قبل ثورة 25 يناير 2011 لم تكن الدولة المصرية فى حاجة إلى ثورة إسلامية، حيث كانت مصر دولة مدنية حقا منذ القرنين الماضيين، كانت تلك الدولة المدنية ترتكز إلى علمانية معتدلة من الأصل توقر الإسلام وتحترم الأديان، وكان من الصعب على أى فصيل دينى امتلاك هامش واضح للتغاير عن البنية الثقافية التى يرتكز عليها النظام السياسى المصرى، أو تقديم إضافة كبيرة لهذا النظام من داخل فضاء الدولة المدنية.
ولكن أصبح هناك قصور وانعدام شفافية وتراكمت المشاكل وعم الفساد، واهتم المسئولون بجمع أموال الشعب والتصرف فيها وكأنه غير موجود وبدأت السلطات المسئولة فى بيع القطاع العام دون الرجوع للشعب وبيع ثرواته المعدنية بأبخس الأسعار، وشعر الشعب بتهديد حقيقى فى الحصول على لقمة العيش أو الحرية أو العدالة فى توزيع الدخل والكرامة الإنسانية فى التعامل مع الجهات المسئولة عن خدمته، وأصبح الشعب بدل أن يكون صاحب الدولة ويشعر المواطن بآدميته، أصبح أحد أصولها الذى لا تقدر قيمته، فكانت الثورة التى قامت فى ذلك الوقت ثورة على الدولة المدنية لصالح الشعب الذى يطالب ثواره فقط "بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية"، ولم يكن من أهداف ثوارها أبدا المطالبة بالدولة الدينية أو غيرها لأن كل مسعى للانقلاب على الدولة المدنية، وقواعدها لم يكن ضمن أهداف تلك الثورة وشبابها وشيوخها وهم غالبية شعبها المكون من أكثر من 90 مليون نسمة لايزيد عدد أفراد الإسلام السياسى فيها عن 10% منها، ولكن لأسباب منها عدم وجود رأس أو قيادة ثورية للشعب المصرى ولطبيعته المسالمة وثق فى (الإخوان المسلمون والتيار السياسى الإسلامى" الذى وجدها فرصة لتحويل المطالب إلى مطالب دينية وهى الشريعة أوهى الدولة الدينية فى النهاية، لأنهم لم يكونوا يجرءون على المطالبة بها احتراما وتقديرا للدولة المدنية القائمة تلك المطالب معروفة للجميع، وهو ما يضع الإخوان المسلمين فى مأزق أسباب وجودهم، حيث تصبح دعوتهم للثورة بلا مضمون، وإلا لماذا لم يستطيعوا القيام بثورة منذ المرحوم الشيخ حسن البنا وهذا بالطبع يؤدى إلى تهربهم من هذه الحقيقة التى يهربون منها ويسعون للتعمية عليها بالمناورات السياسية والأساليب الملتوية المتلاحقة، وكل ما فعلوه هو ركوب موجة الثورة المصرية أو ثورة الشعب وتحويل مطالبه من عيش وحرية وعدالة اجتماعية وكرامة إنسانية، إلى شريعة ودولة دينية.
لقد قامت الثورة التلقائية التى لم يخطط لها أحد على نظام سياسى أذل المصريين وأفقدهم الشعور بالحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية داخليا وخارجيا، مما أدى فى النهاية إلى اعتلاء الإخوان سدة الحكم فى بلد متمدين وعريق بامتداد التاريخ، وترسخت الدولة الحديثة لديه لأكثر من قرنين من الزمان قبل الثورة، ولم تحل الدولة الحديثة دون تدين الشعب، ولذا كانت مطالب الثورة الأساسية هى العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، وكان أن انتحل الإخوان اسم حزبهم وهو (الحرية والعدالة) من أهدافها ومطالبها، وقد قام رغم ذلك بعد نجاح الثورة برفع شعار الشريعة الذى يطالب به السلفيون، وكأن الشعب المصرى ليس مسلما، بينما لم تكن الشريعة موضع جدل حقيقى أبدا قبل الثورة، ولم يكن الإسلام مضطهدا يوما، بل ربما كان المصريون أحد أكثر المجتمعات الإنسانية تدينا.
واستخدام مبدأ ميكيافللى المعروف "الغاية تبرر الوسيلة" هو ما تسبب فى تفجير الموقف وكاد أن يؤدى إلى حرب أهلية بين فئات الشعب، وأدى إلى التخبط الظاهر والخروقات العديدة لسيادة القانون، وتحليل ومفاصل الدولة وأخونتها وصولا إلى حكم ممتد لا تستطيع قوة ما أن تنهيه فى وقت قصى أو بسهولة.
ونظرا لعدم وجود أجندة واحدة إخوانية أو قدرات على إدارة الدولة الحديث خاصة بحجم وحضارة مصر فعلى الإخوان المسلمون بمدنية وحداثة الدولة المصرية منذ أكثر من قرنين أولا، تعميق الديمقراطية بدون تمييز أعضاء تلك الجماعة عن غيرهم من أفراد الشعب، والاعتماد فى إدارة الدولة على الخبرات الحقيقية وعدم الوقوع فى الخطأ الذى وقعت فيه ثورة يوليو باستخدام أهل الثقة بدلا من أهل الخبرة، التخلى عن عالمية الجنسية أى إنكار الانتماء إلى الشعب المصرى "فالانتماء للشعب المصرى هو شرف لكل إنسان، العمل على ترسيخ قواعد الديمقراطية الليبرالية وعدم المجادلة فى قواعد الدولة المدنية.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
عماد صلاح
واحشنى
واحشنى جدا مقالاتك وكتباتك يا دكتور خميس