سألته وهو الخبير بشئون السياسة المحنك المتمرس والمشهور بالكياسة، قلت له دلنى .. بربك ما العمل.. والوضع غاب عنه الأمل، مصر الحبيبة تحترق، والثورة تخنق وتخترق، والشعب الواحد أصبح شعبين، والحرب تطحن رحاها الجميع، جماعة قفزت على الثورة المجيدة واستولت على مصرنا العتيدة، بالشعب الغافل غررت وللدستور الشنيع مررت، فى الوقت الذى رفضه الشعب المسكين.. وافقت عليه الصناديق الملاعين، دستور يعود بنا لعصور ما قبل التاريخ يزوج الفتاة القاصرة فى سن التاسعة.. ويبيع أرض سيناء الحبيبة لليهود الصهاينة، حتى إذا لم ينص على ذلك فى الدستور.. ستظل أمرا يتناقله الجمهور.
جماعة تحكم البلاد بقبضة من حديد، صحيح أنها لا تملك سوى رئيس تعمل ضده كل أجهزة الدولة، تفعل عكس ما يقول، وتحاربه كل إداراتها.. تصارع كل قراراته وتعمل على إفشالها، وتسعى سلطاتها القضائية والتنفيذية لإسقاطه بأى ثمن، ولكن تبقى الجماعة بقبضة فولازية.. ويكفيها ميليشياتها العسكرية، صحيح أن تلك الميليشيات الجبارة والتى ترعب كل أفراد الشعب.. صغاره وكباره.. لم تستطع الدفاع عن كل مقرات الإخوان التى تم حرقها والعبث بها فى كل محافظات مصر.. والتى أعلن حارقوها ومخربوها أنهم من المعارضة المدنية السلمية والتى بالطبع لا تمتلك أى ميليشيات... وقد قاموا بحرق ستة وعشرين مقرا للجماعة فى كل المحافظات، بل لم تستطع الميليشيات الفتاكة أن تدافع عن ثمانية شباب من أفراد الجماعة هم غالبية من قتلوا فى أحداث الاتحادية الأخيرة، ولم نرها تستخدم سلاحا واحدا تدافع به عن كرامتها التى بعثرت حتى ولو كانت بنادق لصيد العصافير، ومع كل هذا ستبقى ميليشياتها الوهمية أمر مخيف وخطير.
أما الشعب المطحون فهو يعانى كل صنوف البلاء، يصرخ من الغلاء وبرد الشتاء ويئن من نقص فى الدواء والكساء، طال صبره ثلاثين عاما على فساد وظلم واستبداد سلطة.. أبعد أن أسمعت الثورة صوته.. تراه يصمت ولو للحظة.
أينتظر ثلاثة أعوام أخرى، ليتم إصلاح ما تم تخريبه وتجريفه وتجفيفه فى كل شبر على أرض مصر خلال ثلاثين عاما ... لا أظنه يستطع..!!!
أما إعلامنا المحترم.. والذى ضرب لنا أروع الأمثلة على شرفه واستقلاله طوال عهد مبارك المنصرم.. ومن بعدها طوال ثمانية عشر يوما هى عمر ثورتنا الوليدة .. فهو يصرخ من كبت حريته وتقييده، فبعد أن أخرج كل مفردات قواميس الفحش والبذاءة، وصبها على الرئيس وحكومته وكل مسئول أتت به ثورة فاجئته، يصرخ مذعور ملتاع: أين هى الحرية ؟؟ هل ستبقى فقط كلمات تذاع.. لم يعد يكفيه سب أو شتائم أو تلفيق تهم كاذبة، أو تهييج جماهير وإشعال فتن، لا يقنع سوى بإسقاط حاكم جاء على غير هواه، ثم انتزعه من حضن أباه.. بعد أن ألقى به فى السجن، أين هى الحرية إذن ؟؟
فى كل تلك الأوضاع المزرية لحال مصرنا الحبية الغالية، هل نحتاج لثورة قادمة.. نقضى بها على كل ما أنجزناه ونقتل بأيدينا ثورة قائمة ؟؟ أم نخوض حربا بين أبناء الوطن.. ليتقاتل من قال لا مع من قال نعم ؟؟ أم الهروب من كل تلك الظلمة.. بهجرة تكون بلا رجعة ؟؟ سألته: ما الحل يا خبير بالمشكلات ويا حلال العقد والمعضلات ؟؟
فأجابنى بكلمات موجزة: إن الأمر حقا لا يحتاج لمعجزة، فقط استخدمى (الريموت كنترول).. وأغلقى كل قنوات الفلول، تنتهى حتما كل أوهامك وتعيشى فى واقعك وتجابهى أيامك.
