المنشود لمجتمعنا العربى.
* الخبير فى القانون الجنائى الدولى