معصوم مرزوق

الإجهاد الثورى

السبت، 12 يناير 2013 10:20 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
اقتربت الذكرى الثانية لثورة 25 يناير، فى ظل تخبط بين أهل الحكم، وشروخ فى جدار المعارضة.. تبدو البلاد وكأنها فى مخاض بركان على وشك الانفجار، بعد أن ضجر الناس من السياسة والسياسيين الذين اقترنوا بالثورة بعقد عرفى وكأنها زوجة غير شرعية، وتباروا فى خيانتها والكذب عليها وعلى الناس، فهى أحياناً ترتدى ثوب شرعية ثورية، وأحياناً أخرى يضعون عليها ثيابا ممزقاً من شرعية دستورية لا تستر عوراتها.. وأصبحت «الثورة» فى حاجة إلى ثورة.

ما بين استفتاء مزق المجتمع المصرى، وتعديل وزارى لا يفصح كثيراً عن أسباب خروج من خرجوا من الوزراء، ولا من دخلوا، توتر متصاعد فى العلاقات مع دولة الإمارات، وتطوير للعلاقات مع إمارة قطر، ودور غامض لدكتور التحاليل عصام حداد فى ملفات العلاقات الخارجية والأمن القومى، وتصريح غير مفهوم لعصام العريان يدعو فيه لعودة اليهود المصريين إلى مصر وتعويضهم، ثم كالعادة تبرؤ أهل الحكم من التصريح.. ومن ناحية أخرى هناك إشكاليات عديدة فى جبهة المعارضة، منها ما هو بنيوى، وما هو صراع مكتوم، ومنها ما هو تمايز أجيال..إلخ.. الشروخ تتزايد رغم الجهد فوق الإنسانى للحيلولة دون الانهيار على الأقل حتى عبور استحقاق الانتخابات القادمة.. ويبقى أن آفة الرأى الكبر والهوى.. ومن أسف أن معين السياسة فى بر مصر لا ينضب من ذلك. وبينما نجد أنه فى أغلب دول العالم عندما يخرج المسؤولون لإعطاء تصريحات فإنها تنعكس ايجاباً على الاقتصاد الوطنى.. نجد عندنا أنه كلما نطق مسؤول انخفضت قيمة العملة الوطنية وتراجعت السياحة.
وتبقى محنة الدستور عالقة كمشكلة كؤود خاصة بعد ما فضح اللقاء الذى أذيع للشيخ ياسر البرهامى، ما يشكك فى مصداقية الجمعية التأسيسية، لأن ما ورد فى هذا اللقاء خطير للغاية، ويكشف عن الأسلوب الذى كان يدار به العمل فى الجمعية التأسيسية، فضلاً عن أنه يؤكد كل المخاوف حول مشروع الدستور، حتى بين أولئك الذين كانوا لا يزالون يحسنون الظن بذلك المشروع، حتى الأسباب المتهافتة التى ساقها آباء هذا الدستور المبتسر، مثل التحجج بأنه لا توجد محكمة دستورية يزيد عدد قضاتها على 9 أو 11 قاضيا، ثبت عدم دقته، بل إن هناك محاكم بلا حد أقصى للعدد مثل محكمة استراليا.. ولكن المسألة ليست مجرد العدد، وإنما الرغبة الانتقامية التى تملكت من المشرعين، وهو ما عبروا عنه صراحة تجاه المحكمة، لدرجة أنه لم يتم اتباع العرف الدستورى الخاص بالإبقاء على المراكز القانونية الوظيفية حتى انتهاء مدتها أو التقاعد.. فضلاً عن التغول الواضح من السلطة التنفيذية فى السلطة القضائية، ناهيك عن الاعتداء المادى وإهانة القضاة.. ولعل ما ذكره ياسر برهامى فى الشريط الذى تم تسريبه يؤكد أن النية كانت مبيتة للقضاء على المحكمة الدستورية، بل إن دستورية القوانين – وفقاً لياسر برهامى - ستحال إلى هيئة كبار العلماء للفصل فى شرعية النصوص آخذاً فى الاعتبار المادة الثانية والمادة ٢١٩.. أى أن التوجه هو إعدام المحكمة الدستورية.. أو هكذا تشير كل الشواهد.
وقبل الإعلان رسمياً عن نتيجة الاستفتاء، سارع الرئيس بتعيين 90 نائباً فى مجلس الشورى كى يتفادى الالتزام بالعدد الذى قرره الدستور الجديد، رغم أن نفس المجلس سيتمتع بسلطات تشريعية منفردة وفقاً لهذا الدستور، وهكذا تتوالى الألاعيب القانونية من تعطيل لعمل المحاكم للنظر فى شرعية مشكوك فيها لمجلس الشورى والجمعية التأسيسية، وحصار مادى ومعنوى للمحكمة الدستورية، ثم وعلى الفور يشرع مجلس الشورى فى غيبة شبه كاملة لكل القوى السياسية الرئيسية فى البلاد كى ينظر فى حفنة قوانين هامة، أبرزها قانون الانتخابات رغم أنه تم وضع قواعد دستورية حاكمة بالفعل تقر القانون الذى سبق الحكم بعدم شرعيته. ورغم أن المعارضة بكل فصائلها لم تعترف بهذا الدستور المبتسر والذى لم يصوت عليه سوى %20 من إجمالى الناخبين بما يشكك فى شرعية تمثيله الحقيقى للتوافق الوطنى المفترض للدساتير، فإنها تواجه إشكالية أسلوب أهل الحكم فى فرض الأمر الواقع، فإذا هى قاطعت انتخابات مجلس النواب، فإنه وعلى طريقة الحزب الوطنى سوف يعلن أهل الحكم أنهم يحوزون شرعية الصندوق فى مجلس سوف يسيطرون عليه بالكامل، وإذا قررت المعارضة خوض الانتخابات فإنها ستمنح الدستور المبتسر شرعية إضافية، بل إنها سوف تلعب على ملعب تم تخطيطه ووضع قواعده لصالح الفصيل الحاكم، وفى ظل ظروف لا تستبعد شبهة تزوير الصناديق أو وعى الناخب نفسه.
هذه المعارك التى صنعها أهل الحكم أدت إلى حالة من الإنهاك لدى قطاع واسع من الشعب، خاصة مع تدهور الأوضاع الاقتصادية إلى درجة خطيرة، ورغم أن الحالة الثورية لا تزال نابضة بين قطاعات الناشطين من الشباب، إلا أنه يمكن ملاحظة حالة من الإجهاد الثورى أو ما يطلق عليها Revolutionary fatigue التى تعقب فترة ممتدة من العمل الثورى، ومن المحزن أن ينفذ البخار الثورى الذى كان يمكن توظيفه فى عملية البناء والتطوير، ولن يغفر التاريخ لأولئك الذين أضاعوا تلك الفرصة الذهبية على شعب مصر. ورغم كل ذلك ما زالت هناك فرصة للشعب لمقاومة هذا التدهور.. لقد وصل التهديد الحضارى إلى درجة تستدعى مراجعة النفس وعدم الاكتفاء بالموقف السلبى أو التبريرى.. إنها لحظة الحقيقة لشعب مصر كله، فلا يمكن السماح لنمو ديكتاتورية فى وضع التطور، ولابد لكل القوى الحية أن تقاوم عودة الاستبداد.
إن ثقتى فى شعب مصر الأبى تجعلنى أشعر باقتراب الفجر الحقيقى.. لأن المفتاح لأول مرة بيد شباب مصر، فى حين تراجعت فكرة «الزعيم المخلص»، أو فات زمانها.. وربما كان لابد أن نخوض فى تلك المياه الضحلة قبل أن تعتدل سفينتنا فى مجراها الحتمى إلى المستقبل المشرق، وبين كل هذا الظلام المحيط يمكن أن نرى ذلك الشعاع المضىء الذى يحمل رسالة الصباح.. وسوف تنتصر إرادة الحياة والحرية والحب والعدل، وتنهزم فلول الظلام.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 5

عدد الردود 0

بواسطة:

Edit Profile Picture Col Mohammed Makkawi

الثورة والحالة الثورية

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد عبد الله

لقد أخرجوا المارد من القمقم

عدد الردود 0

بواسطة:

خالد الشيخ

حيثيات ثورة التصحيح

عدد الردود 0

بواسطة:

جرجس فريد

الاجهاد يوم الأجازة

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد عبد الله

عفوا ، توضيح بسيط

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة